القراض والمضاربة لفظان مترادفان لمعنى واحد، فالقراض اصطلاح أهل الحجاز، والمضاربة استعمال أهل العراق، أما شركة المضاربة فهي:” أن يدفع الرجل مالًا إلى غيره ليتجر فيه ويشتري ويبيع ويبتغي من فضل الله تعالى ويكون الربح بينهما على جزء يتفقان عليه من قليل أو كثير.[1]”، والمقال يتناول الخلاصة في شركة المضاربة، وأما التعريف المذكور فإنه يشير إلى أن المضاربة تعقد من جهتين:

1- الجهة التي تدفع المال، وتسمى رب المال، وقد تكون فردا أو شركة أو بنك وهكذا.

2- والجهة الأخرى تقوم بالعمل، وتسمى المضارب وقد تكون فردا أو شركة أو البنك.

ثم تشترك الجهتان في الربح دون رأس المال حسبما اتفقتا عليه.

حكم المضاربة

لا مستندا مباشرا واضحا من القرآن ولا في السنة لمشروعية المضاربة، لكن ورد فيها الإجماع الصحيح.

ولذا قال ابن حزم:” ” كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة نعلمه ولله الحمد، حاشا القراض، فما وجدنا له أصلا فيهما البتة، ولكنه إجماع صحيح مجرد والذي نقطع عليه أنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلمه فأقره [2]”

والمقرر أن الإجماع يستمد أصله دائما من الكتاب أو من السنة، وإن لم يبلغه علمنا، علاوة على أن هناك آثارا مروية عن الصحابة وغيرهم من سلف الأمة تثبت مشروعية المضاربة، ومن ذلك ما جاء عن حميد بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق.[3]

لكن المضاربة التي توفرت فيها أركانها من إيجاب، وقبول، وعاقدين، ومعقود عليه، وما يتبعها من الشروط، هي التي يجوز التعامل بها، وتعد شركة المضاربة من محاسن الإسلام، من حيث رفع الحرج والتيسير على الناس في طلب الكسب الحلال، إذ ليس كل من ملك المال ملك خبرة التجارة وكذا العكس، فالمضاربة هي السبيل الذي يجعل كل واحد من الطرفين – صاحب المال والمضارب- في الحركة المباحة المستمرة لجلب الرزق واستثمار المال وتنمية المدارك.

المضاربة نوعان.

النوع الأول: المضاربة المطلقة أو العامة:

المضاربة المطلقة أو العامة هي التي تكون فيها حرية التصرف للمضارب في البيع والشراء، ولا تقيد المضاربة فيها بزمان ولا مكان حتى نوعية العمل وصفته تكون مطلقة، وربما لا يعود المضارب إلى رب المال إلا عند انتهاء المضاربة.

” وقد قسم الفقهاء العمل في المضاربة المطلقة إلى الأقسام التالية :

1 – ما يجوز للمضارب أن يعمله بمقتضى عقد المضاربة من غير حاجة إلى النص عليه من رب المال، ومن ذلك البيع والشراء بنقد البلد وثمن المثل من جميع أنواع التجارة في شتى الأمكنة من جميع الناس …”

2 – ما يجوز للمضارب أن يعمله إذا قال له رب المال: اعمل برأيك. ومن ذلك مشاركة غيره في مال المضاربة شركة عنان، لأنها أعم من المضاربة، ولأن الخلط يوجب في مال الغير حقاً فلا يجوز إلا بإذن من المالك.

3 – ما لا يجوز للمضارب عمله إلا بالنص عليه من رب المال، والإذن منه، ومن ذلك الاستدانة، فليس له أن يستدين على مال المضاربة والإقراض من المال.

4 – ما لا يجوز للعامل أن يعمله أصلاً . ومن ذلك شراء ما كان محرماً كالميتة والخمر والدم ولحم الخنزير لقوله تعالى:{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} [المائدة: 3]. [4]

النوع الثاني: المضاربة المقيدة أو الخاصة: هي عبارة عن شروط يشترطها رب المال لضمان ماله، حيث تكون الحرية فيها قاصرة وفق شروط معينة. والأصل في الوفاء بالشروط قوله  تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:01] فهي على ثلاثة أنواع:

“أحدها: أن يخصه ببلد، فيقول: على أن تعمل بالكوفة أو البصرة.

