في يوم العيد فرحة أمرنا الله أن نظهرها مهما كانت آلامنا وما نعانيه فهذه الساعات القليلة تأتي في السنة مرتين تفتح آفاقا واسعة من تغيير الحالة المزاجية للمسلم وتهيأه للحظات فرح تمسح أحزانه و تخفف منها.

إن لحظات الفرح في حياتنا قليلة ولعلنا إذا عرفنا بعض مفاتيح الفرح يمكننا أن نزيد هذه اللحظات وأن نطيل من وقتها وفي عبادة الحج مفاتيح عدة يمكن للموفق أن تكون بين يديه يستخدمها في زمن الحج وفيما بعده.

أول هذه المفاتيح هو التطهر فالحجاج يقطعون كل هذه المسافات وينفقون كل هذه الأموال ويبذلون كل هذه الجهود رغبة في أن يعودوا كيوم ولدتهم أمهاتهم متطهرين من خطاياهم مهما كانت عظيمة وجسيمة، فالشعور بالطهارة طهارة الظاهر وطهارة الباطن وطهارة صحيفة الأعمال أحد أهم مسببات السعادة.

إن استصحاب هذا المعنى طوال العام يفتح لنا آفاق عظيمة لراحة البال وطمأنينة الخاطر وهما من آثار التطهر وأحد تجليات السعادة يمكننا أن نستحضر نية التطهر عندما ننوي الصلاة فهذا أحد مقاصدها العظيمة.

قال صلى الله عليه وسلم :«أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟» قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» [صحيح مسلم] غياب نية التطهر قبل الصلاة  وأثناءها  يفقدنا معنى عظيما وعميقا ويحرمنا من خير كثير فتصور أن مصل خرج من صلاته وقد شعر أنه تخفف من الأوزار التي ارتكبها قبل الصلاة كيف ستكون حالته الروحية والعقلية والجسدية لاشك أنه سيشعر بسعادة  بالغة وسيتخلص من عبء يثقل كاهله ومع تراكم العبء تضعف الروح وتصاب بأدواء خطيرة  وهكذا كل عبادة تمحو ما وقع قبلها قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» [صحيح مسلم].

هذه المنحة الإلهية الجليلة التي يعطيها الله تعالى لعباده الصالحين لا تزال تطهر المسلم من أدرانه حتى تأتي عبادة الحج فتمحو ما بقى لتعود صحيفته إلى النقاء كما كانت من مفاتيح السعادة التي يتعلمها المسلم من الحج مفهوم مواصلة الطاعة والاسراع في القيام بها  فمعنى لبيك للهم لبيك انا مقيم على طاعتك يارب إقامة بعد إقامة هذا التواصل بين الطاعات أحد مسببات السعادة فإن للحسنة أثرها في انشراح الصدر  وتوالي الحسنات يزيد من انشراح الصدر وسرور النفس وقد شبهت الطاعات وتأثيرها على تنوير القلب بمن يوقد شمعة في غرفة مظلمة فتضيء بمقدار ما فإذا اضفت إلى الشمعة أخرى ازداد الضوء ولا تزال تقدم طاعة ويزداد الضوء حتى تمتلأ الغرفة بالنور ويخرج منها لينير خارجها والنور وانشراح الصدر أحد تجليات السعادة وأحد آثار توالي الطاعات والمسارعة في الخيرات كذلك سبب لاستجابة الدعوات التي يظن الناس أنها مستحيلة فقد أصلح الله تعالى زوجة زكريا وأعطاه الولد رغم كبر سنه ووهن عظمه واشتعال رأسه  شيبا  ، وبين الحق سبحانه وتعالى أسباب ذلك فكان منها إنهم كانوا يسارعون في الخيرات فالمسارعة في الخيرات سبب للمنح العظيمة وإدخال السرور على القلب.

