يستعرض الكاتب السوري أنس شكشك في كتابه “فلسفة الحياة وحكمة الوجود” دور الفلسفة في السعي نحو العقول ولزوم الكشف عن معاني الأشياء وأهمية البحث عن قيمة الحياة الإنسانية والاهتمام بالحقائق الكبرى التي يعيشها الإنسان في صميم حياته الروحية وكذا البحث النقدي في كل ما يمكن فعله في هذا العالم .

تحت عنوان “فلسفة الحياة” وبعنوان فرعي “دراسة الفكر والوجود” يعرض الكاتب آراءه حول الحكمة والفلسفة، يقدم الكاتب مفهومه للعمل الفلسفي، من خلال الإحاطة بكثير مما ألف ونشر في هذا الخصوص، وبمعنى آخر هي انشغال بالنصوص واشتغال عليها، تشريحاً وتفكيكاً، من أجل إعادة البناء والتركيب، ومن ثم الفهم.

أنس شكشك أستاذ محاضر بكلية التربية بجامعة حلب، كاتب و مؤلف كتب في التربية وعلم النفس والفلسفة. له عدة مؤلفات من بينها ” التربية صناعة الإنسان”، “الحضارة والحياة”، “علم النفس العام” وله تحت الطبع سلسلة بعنوان “الذكاء والذاكرة والتفكير والإبداع والشخصية” و”العقل.

يرى المؤلف أن الفلسفة هي فن وإبداع وتكوين المفهومات وتركيبها إذ ليس التأمل والتفكير والتواصل ميادين معرفية وإنما هي آليات لتشكيل كليات داخل مجمل الميادين.

أما كتاب: “فلسفة الحياة وحكمة الوجود” الصادر عام 2006، فهو كتاب صغير لا يتعدي المائتي صفحة لكن الأفكار التي احتواها بين طياته أكبر من حجمه بكثير.

يتألف الكتاب من العناوين الآتية:

  1. ماهية الفلسفة
  2. الفكر الفلسفي فيما وراء الطبيعة
  3. معنى الفلسفة
  4. حكمة الإنسان
  5. حكمة الحب
  6. حكمة الجمال
  7. حكمة الحرية
  8. حكمة الحياة
  9. حكمة العلم (…) وعناوين أخرى ذات صلة. 

يبحر الكتاب في بحار الحكمة والفلسفة، ويغطي تيارات فلسفية كالوجودية، والوضعية المنطقية، والماركسية، والهيغلية، والبنيوية، والتفكيكية، ويقترب من علم الأخلاق وعالم المثل العليا والقيم. كما يبحث في فلسفة الإغتراب “تجزئة الذات ووحدتها”، ويشرح فلسفة التصوف “تصفية الجانب الباطني للنفس”، والأحوال والمقامات في الصوفية، وعلاقة الإنسان بهدف المعارف جميعها.

إن كليات التأمل في الفكر الفلسفي يجد أن المعرفة اكتشاف للحقائق الأزلية الخالدة والذي يفكر في أصل الوجود وماهيته يلاحظ أن الإنسانية اتخذت إتجاهين رئيسيين في الفلسفة هما الطبيعة المادية والعقلانية المثالية أو الروحية وكانت الفلسفة تراوح بين الشك واليقين ولهذا تعددت التيارات الفكرية والمذاهب وتغيرت حسب الأزمنة والأمكنة والكل أراد أن يبرر إمكانياته في هذا المجال …”.

فلسفة الظن والحقائق الأزلية

يرى الباحث بأن ماهية الفلسفة هي معرفة لاكتشاف الحقائق الأزلية وهي الطريق إلى الحقيقة التي يبحث عنها الإنسان محاولا فهم ذاته كمدخل لعالمه المليء بالخفايا والأسرار. وما دفع الأفراد للاهتمام بمثل هذه المسائل هو استعدادهم الفطري والرغبة في إيجاد علل لمعرفة وتفسير أصل الأشياء ومعنى العالم ومصيره فالاهتمام بأمور ما بعد الطبيعة رافق الإنسانية منذ مطلع فجرها.

