في كتابه “عالم بلا قيادة، كل أمة لنفسها، الرابحون والخاسرون في عالم المجموعة الصفرية”، ترجمة فاطمة الذهبي، الصادر عن دار الفارابي في طبعته الأولى عام2014 ، يطرح المفكر الاقتصادي والسياسي الأمريكي آيان بريمر رأيه القائل بنهاية عصر الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العالم، وكذلك هيمنة الدول الثماني العظمى، بسبب التناقض الجيوستراتيجي في مصالح المجموعة الدولية مما يدفع العالم بسرعة إلى ما سماه(المجموعة الصفرية)، حيث يقع العالم في حالة فراغ، لا يمكن أي دولة كبرى أو تحالف دولي مواجهة التبعات والتحديات اللازمة لقيادته، وحين يصبح العالم بلا قيادة مركزية فإن ذلك قد يستدعي مزيدا من العنف والتوتر والأزمات الاقتصادية والسياسية.

 

“ويفصل هذا الكتاب بالأحرى العالم الذي يعيش مرحة الانتقال العنيف، المرحلة المتعرضة بصورة خاصة للأزمات التي تظهر فجأة ومن اتجاهات غير متوقعة، وما زالت الطبيعة تكره الفراغ ولن تدوم المجموعة الصفرية إلى الأبد، ولكن عبر العقد المقبل، وربما أطول، سيقوض العالم من دون قيادة قابليتنا لحفظ السلام، وتوسيع الفرص، وتجنب تأثير تغير المناخ وتغذية الأعداد الهائلة من السكان، وسيكون هناك شعور بهذه التأثيرات في كل منطقة من العالم حتى في الفضاء الخارجي.”

محاور الكتاب

يوضح الفصل الأول جوهر المجموعة الصفرية ويتناول الفصل الثاني كيفية التحول من صعود القوة الأمريكية والمؤسسات التي هيمن عليها الغرب بعد الحرب العالمية الثانية إلى الاضطراب السياسي والاقتصادي للسنوات القلائل السابقة.

 

ويتناول الفصل الثالث تأثير المجموعة الصفرية في العالم من حولنا: السياسات، العمل، المعلومات، الاتصال، الأمن، الأغذية، الهواء، الماء.

 

أما الفصل الرابع فيتعامل مع قابلية البلدان والشركات والمؤسسات لبحث المخاطر والفرص التي يخلقها عالم المجموعة الصفرية، ويفصل رابحي العصر عن خاسريه، ويسأل الفصل الخامس ماذا بعد؟ ويقدم التكهنات حول النظام الدولي الذي يتولد من المجموعة الصفرية، ويوفر الفصل السادس الأخير الأفكار حول كيفية صوغ الأمريكيين ذلك العالم الجديد والمساعدة على قيادته.

الطريق إلى المجموعة الصفرية

يرى بريمر أن الطريق إلى المجموعة الصفرية بدأ من أعلى مستوى من الهيمنة الأمريكية، بعد ما تحول معظم أوروبا إلى رماد بفعل الحرب العالمية الثانية، وأنشأت أمريكا مع الدول الأوروبية الحليفة عددا من المؤسسات الدولية التي ربطتها بالدورلار  الأمريكي، من هنا بدأت أمريكا في في إعادة تصميم النظام الدولي لدعم أهداف واشنطن.

 

وقد أسهم النفط الخليجي في الدفع باتجاه المجموعة الصفرية، حين قرر أعضاء أوبك في حرب أكتوبر 1973 خفض شحنات النفط إلى الولايات المتحدة وإزالة النفط من السوق بصفة عامة، كرد فعل على دعم واشنطن لإسرائيل.

 

لقد أدت الاستراتيجية الجديدة حينها لأوبك، وما تلاها من تحول ولاءات بعض الدول السوفيتية المنتجة للطاقة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث أصبحت دول مثل أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان،  مما أدى إلى نشأة أسواق جديدة منافسة في اليابان والصين لاحقا.

