من الحيل الشرعية التي تشربت إلى معاملات التمويل الإسلامي فسخ الدين في الدين، وهو ما يسمى بجدولة الدين. وهو أن يكون للمصرف الإسلامي دين في ذمة العميل ويرغب العميل في إجراء معاملة تمويلية جديدة، ولا يمكنه ذلك حتى يسدد المديونية الأولى فيتفق مع  البنك على إنجاز المعاملة الجديدة، وأن يسدد الدين القديم منها لتبقى ذمته عامرة بالدين الجديد وأرباحه، فيستفيد البنك من ذلك سداد دينه القديم  وربحا نشئا عن المعاملة  الجديدة على أقساط وآجال أبعد.

فاحتيل بالمعاملة الثانية على زيادة الأرباح والآجال وسداد الدين القديم.

ومثل ذلك أيضا يحصل في معاملات البطاقات الائتمانية  في كثير من البنوك الإسلامية، وذلك أنه عندما يحين موعد سداد المبلغ الذي استخدمه حامل البطاقة في مشترياته أوغيرها ولم يسدده، فإن البنك يجري معاملة تورق منظم عن العميل بمقتضى توكيل في عقد البطاقة الائتمانية فيشتري البنك سلعة ثم يبيعها للعميل بربح ثم يبيعها البنك نيابة عن العميل  ثم يأخذ البنك المبلغ المتحصل من ذلك فيسدد منه الدين السابق،  وتبقى ذمة حامل البطاقة عامرة بالدين الجديد وأرباحه.

والحقيقة أن حامل البطاقة لا يدري شيئا عن كل ما تم سوى أنه انتفع بالبطاقة وسيسدد للبنك المبالغ التي انتفع بها مع الفوائد التي وضعت عليه. ولذلك منع أكثر العلماء هذا النوع من المعاملات ورأوه حيلا محرمة تفضي إلى الربا ومعاقرة الحرام، وأن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال : لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل. رواه ابن بطة وحسنه شيخ الإسلام.

وبالتالي فإن إجراء عملية تورق منظم يتم بموجبه إنشاء مديونية جديدة لتسديد مديونية قديمة، تعتبر حيلة ممنوعة وفق ما جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وهو ما يلي:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وبعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 10 – 14 /3/ 1427 هـ الذي يوافقه 8 – 12 /4/ 2006م قد نظر في موضوع (فسخ الدين في الدين):

وبعد الاطلاع على قرار المجمع بشأن موضوع بيع الدين في دورته السادسة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة في المدة من 21 – 26 /10/ 1422هـ الذي يوافقه 5 – 10 /1/ 2002م والذي جاء فيه ما نصه:

ثانياً: من صور بيع الدين غير الجائزة:

أ- بيع الدين للمدين بثمن مؤجل أكثر من مقدار الدين، لأنه صورة من صور الربا، وهو ممنوع شرعاً، وهو ما يطلق عليه (جدولة الدين)

وبعد الاستماع إلى البحوث المقدمة، والمناقشات المستفيضة، والتأمل والنظر في الصور التي ذكرت في البحوث والمناقشات في موضوع: فسخ الدين في الدين. أو ما يسميه بعض أهل العلم (قلب الدين) قرر المجمع ما يأتي:

يعد من فسخ الدين في الدين الممنوع شرعاً كل ما يفضي إلى زيادة الدين على المدين مقابل الزيادة في الأجل أو يكون ذريعة إليه ويدخل في الصور الآتية:

– فسخ الدين في الدين عن طريقة معاملة بين الدائن والمدين تنشأ بموجبها مديونية جديدة على المدين من أجل سداد المديونية الأولى كلها أو بعضها.