تطرق المؤلف في دراسته إلى الفلسفات التي ظهرت منذ القدم ومستعرضا إياها فالفلسفة اليقينية تعتقد بأن التجربة الباطنية التي تنبئنا عن ذواتنا تمتلك قدرة إدراك المطلق إدراكاً حدسياً وأن معرفة الله والعالم تنطلق من المبادئ والأولوية البديهية الكامنة في العقل الإنساني وهي أصل قوانين العقل كمبدأ السببية والحتمية والغائية ومبدأ الهوية.

كما استعرض الكاتب فلسفة الظن التي تعتقد بأن العلم هو الحصول على اليقين التام يقيناً يعتمد على البراهين الثابتة التي تتزعزع كالعلم الرياضي واليقين المعنوي بالخير والعدل والحرية حيث اتفق أنصار هذه الفلسفة على أن العقل لا يستطيع أن يبلغ أي حقيقة بصفة يقينية ويتعين عليه أن يعلق أحكامه إثباتاً أو نفياً.

الفكر الإنساني فيما وراء الطبيعة

وينقلنا الباحث إلى الفلسفة المادية التي أرجعت الوجود إلى العناصر الطبيعية الأساسية المتمثلة في الماء والهواء والتراب والنار. وكذا إلى الفلسفات المثالية التي تؤكد على أولوية وجود العقل والروح واعتبارهما مصدراً للظواهر المادية والبدنية بالنسبة للإنسان ومنها التيار الروحاني الذي يعتبر بأن الروح أسمى من الجسد من حيث طبيعتها الإلهية ومن حيث قدرتها على المعرفة .

وتطرق المؤلف إلى الفكر الإنساني فيما وراء الطبيعة معتبراً التفكير الفلسفي كشعور المرء بضرورة تحقيق مهمة لم يستطع أحد من قبله أن ينهض بتحقيقها وأنه لا حياة للفلسفة إن لم نجعل نقطة انطلاقها هي الإنسان نفسه بوصفه ذلك الموجود الذي لا يكاد يكف عن وضع نفسه موضوع التساؤل .

فالتفلسف في صميمه ما هو إلا تفتح كامل للذهن أمام آفاق ذلك المجهول الذي يمتد فيما وراء كل معرفة موضوعية.ويرى الباحث بأن المعنى الحقيقي للفلسفة قد ارتبط بمعاني الحكمة والتوجيه والكمال وبالتالي هي حكمة الحياة بحيث يربط الفلسفة بالسياسة

ويرى بأن المدلول الحضاري لكل مذهب فلسفي هو قوة تاريخية هائلة وتاريخ المذاهب الفلسفية في العصور الحديثة خاصة هو مرآة عاكسة لصورة صادقة لما اختلف على البشرية من أحداث سياسية ووقائع اجتماعية وثورات اقتصادية وتغيرات حضارية وأن المذاهب الفلسفية الكبرى التي سادت في عصر واحد إنما هي النماذج الحية التي تجسدها روح هذا العصر .

الحكمة كشخصية بشرية

وينتقل الباحث في دراسته إلى علاقة الفلسفة بالأدب اللذين تجمعهما حقيقة واحدة والمتمثلة في اهتمام كل من الفيلسوف والأديب بمصير الإنسان ومواقفه البشرية وقيمته الأخلاقية وصراعه ضد شتى القوى الإنسانية أما الخلاف بينهما فهو أن مقياس المذهب الفلسفي هو الحق لا الجمال الذي يبتغيه الأدب ومعيار الحكم الفلسفي هو الصدق أو الكذب لا معايير الحسن أو القبح.