 

ثم إن الانتشار النووي قاد العالم إلى مستوى من الندية جعل قيادته مستحيلة في الواقع، ورغم وجود اتفاقية للحد من السلاح النووي منذ 1968 وقعتها كل من أمريكا والاتحاد السوفيتي حينها وبريطانيا، ووجود اتفاقية أخرى تزود الأعضاء بحق استخدام التكنلوجيا النووية سلميا للطاقة والبحث، مقابل التعهد بعدم تطويرها،  إلا أنه لا أحد يمتلك قوة ضمان تنفيذ بنود تلك الاتفاقية.

 

كما أن الخلافات الأمريكية الصينية حفرت نخبة الصين على إنشاء أسواق وطرق تجارية خاصة بها بل ومنافسة لأمريكا، لتأتي الأزمة المالية العالمية مجهزة على آخر حلم للهيمنة عند أمريكا، وهو ما سماه بريمر بـ”السقوط الأمريكي الحر”.

الرابحون والخاسرون

يرى بريمر أن الرابحين في هذا العالم الجديد، ـ الذي سماه عالم المجموعة الصفرية ـ هم الذين فهموا طبيعة المرحلة ونمط التحول في النظام العالمي، أما الذين “ما زالوا يعملون كما لو كانت الحدود مفتوحة، ولا توجد هناك عقبات وأن العالم أصبح سوقا واحدة ورئيس الولايات المتحدة هو قائد العالم الحر، سيجدون أنفسهم يردون الفعل إلى أحداث لا يفهمونها”.

 

ويضرب للرابحين مثالا بالبرازيل، وذلك لعوامل عديدة منها أنها أكبر سوق استهلاكية في المنطقة، وأنها مسؤولة عن 40% من GDP المنطقة، وفي عالم المجموعة الصفرية سيكون ـ حسب بريمير ـ بوسع البرازيل التنافس مع الولايات المتحدة كمصدر وغاية للثروة والاستثمار الإقليميين.

 

ثم تأتي تركيا ضمن الرابحين وذلك نظرا لموقعها الاستراتيجي ونموها المتزايد، كما أن ارتفاع دخل الفرد فيها إلى ضعف دخل كل شخص في الصين وأربعة اضعاف الهند جعلها على سكة التطور المأمون.

 

أما الخاسرون في المجموعة الصفرية فهم ثلاثة أصناف ـ حسب بريمر ـ أولهم، الحكام، أي المؤسسات المشيدة لخدمة هؤلاء الذين كانوا يوما مهيمنين على النظام الدولي، والتي لا يمكن إصلاحها على نحو كاف وسريع، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والصنف الثاني، هم الدول المعرضة للخطر ويعني بها تلك الدول التي تعتمد على أمريكا واستعدادها لاستخدامها لحماية حلفائها.

 

أما الصنف الثالث، فهم الدول الظل، وهي تلك الدول التي ترغب في التمتع بحرية الدول المحورية، ولكن تبقى متجمدة في ظل قوة واحدة، وضرب لها مثالا بالمكسيك.

G2 هي المنقذ

في  الفصل الأخير من كتابه يقرر بريمر أن تلافي العالم من الفوضى القيادية التي هي نتاج المجموعة الصفرية التي يمر الآن بمرحلتها، يقرر أن تجاوز ذلك يعتمد على نمط العلاقات السياسية والاقتصادية بين واشنطن وبكين، أو ما سماه G2 ، وهي علاقة إن قامت على الصراع فإن ذلك سيكون له أثره الكارثي على العالم وإن قامت على التعاون فيمكن تلافي العالم من تأثيرات المجموعة الصفرية، ومن أجل ظهور G2 ، فإن ذلك يتطلب استعادة الاقتصاد الأمريكي شيئا من حيويته، باقناع دافعي الضرائب الأمريكيين بقدرتهم على الاستثمار في السياسة الخارجية التوسعية أكثر، وسيتوجب على المشرعين الأمريكيين التخلص من الشلل الحزبي والتحرك إلى الثقافة السياسية التي لا تغذي العدائية العامة والسياسية نحو بكين.