والثاني: أن يخصه بشخص بعينه، بأن يقول: على أن تبيع من فلان وتشتري منه، فلا يجوز التصرف مع غيره لأنه قيد مفيد، لجواز وثوقه به في المعاملات.

والثالث: أن يخصه بنوع من أنواع التجارات بأن يقول له: على أن تعمل به مضاربة في البز أو في الطعام أو الصرف ونحوه.

وفي كل ذلك يتقيد بأمره، ولا يجوز له مخالفته لأنه مقيد.”[5]

وكل من المضاربة المطلقة والمضاربة المقيدة قد اصطلحتا على منوال الأحناف خلافا لجمهور العلماء.

ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية: … لم يقسم جمهور الفقهاء المضاربة إلى مطلقة ومقيدة أو عامة وخاصة – كما فعل الحنفية – ولكنهم أوردوا ما شمله تقسيم الحنفية في أركان المضاربة وشروطها أو في مسائل أخرى، وخالفوا الحنفية أو وافقوهم.[6]

وتقسيم الأحناف للمضاربة إنما من باب التقسيم المدرسي تقريبا للفهم.

حكم زكاة مال المضاربة

اتفقت كلمة الفقهاء على وجوب زكاة مال المضاربة في حالتين:

الحالة الأولى: أنه يجب على رب المال أن يزكي زكاة رأس مال المضاربة ونصيبه من الربح معا، فالزكاة تتحتم عليه في هذه الصورة بلا مناص.

الحالة الثانية: أنه يتعين على المضارب أداء زكاة حصته بعد القسمة إذا بلغت النصاب وحال عليه الحول، لأن المال هنا ملكه ويجب عليه إخراج حق المال بعد توفر شروط زكاة فيه.

وإنما اختلف أهل العلم بالفقه في تحديد من تجب عليه الزكاة قبل القسمة، أي قبل قسمة الأرباح وبعد بلوغ النصاب وتمام الحول، ومن الذي يزكى في هذه الحال؟ وهذا هو محل نزاع بينهم، وبناء على هذا يتخلص بيان أقوال المذاهب في الحكم على النحو التالي:

“1. الزكاة على رب المال، فيما يملك من الربح وفي رأس المال. وأما المضارب فإن أبا حنيفة كان يرى أن الزكاة تُؤخذ عليه في حصته من الربح، بعد أن يمتلكه.

وبهذا القول قال الشافعي أيضاً في أحد قوليه. وبه قال المالكية في قول، والحنابلة في أحد قوليهم.

وهذا القول مبني على القول بأن العامل المضارب يملك الربح بمجرد ظهوره، لا بالمقاسمة.

2. وقال أبو يوسف ومحمد، وهو قول أبي حنيفة الثاني: إن الزكاة لا تُؤخذ على المضارب. أي أنها على رب المال في السلعة كلها؛ لأنها من ملكه، لا شيء فيها على المقارِض.

وبهذا القول قال الشافعي في أحد قوليه. وبه قال المالكية أيضاً في قول لهم، إلا أنهم قالوا به، إن كان الذي يدير هذا المال هو: العامل المضارب فقط، أو العامل مع صاحب المال. وبهذا القول أيضاً قال الحنابلة في أحد قوليهم.

وهذا القول مبني على القول بأن العامل المضارب لا يملك الربح إلا بالمقاسمة، لا بمجرد ظهوره.”[7]

والأخذ بهذا القول أرجح في ميزان الدليل والنظر، إذ ليس هناك دليلا واضحا بأن المضارب قد ملك نصاب الزكاة ملكية حقيقية، وإنما يعتبر المالك بعد قبض حصته لا قبل، ويعضد النظر هذا المأخذ بأن رأس المال قد يتعرض للخسر فيجبر ويسد من الأرباح مما يدل على عدم اعتبار ملكية النصاب للمضارب إلا بعد القسمة، ولذا يندب المصير إلى ترجيح القول الأخير، لقوة دليله.


[1] المعونة على مذهب عالم المدينة «الإمام مالك بن أنس» /1119.

[2] مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات ص:91.

[3] رواه ابن أبى شيبة في المصنف (21368).

[4]ينظر مقالا بعنوان: أحكام شركة المضاربة لفهد بن محمد الحميزي.

[5] الاختيار لتعليل المختار (3/21).

[6] الموسوعة الفقهية الكويتية (38/39).

[7] المقال بعنوان: ” زكاة المضاربة” لعلي بن عبد الرحمن دبيس. ورجح القول الأخير.