إذا تجاوزنا التراث العربي الاسلامي بما فيه من كهانة وعرافة وما شاكلها من محاولات ، فإن تأصيل دراسة المستقبل كحقل علمي له مناهجه وتقنياته في العالم العربي لا يشير الى ثراء في هذا الجانب، ومع ان فكرة الدراسات المستقبلية طرحت عام 1793 على يد المفكر الفرنسي كوندرسيه والذي تنبا بظاهرة العولمة،فإن الدراسات المستقبلية كمصطلح ظهرت عام 1920 على يد العالم كولم جلفلين(Colum Gilflin).

 

لكن القفزة الكبيرة كانت في أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما تحول لحقل معرفي دخل للمعاهد والجامعات بل وتم تشكيل إدارات في بعض الوزارات (بدأت بها السويد).

أما الجامعات العربية فحتى هذه اللحظة لا تتوفر على أي قسم أكاديمي يدرس هذا التخصص، بل وأغلبها لا يوجد به مساق للدراسات المستقبلية ، رغم ان أغلب دول العالم الصناعي والعديد من الدول النامية تضم عشرات الجامعات المتخصصة في منح شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في هذا العلم ( في ايران جامعتان هما جامعة الامام الخوميني الدولية وجامعة ظهران).

وقد ظهرت في بداية الثمانينات من القرن الماضي محاولات عربية أولية لدراسة التنبؤ العلمي ، واتخذت هذه المحاولات ثلاثة انماط مع بعض الخلط بينها وبين التخطيط والدراسات الاستراتيجية:

أ‌- دراسات توجيهية:أي دراسات تحث على الاهتمام بالمستقبل كما هو الحال في دراسات قسطنطين زريق(نحن والمستقبل عام 1977) ودراسته ( مطالب المستقبل العربي(1983) والتي ركز فيها على ما يسميه بناء” العقلية المستقبلية”، ويمكن اعتبار جهود الدكتور المهدي المنجرة من المغرب ضمن هذا التيار التوجيهي او المعياري ، وهو ما يتضح في عدد من دراساته،.

ب‌- دراسات منهجية:أي دراسات اعتنت بالتقنيات الكمية والكيفية المطبقة في الدراسات المستقبلية المعاصرة ، وقد أنجزتُ في هذا الجانب عددا من الكتب (4 كتب) كما شاركت في وضع مصطلحات وتقنيات الدراسات المستقبلية وشرحها في الموسوعة السياسية الصادرة عام 1993 عن جامعة الكويت.

ت‌- الدراسات المستقبلية التطبيقية: لعل مشروع المستقبلات العربية البديلة والذي ساهمت الامم المتحدة في تمويله خلال الفترة 1981-1986،يمثل البداية الجادة لدراسات تطبيقية ، ويمكن العودة لدراستي حول تطبيقات الدراسات المستقبلية في الوطن العربي للتعرف على رصد الدراسات التطبيقية في المؤسسات والجامعات ومراكز الدراسات العربية، وقد تبين من مسح للدراسات المستقبلية في الجامعات العربية ان هذه الدراسات بلغت 259 دراسة خلال الفترة من 1995-2005 منها 53 دراسة مدعومة من الجامعات و 107 اطروحات دكتوراة و 99 اطروحة ماجستير، اما توزيعها طبقا لميادين التخصص فكانت 49.03% سياسية واقتصادية،28.57% اجتماعية او تربوية،22.39% علوم تطبيقية.

وقد انجزت عددا من الدراسات التطبيقية التي تم فيها توظيف تقنيات الدراسات المستقبلية، وشملت الدراسات عددا من الدول مثل الصين وايران والجزائر وبعض الظواهر الجزئية.

1- سمات الدراسات المستقبلية العربية: تتسم اغلب الدراسات المستقبلية العربية بما يلي:

أ‌- ضعف نصيب العلوم التطبيقية في هذا المجال، وبالمقارنة فإن الرصد الذي وضعته (W F S) التي تاسست عام 1966 في شيكاغو يشير الى ان نسبة الدراسات في العلوم التطبيقية في الدول الغربية في عام 2016 هي أكثر من 66% أي حوالي ثلاثة اضعاف ما لدى الوطن العربي.

ب‌- فقدان التكامل المعرفي في اغلب الدراسات المستقبلية العربية.

ت‌- اعتماد المنهج الحدسي في اغلب الدراسات المستقبلية العربية وغياب تطبيق التقنيات المعمول بها في الجامعات المتخصصة في حقل الدراسات المستقبلية.

ث‌- التطبيق الشكلي لبناء السيناريوهات، دون المرور بالخطوات الاساسية لبناء السيناريو. مثل المصفوفات الرياضية والدواليب والتقنيات الفرعية…الخ.

ج‌- مشكلة ترجمة المصطلحات في تقنيات الدراسات المستقبلية الى اللغة العربية مثل( forecast- nowcast-backcast أو ephemeralization – او عدم التوافق على الترجمة لأغلب التقنيات الفرعية لهذا العلم.

2- مشكلات البيئة العامة للدراسات المستقبلية العربية: تواجه الدراسات المستقبلية العربية عددا من المشكلات اهمها :

أ‌- ليس للزمن مفهوم محدد في الثقافة العربية، وهو ما تبين لنا من خلال استطلاع لطلاب المدارس وللتراث الفلسفي العربي في هذا المجال وعدم القدرة على ربطه بالتغير.

ب‌- سيطرة النزعة الماضوية على التوجه الفكري للمنظومة المعرفية العربية

ت‌- الميل للتفكير الرغبي

ث‌- مشكلة الحصول على المعلومات

ج‌- الحرية الفكرية للباحث في الوصول لنتائجه.

ح‌- المشكلات المادية نظرا لتكلفة مثل هذه الدراسات