الباحث في تراث الإسلام لا يجد شيئا عن العطلة من العمل، فالإنجاز جزء أصيل من حياة المسلمين، حتى يوم الجمعة الذي يعد يوم عطلة رسميا في غالب الدول، نجد أن القرآن الكريم حين تحدث عن صلاة الجمعة أعقب الحديث عنها عن العمل، فقال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الجمعة: 9، 10]، ذلك أن النظام الأمثل في الإسلام هو أن لا يكون العمل يشغل غالب يوم الإنسان، فكثير من الناس يعمل منذ الصباح حتى الليل، وهو مخالفة للفطر والسنن، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 10، 11].

فعظمة الإسلام جاءت لتجعل للإنسان نظاما في الحياة، فيوم المسلم – على أقل تقدير- يبدأ من صلاة الفجر، ثم يجلس للذكر حتى شروق الشمس، ثم إن لم يكن صائما يفطر، ثم يذهب إلى عمله، وغاية العمل أنه ينتهي قبيل المغرب، وهي المدة التي أبان الشارع أنها للسعي، ولا يعني ذلك أنها مدة محددة لا يجوز تجاوزها، فيجوز أن تكون أقل من ذلك، ويجوز أن تكون أكثر من ذلك، فيحل للناس أن تعمل ليلا حسب الظروف والحاجات، لكن الصورة المثلى أن يكون النهار للعمل، والليل للراحة والعبادة.

ومع تطور الحياة المدنية، وإيجاد قوانين في كل دولة تنظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، نص في غالب القوانين أن يمنح الموظف في كل المؤسسات العامة والخاصة مدة إجازة، تكون في الغالب شهرا ويزيد قليلا حسب سنوات الخدمة مما تنص عليه اللوائح، وغالبا ما يستعملها الأشخاص في السفر، سواء أكان سفرا داخل البلد، أو سفرا خارجها، ومن هنا كان تعلق الإجازة بالسفر تعلقا لصيقا.. فكيف يفكر المسلم في الاستفادة من عطلته؟ وكيف يستفيد منها؟

مشروعية الترويح عن النفس

القرآن يقرر أن الاستمتاع بمتع الحياة الدنيا هي للمؤمنين في الدنيا يشاركهم فيها غيرهم، وهي لهم خاصة يوم القيامة

إن من أهم مقاصد قضاء العطلة الترويح عن النفس، وهو من مباحات الشريعة، ويشهد له ما أخرجه مسلم في صحيحه: عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه قال: لقَيَني أبو بَكرٍ -رضي الله عنه-؛ فقالَ: كيفَ أنتَ يا حَنظلةُ؟ قَالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ! قَالَ: سُبحانَ اللهِ! مَا تَقولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكونُ عِندَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَينٍ؛ فَإِذا خَرَجْنا مِنْ عِنْدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنا الأَزْواجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ؛ فَنَسِينَا كَثِيراً. قَالَ أبو بَكرٍ -رضي الله عنه-: فَواللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبو بَكرٍ -رضي الله عنه- حَتَّى دَخَلْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يا رَسُولَ اللهِ! فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا ذَاكَ؟! قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَينٍ؛ فَإِذا خَرَجْنا مِنْ عِنْدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنا الأَزْواجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينا كَثيراً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم، وَفي طُرُقِكُم، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ؛ سَاعَةً وَسَاعَةً -ثلاث مرات” .

وكذلك يشهد له ما أخرجه أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة لعب الحبشة في المسجد يوم العيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ في دِينِنَا فُسْحَةٌ، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ.

فالترويح عن النفس فطرة إنسانية، ولهذا ذكرها الله تعالى في قصة إخوة يوسف حين قالوا: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف: 12] قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله: ” يقصد منه الاستجمام ودفع السآمة، وهو مباح في كافة الشرائع إذا لم يصر دأباً ” [التحرير والتنوير 12/39].

وقد قيل: إني لأستجم قلبي بشيء من اللهو – أي المباح – لأقْوى به على الحق.

وقد ترجم ابن مفلح في الآداب الشرعية، بفصل في استحباب الانبساط والمداعبة والمزاح مع الزوجة والولد، ونقل عن بعض العلماء إنكاره على بعض المتشددين الذين يقبحون أكثر المباحات، ويبجلون تاركها حتى تارك التأهل والنكاح، وقد كان – عليه السلام – يلاعب الحسن والحسين ويداعبهما وسابق عائشة، ويداري زوجاته .

الراحة والعطلة ليست عطلة عن أداء الطاعات والواجبات، بل تكون العطلة أدعى للمحافظة أكثر على الفرائض خاصة الصلاة

والعاقل إذا خلا بزوجاته وإمائه ترك العقل في زاوية كالشيخ الموقر، وداعب ومازح وهازل ليعطي الزوجة والنفس حقهما، وإن خلا بأطفاله خرج في صورة طفل، ويهجر في ذلك الوقت.