وتطرق المؤلف إلى حكمة الإنسان كشخصية بشرية فريدة بطبيعتها وكل إنسان منا هو نسيج وجوده وحده وإن الحرية البشرية لا تخلق ابتداء من العدم إنما من بُنى بداخله فالذات محصورة في الآن بين القبل والبعد بين الماضي والمستقبل بين يوم الولادة ويوم الموت بين اللاوجود والوجود واللاوجود النهائي.

وأشار الكاتب إلى ما يتميز به الإنسان من الفردية والشخصية والوعي والتفكير وهو ككائن يسعى إلى البقاء والانتشار لهذا ينطوي موته على مشكلة عميقة وهي الموت إذ يعتبره الباحث سرا لا يكاد ينفصل عن صميم وجودنا ما دام وجودنا زمانيا متناهياً يسير حتماً نحو الفناء.

حكمة الحب الإلهي

وسلط الباحث الضوء على حكمة الحب (الحب مملكة كبرى) كعامل قوي الأثر في الحياة ومن شأنه أن يقود إلى أعمال عظيمة والارتقاء بنفوسنا إلى مستوى العواطف والمشاعر التي ألهمت أفكار الحكماء وللحب صور كثيرة وأول صورة يعرفها الإنسان تتمثل في حبه لذاته متجسداً من خلال تحقيق الذات وتنمية الشخصية والتماس السعادة.. فحب الذات بديهي يفرض نفسه كضرورة إلا أنه يعتبر صورة ناقصة من صور الحب .

كما يرى المؤلف أن الحب الحقيقي هو تلك العلاقة الحية التي تقوم على التبادل والتجارب إذ تنشأ بين الطرفين علاقة أخذ وعطاء فأحيا أنا بحياة الآخر ويحيا الآخر بحياتي وكذا بالنسبة للحب الأبوي والحب الأخوي.

ويعتبر الباحث بأن الدلالة الحيوية للحب لا يمكن أن تكون هي التناسل أو التفريغ الجسمي فقط بل هي التحرر من العزلة النفسية ومعنى هذا أن الحب يحرر الذات من ضغط القوى الأخلاقية التي تقيم السدود في وجه عملية إشباع الغرائز ومن هنا فإن الحب هو تلك الإمكانية التي تسمح لشخصين بأن يكونا من فعل الحب.

وعن الشعور بالحب يذهب الباحث إلى أنه غالباً ما ينشأ فجأة تحت تأثير إلهام مباغت بمعنى ليس للحب مقدمات وإنما ينشأ الحب عن الحب نفسه على عكس الصداقة التي مهما امتدت على طول خط مستقيم فإنها لن تتحول إلى حب خالص لأنه يخضع لقانون الكل أو اللاشيء يكون أو لا يكون.

وفي السياق نفسه يستعرض الكاتب صورة أخرى من صور الحب باعتباره لا يعرف حدوداً أو قيوداً وهو انصراف الإنسان عن الحب البشري إلى الحب الإلهي في شكل علاقة مباشرة تقوم بين الأنا الإنسانية والهو الإلهي في صورة العبادة لعالم غيبي يمدنا بكل أشكال الرحمة والعاطفة والحب والخير والعطاء.

الإيمان بالله دعامة الوجود

ففي نظر الكاتب الإيمان ليس مجرد اعتقاد بمجموعة من الوقائع الموضوعية أو مجرد تصديق لبعض القضايا بل هو علاقة روحية تكون في صميم الوجود الإنساني وبالتالي فإن صلة الإنسان بالله لابد من أن تكون بمثابة الدعامة التي يرتكز عليها الوجود.

وفيما يخص رأي العلم والعلماء في موضوع الحب يرى المؤلف بأن هناك من يعترف به كحقيقة بينما يرى البعض الآخر أنه مجرد حبكة طريفة للإيهام بانتحال معنى لما ليس له معنى إلا أن الحب في واقع الأمر يكتسب معناه حين المشاركة والاقتسام ومن المسلم به أن الأمل يبقى قوة دافعة لأنه يضخم الحساسية ويكسب المشاعر قيماً ذاتية إلا أن الحب يفوق الأمل فالأمل مجرد بداية أما الحب فهو بلا نهاية .