ومن أمثلتها: شراء المدين سلعة من الدائن بثمن مؤجل ثم بيعها بثمن حال من أجل سداد الدين الأول كله أو بعضه. فلا يجوز ذلك ما دامت المديونية الجديدة من أجل وفاء المديونية الأولى بشرط أو عرف أو مواطأة أو إجراء منظم، وسواء في ذلك أكان المدين موسراً أو معسراً وسواء أكان الدين الأول حالاً أم مؤجلاً يراد تعجيل سداده من المديونية الجديدة، وسواء اتفق الدائن والمدين على ذلك في عقد المديونية الأول أم كان اتفاقاً بعد ذلك، وسواء أكان ذلك بطلب من الدائن أم بطلب من المدين، ويدخل في المنع ما لو كان إجراء تلك المعاملة بين المدين وطرف آخر غير الدائن إذا كان بترتيب من الدائن نفسه أو ضمان منه للمدين من أجل وفاء مديونيته…” إلخ.

فهذه الحيلة وهي إدخال العميل في معاملة جديدة لسداد دينه، بحيث يزيد الدين ويزيد الأجل؛ مما تسرب إلى معاملات مؤسسات التمويل الإسلامية وقد توسع فيها كثيرا فشملت مديونية بطاقات الائتمان التي لا يكاد يستغني عنها المرء في أغلب معاملاته التجارية وغيرها .

وإن كانت البطاقات الائتمانية المغطاة تسد هذه الحاجة وتغني عن الدخول في تلك المعاملة المشتملة على حيلة قلب الدين وفسخه في دين آخر بصورة غير مشروعة فيما تضمنه قرار المجمع السابق.

من الحيل في معاملة المرابحة

من الحيل في معاملة المرابحة  ما تفعله شركات السيارات إذ تتفق مع أحد البنوك على أن يتولى تمويل المعاملات التي يريدها الزبناء فيسدد عنهم الثمن إلى شركة السيارات لتأخذ هي الثمن نقدا، ثم يستوفي البنك من الزبناء ما دفعه عنهم مقسطا مع الفوائد.

وكيفية ذلك أن شركة السيارات توهم الزبون أنها ستبيعه السيارة بثمن مقسط بربح زائد عن الثمن الحال،  والحقيقة غير ذلك  فهي تستلم ثمن السيارة نقدا من البنك  والزبون يمضي على عقد يتضمن ذلك وأنه سيسدد المبلغ بفوائده للبنك مقسطا.

فيكون حقيقة الأمر أن البنك هنا إنما سدد الثمن عن الزبون وسيستوفيه منه مقسطا بزيادة وهذا قرض ربوي لا يجوز.

ولو أن البنك هنا اشترى السيارة لنفسه ثم باعها للزبون لكان لذلك وجه لكن البنوك التقليدية لا تدخل في معاملات البيع والشراء فليس ذلك من اختصاصها ولا من طبيعة عملها.

فاحتالت شركة السيارات على الزبناء كي تبيع سياراتها بهذه الحيلة. ومجرد سداد الثمن عن المشتري إنما هو قرض فإذا اقتضى ذلك أن يسدد الزبون ما دفع عنه بزيادة فهذا هو الربا.

ومثل ذلك أيضا ما يقع لبعض التجار حينما يلجأ أحدهم إلى البنوك التقليدية ويشترط عليها أن تشتري له السلعة وتبيعها له بربح فتبدي الموافقة لحرصها على الربح والزبناء، لكن غاية ما يكون هو أنه يأتيها بالفواتبر وتسدد الثمن عنه إلى الشركات التي اشترى منها البضاعة ثم تستوفي منه ذلك الثمن  بزيادة فيقع في الربا وقد أراد الفرار منه.

فلا بد من التثبت من تلك المعاملات فربما يكون بين الحرام والحلال خيط رقيق جدا كمثل الشعرة لكنه مؤثر ومهم  إلا لدى من يقولون : ” إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ”

ولو أن  الناس امتنعوا عن إجراء المعاملات المحرمة والمعاملات التي تقوى فيها شبهة الحرام ؛ لاضطر أرباب البنوك وملاك مؤسسات التمويل الإسلامي وغيرها إلى التقيد بالضوابط الشرعية في معاملاتهم ، وإيجاد صيغ لمعاملات تمويلية مقبولة شرعا  مثل ما حدث في كثير من البلاد الإسلامية، وغيرها فالتجار همهم الربح لا غير.