وهذه بعض النصائح من الاستفادة من العطلة:

أولا – لا راحة في المعصية

ارتبط في أذهان كثير من المسلمين – للأسف- أن العطلة هي مجال لمعصية الله تعالى، وأن العطلة فرصة للتخلي عن الواجبات وارتكاب المحرمات، فيكثر الاختلاط المحرم، وتتبرج المحجبات، وتترك الصلوات أو يجمع بينها بعد خروج وقتها، وقد أخطأ أولئك في فهم أن العطلة والاستراحة إنما هي لمعصية الرحمن وطاعة الشيطان، فإن القرآن يقرر أن الاستمتاع بمتع الحياة الدنيا هي للمؤمنين في الدنيا يشاركهم فيها غيرهم، وهي لهم خاصة يوم القيامة، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32].

فللمسلمين أن يستمتعوا بالحياة في غير معصية، فيمكن للإنسان أن يستمتع بأي شيء يريد، لكن دون أن تصحبه المعصية، فله أن يسبح، وله أن يتنزه، وله أن يسافر، وله أن يشتري، وله فعل كل ما يريد، كل ما هنالك أن لا يصحب ذلك معصية.

ثانيا – المحافظة على الفرائض

وفي الاستجمام والاسترواح يراعي المسلم المحافظة على الصلوات في أوقاتها ولا يترك الواجبات، فالراحة والعطلة ليست عطلة عن أداء الطاعات والواجبات، بل تكون العطلة أدعى للمحافظة أكثر على الفرائض خاصة الصلاة، وأنه إن كان المرء ينشغل – أحيانا – عن أداء الصلوات في أول الوقت لظروف العمل ونحوه، ففي العطلة فسحة أكبر من أن يجدد المرء العهد مع الله تعالى في المحافظة على الصلوات  جماعة في المسجد، ويحافظ على الصف الأول، وأن يستفيد من عطلته في حسن صلته بربه سبحانه وتعالى، فإن الله تعالى ما أسقط الصلاة عن المؤمنين بأي حال من الأحوال، ولم يسقطها حال الخوف أو الحرب، فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ . فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 238، 239]، وإن كان أجاز الإسلام للمسافر الفطر في رمضان، أو لمن له عذر، لكن إن كان يقدر عليه فالأولى صيامه، كما قال تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]

ثالثا – وضع أهداف في العطلة

من الأفضل أن يفكر المسلم في وضع أهداف له في عطلته يسعى إلى تحقيقها، وأن تكون هذه الأهداف أهدافا متنوعة، منها ما يتعلق بحسن صلته بربه، وأن يراجع علاقته مع الله تعالى، فيزيد من إيمانه بالطاعات من العبادات وعمل الخير وعون الغير، أو ما تعلق بغيره من صلة الرحم وزيارة الأهل والأقارب، والتواصل مع الأصدقاء الذين هجرهم، وأن يعيد وصل ما انقطع مما كان موجودا في القديم، فيدخل البهجة في قلوبهم بزياراته لهم، أو ما كان يتعلق بالجانب الثقافي والفكري، فيحدد لنفسه بعض الكتب أو الروايات النافعة التي يمكن أن يستفيد منها، خاصة ما يتعلق بالجانب الديني، أو جانب التنموي، أو الجانب النفسي، أو الجانب المهاري، أو يحصل على بعض الدورات التدريبية التي تنمي مستواه في بعض التخصصات.

فالتخطيط سنة نبوية، ومهارة حياتية، ومفتاح للنجاح والتفوق، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل شيئا قبل أن يخطط له، حتى تكون الأمور واضحة، تؤدي إلى النجاح، كما هو الحال في الهجرة، وفي حروبه، وفي إرساله الرسل للملوك لنشر دعوة الإسلام، وغيرها.

رابعا – الاستمتاع بالترويح عن النفس

التخطيط سنة نبوية، ومهارة حياتية، ومفتاح للنجاح والتفوق، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل شيئا قبل أن يخطط له

الترويح عن النفس فطرة إنسانية، ولهذا لم نجد الشريعة تكثر الحديث عنها، لأنها جبلة مفطورة في نفوس الخلق، وما كان ذلك من شأنه، فإن الشريعة تكتفي بوازع الفطرة عن وازع الدين.

و يختلف الترويح عن النفس من شخص لآخر، فيلبي الإنسان حاجته من الترويح عن النفس، فبعض الناس يميل إلى الخضرة وجمال الطبيعة، فيجد استجمامه فيها، وبعضهم يجده في الماء حيث البحار والأنهار والمحيطات، ومنهم من يجده في ممازحة زوجته وأبنائه، وهذا يختلف كل شيء عن آخر في طريقة ترويحه عن نفسه.