حكم الجمال والفن والحرية

وتطرق الكاتب إلى حكمة الجمال وعلاقته بالفن فالجمال والفن مرتبطان بارتباط الوجود الإنساني بالطبيعة إذ يلتقي به الإنسان في عالم الواقع بأشكال متعددة وكان ارتباط الجمال بالفن نافذة الأمة في الثقافة والحضارة. أما الإدراك الجمالي حسب المؤلف هو احساس ينكشف لنا من خلاله معنى الموضوع الجمالي عن طريق ما فيه من اتحاد وثيق بين المادة والصورة أو بين المضمون والشكل.

وفي سياق آخر استعرض الباحث حكمة الحرية وعرفها أنها تلك القدرة على الفعل مع انعدام كل قسر خارجي أو داخلي متحققة بالإرادة وهي عبارة عن ملكة الاختيار أي القدرة على تحقيق الفعل دون الخضوع لتأثير قوى باطنة سواء كانت تلك القوى ذات طابع عقلي كالبواعث والمبررات أم ذات طابع وجداني كالدوافع والأهواء وهنا نحن أمام حرية نفسية لها القدرة على الاختيار حينما تكون أمام فعلين مختلفين والاختيار يكون بإرادة رؤية مع تمييز.

ويرى شكشك أن الإنسان الحر إنما هو ذلك الإنسان الذي يعرف أن حياته ليست سوى تحقيق مستمر لكل القيم المتضمنة على شكل قوى أو امكانيات في ثنايا ذاته وتبعاً لذلك فإن الحرية لا تنفصل عن الفعل ما دام تحويل القوة إلى فعل جوهر الحياة الإنسانية فوجود الإنسان ينحصر في حريته وفي هذا السياق جاء طرح شكسبير كالتالي: «أكون أو لا أكون ذلك هو السؤال وكيف أكون إن لم أكن حراً  .

الأخلاق والمثل العليا

وينتقل المؤلف إلى عالم الأخلاق والمثل العليا والقيم تحت عنوان “الحكمة الأخلاقية التي اعتبرها إحدى المميزات الكبرى للوجود الإنساني كون الإنسان كائنا أخلاقيا يحتضن في أعماقه قوة باطنية هي الشعور الأخلاقي أو الضمير الذي يحكم على الأفعال الإنسانية على ضوء ما تستحقه من قيم أخلاقية”.

فالأخلاق تمثل في وجودنا مطلب النظام والوحدة وبالتالي تحقيق التوازن الذي يولد لدينا نوعا من الركود الروحي مؤكدا على أن الأخلاق والتقدم الأخلاقي يتوجان كل تقدم تقني مهما بلغ حداً معجزاً من التطور والازدهار ويتجلى هذا التقدم الأخلاقي في احترام وتقدير قيمة الشخصية الإنسانية وتقديس حريتها وكرامتها وجعلها غاية في ذاتها .

حكمة الحياة

وفي دراسته لـ “حكمة الحياة” كمعنى وهدف وإرادة يؤكد الكاتب على أن الحياة لابد أن تقوم على ضرب من الاتزان بين حالتين متعارضين كالثبات والتغير والاستمرار والجدة والنظام والتطور والضرورة والحرية وذلك بالخروج من كافة الأطر الضيقة كالمذاهب والتيارات الفكرية المتعددة التي يميل فيها المفكرون إلى اقتباس الحقيقة في أبعادها القاصرة. وفي نفس السياق ذهب شكشك إلى ضرورة سعي الإنسان إلى التغيير والحكم عليه للتوجه نحو المثل العليا لتحقيق التوازن والاستقرار ولمواصلة النمو والرقي.