من الحيل التي تسربت إلى المعاملات التمويلية في مؤسسات التمويل الإسلامي ما يسمى بـ”غرامة التأخير” التي تفرض على المدين عند تأخره في السداد وبعض المصارف الإسلامية يفرضها لكنه لا يأخذها لنفسه بل يصرفها في وجوه البر ويكون لها حساب خاص، وهذا في الحقيقية حيلة مرفوضة فيما ذهب إليه أكثر الفقهاء المعاصرين وبه صر قرار مجمع الفقه.

فاشتراط هذه الغرامة في الديون الآجلة سواء أكانت الغرامة مبلغا محددا، أو نسبة من الدين، أو نسبة حسب أرباح ودائع البنك.. كل ذلك لا يجوز وليس للمصارف الإسلامية فعله، والبدائل التي تحفظ لها حقها وتستطيع من خلالها  إلزام المدين المماطل بالسداد كثيرة، وقد كان حال البنوك الإسلامية قبل فرض مثل هذه الغرامات منضبطا، وسمعتها طيبة.

وتساهل البنوك الإسلامية وأخذها بمثل هذه بالحيل، والأقوال الشاذة والمرجوحة يقربها تماما من البنوك الربوية، ولذا كثر القول في أوساط الناس  أن لا فرق بين عملها وعمل البنوك التجارية الربوية،  ومن أسباب ذلك القول شكلية الإجراءات وصوريتها في كثير من المعاملات التي تجريها ، وكذلك الأخذ بمثل هذه الحيل التي تشبه الفوائد الربوية التي تفرضها البنوك التجارية.

فلم يعد للمصارف الإسلامية في كثير من البلدان صبغة ظاهرة تميزها غير رفع شعار الأسلمة وهذا لا يكفي: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) الحجرات: 14.

قد يقول قائل: إن المسألة ليست محل اتفاق وأن من أهل العلم من قال: بجواز فرض غرامة التأخير على المدين الموسر المماطل، لكن لا يجوز للدائن أخذها، بل يجب عليه صرفها في وجوه البر.

ومنهم من قال بجوز فرضها وأنه لا حرج في استفادة البنك منها إذا كانت بمقدار الضرر الفعلي، وفي المسألة أقول أخرى. فلا تحجروا واسعا.

وقد ذكر المجيزون للغرامة فروقاً بينها وبين الفائدة الربوية منها أن الفوائد الربوية مثبتة في البداية وغرامة التأخير محتملة فلو لم يتأخر المدين فإنه  لن يدفع شيئاً، وأن الفوائد الربوية تفرض على المدين مطلقاً بغض النظر عما إذا كان موسرا أو معسرا، وغرامة التأخير لا ينبغي أن تفرض إلاّ عند الإيسار والمماطلة ، ونحو ذلك من الفروق، لكنها فروق غير جوهرية حقيقة وغير مؤثرة  كما يقول الشيخ القره داغي في بحث له حول هذه المسألة منشور بموقعه الإلكتروني. وينصح بالاطلاع عليه فقد بحث المسألة بحثا وافيا.

وعلى كل فالخلاف في هذه المسألة لا يكاد يعتد به، وقد قال الحطاب رحمه الله في تحرير الكلام في مسائل الإلتزام ص176: “إذا التزم المدعى عليه للمدعى أنه إذا لم يوفه في كذا فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه، لأنه صريح الربا، وساء كان الشيء الملتزم به من جنس الدين أو غيره، وسواء كان شيئاً معيناً أو منفعة، وحكم به بعض قضاة المالكية الفضلاء بموجب الالتزام، وما أظن ذلك إلاّ غفلة منه”.

وأكثر المعاصرين أيضا على القول بمنع غرامة التأخير مطلقا وهذا هو ما صدر به  قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي،  وجعل هذه الغرامة كربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه ومما تضمنه قراره: ” قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي:

 إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغا من المال غرامة مالية جزائية محددة، أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما فهو شرط، أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به بل ولا يحل. لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه.”

وكذلك  صدر بتحريم هذه الغرامة قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورة مؤتمره السادس، رقم 53(2/6). ومما جاء فيه: “إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم.

يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.” انتهى.

وجاء في القرار رقم: 109(3/12) بشأن موضوع الشرط الجزائي: “يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً، فإن هذا من الربا الصريح.

وإن كان القول بأخذ الغرامة وصرفها في وجه البر لإلزام المماطل بالسداد وحثه عليه أمثل من القول بأنه يجوز للبنك أخذها والاستفادة بها،  لكن من الطريف هنا أن بعض البنوك احتال حتى على هذا القول  الذي يرى جواز فرض غرامة التأخير وصرفها في وجوه البر إذ يقول الشيخ القره داغي في بحثه المشار إليه سابقا: “وهذا الذي خيف منه قد تحقق فعلاً فقد استطاع أحد البنوك ـ بعد تركي مراقباً شرعياً له ـ تحصيل الموافقة من الهيئة الشرعية على اشتراط التعويض عن التأخير، وعلى غرامة التأخير، فوافقت الهيئة على أن تصرف في وجوه الخير، ولكن الإدارة كانت ذكية فأخذت موافقة أخرى من الهيئة على اقتطاع جزء من هذه الغرامة في مقابل الإجراءات الإدارية، وحينئذ كلفت الإدارة أحد موظفيها باحتساب مقدار التكلفة الإدارية حيث بلغت قريباً من الغرامة المحصلة، وبالتالي دخلت في جيب البنك.”