فمن المهم أن يدرك الإنسان طبيعته، وأن يعرف نفسه، وأن يدرك ما الذي يروح عنها، ولا بأس بالتنوع في الترويح عن النفس، فيجمع بين أكثر من وسيلة، كممارسة الرياضة والتنزه والقراءة والخلوة بالنفس والقراءة وغيرها من الوسائل التي تروح عن النفس وتعيد لها النشاط والحيوية، وتعطيها راحة تدفع إلى مزيد من العمل والعطاء.

خامسا – اختيار رفقة العطلة

من معايير نجاح أي تخطيط لقضاء عطلة موفقة أن يختار الإنسان رفقته في عطلته، فالإنسان اجتماعي بطبعه يتأثر بمن معه ومن حوله ويؤثر فيه، وحتى يقضي الإنسان عطلة مفيدة له، عليه أن يتخير رفقته في هذه العطلة الذين يعينونه على قضاء عطلته بأبهى صورة، فرفقته يعينونه على نوائب الدهر ويخففون عنه متاعب الحياة، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصحبة الصالحة  وحذر من صحبة السوء فيما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة».

عمارة الوقت الاشتغال في جميع آنائه بما يقرب إلى الله أو يعين على ذلك من مأكل ومشرب أو منكح أو منان أو راحة

ومن المعروف أن من أهم عوامل النجاح في أي عمل، أن يختار الإنسان الفريق المناسب الذي يتواءم معه، ويساعده على النجاح، فالمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه.

سادسا – اختيار وقت العطلة حسب الأهداف

حتى يحقق الإنسان أهدافه من عطلته، عليه أن يتخير الوقت المناسب لتحقيق عطلته، فمن كان يريد عطلته في السياحة أو الاستجمام حيث البحر والسباحة ليس من المناسب أن يجعلها في شهر رمضان مثلا، بخلاف من يريد أن يجعل عطلته لأداء عمرة مثلا، فيكون شهر رمضان هو أنسب الشهور، وهكذا في كل الأهداف التي يريد الإنسان تحقيقها، فعليه أن يختار لها الوقت الأنسب، وأن يعمر وقته بكل نافع، فإن تعمير الوقت بالنافع لا يشترط أن يكون في الطاعات وحدها ، بل قد يكون من المباحات من العادات.

يقول ابن القيم رحمه الله: ”  وعمارة الوقت الاشتغال في جميع آنائه بما يقرب إلى الله أو يعين على ذلك من مأكل ومشرب أو منكح أو منان أو راحة، فإنه متى أخذها بنية القوة على ما يحبه الله وتجنب ما يسخطه كانت من عمارة الوقت، وإن كان له فيها أتم لذة فلا تحسب عمارة الوقت بهجر اللذات والطيبات، فالمحب الصادق ربما كان سيره القلبي في حال أكله وشربه وجماع أهله وراحته أقوى من سيره البدني في بعض الأحيان”.

سابعا – تخير الأماكن المناسبة

فمن عوامل نجاح تحقيق أي هدف، أن يختار الإنسان المكان المناسب لتحقيق هدفه، فمن أراد الاستجمام، فما ينبغي أن يختار مكانا ذا صخب، ومن أراد المعايشة والخلطة بالناس فما ينبغي أن يختار مكانا لا أحد فيه، ومن هنا، ندرك أن الله تعالى فضل بعض الأماكن على بعض لشرفها، حتى إنه أقسم ببعضها، كما قال تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1]، وكما قال: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ . وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: 1 – 3]، وقد اتفق الفقهاء على أن أفضل الأماكن مكة والمدينة، ودل الشرع على أفضلية القدس، وكل هذا يعلمنا شرف المكان، وأن لكل وظيفة مكانا خاصا بها، وعلى المرء أن يتخير المكان المناسب لقضاء عطلته بما يحقق له أهدافه فيها.

ثامنا – حمد الله على النعم

ثم  من خصال المؤمن الصادق أنه إن أدى عطلته على الوجه الذي يحب، ورأى فيها توفيق الله تعالى له، وحصوله على الراحة والاستجمام أن يحمد الله تعالى على ما وهبه من النعم، فكم من الناس حرم ما رزق هو، وكم من الناس يرجو ما أعطيه، فيرد الأمر لله تعالى ويحمده، كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، وهذا من الشكر الذي يحفظ الله به النعمة على عبده، ويرزقه الزيادة من فضله، كما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7].

وهذا الحمد يجعل المسلم دائما في صلة مع ربه سبحانه وتعالى، فبعض الناس يتصور أنه يذكر الله تعالى حين يؤدي العبادات والطاعات، ولكن نصيبه من الدنيا هذا له لا يذكر الله تعالى فيه، وهذا خطأ محض، فالمسلم كل شيء في حياته له علاقة بربه سبحانه وتعالى، فالله هو الذي وهبه الصحة والعافية والمال، فنال قسطا من الراحة، فيرد الأمر لله رب العالمين، وهو الذي أباح له التمتع، فيحمد الله تعالى على إباحته له بما فعل، فيكون كل أمره لله تعالى كما قال: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].