تقاسم السعادة

من معاني فرحة العيد أن السعادة إذا تقاسمها الناس كبرت وزادت وإذا حصرها الناس في إطار ضيق أنها تتبدد وتتلاشى ولأجل ذلك كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للنساء لكي تعير إحداهن ثوبا لا تحتاج إليه  لمن لا تجد قالت امرأة :يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» [صحيح مسلم] وعند الحميدي في مسند “يشهدن الخير ودعوة المسلمين”. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ألا يبقوا عندهم شيء من لحم الأضحية لما قدم عليهم مجموعة من الأعراب الجياع لكي تعم النعمة على الخلق  فلما زال هذا السبب أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكلوا ويتصدقوا ويدخروا [مسند أحمد] {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] لعل شيئا من بؤسه يزول ولعل شيئا من بؤسكم يزول أيضا.

التضحية

ومن أجل المحافظة على فرحة العيد يجب أن نتذكر دائما أن الإنسان لا يصل إلى المجد ولا يستقر فوق عرشه إلا بتقديم التضحيات وكلما كانت التضحيات كبيرة كلما ارتفع المضحي في سماء المجد ضحى إبراهيم عليه السلام بنفسه حين ألقي في النار وضحى بولده حين أمره الله بذبحه لايمكن للإنسان ان ينال منزلة في دين أو دنيا إلا باقتطاع جزء من وقته وجهده وعمره وأعصابه حتى يصل إلى ما يريد أما من يريد أن تأتيه أمانيه دون جد واجتهاد فهو واهم ولو جاءته لن تبقى عنده وإذا كان الناس يقدمون التضحيات الكبيرة لكي يصلوا إلى طموحهم في الدنيا حتى نسو حقوق أنفسهم وأهليهم وأولادهم فهذا يدفع المسلم لأن يشتري رضوان الله بالغالي والنفيس وإذا نال الرضوان الأعلى هان عليه ما بذله.

هذا البيت – المسجد الحرام – مبعث حسن الرجاء فيما عند الله تعالى فمن قَدِمه راجيا لرحمة ربه خائفا من ذنبه مصلحا ما بينه وبين الله والناس عفا الله عنه وتجاوز عن سيئاته هذا البيت نتعلم منه أن الزبد يذهب جفاء كان النبي صلى الله عليه وسلم  يطوف بهذا البيت وحوله ثلاثمئة وستون صنما  ثم في عام الفتح أخذ عودا بيده يضرب به هذه الأصنام وهو يقول جاء الحق وزهق الباطل كان النبي صلى الله عليه وسلم موقنا بهذا اليوم الذي ستزول فيه هذه الأصنام ليعود البيت قبلة للتوحيد بعد أن كان معرضا للأصنام يحكي عثمان بن طلحة أن مفتاح الكعبة كان بيده وأنه منع النبي صلى الله عليه وسلم  من دخول الكعبة فقال له يومها وهو صلى الله عليه وسلم الذي لا يستطيع أن يدخل الكعبة: ”  لعلك أن ترى هذا المفتاح يوما بين يدي” صبر النبي صلى الله عليه وسلم وصابر وثابر حتى قال له ربه :{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)  } (سورة النصر).

إن جذوة الأمل إذا خبت من النفوس وحل مكانها رماد اليأس فلا تسل عن معنى للحياة ولا عن قيمة لنعمة فالحلو ساعتها يستوي مع المر والصحة مع المرض وكفى بذلك موتا قبل الموت  إن جذوة الأمل هي أنس الضعيف والمحتاج في يوم ينقضي فيه الضعف وتزول فيه الحاجة وما ذلك على الله بعزيز.

ووسط فرحة العيد نتذكر أن أمنا هاجر أعطتنا مفتاحا آخر من مفاتيح السعادة لكي يكون مع الأمل عمل ولكي يسعى الناس لتحقيق آمالهم فقد نفد ما معها  من ماء وغذاء أو قل نفذ ما معها من أسباب الحياة وهي تعلم أنها في مكان لا زرع فيه ولا ماء فذهبت لعلها ترى نبع ماء او من يحمل الماء سعت سبع مرات ما بين الصفا والمروة حتى إذا ما بذلت وسعها ونفدت طاقتها أمدها الله بمدد من عنده وفجر الأرض ينبوعا يشرب منه الناس ليوم الدين وهي طعام طعم وشفاء سقم إن هذا السعي يعد نبراسا لكل من أراد حياة قلبه وبدنه ولابد من الوعي قبل السعي لابد من الحركة المحسوبة في مضمار الحياة الحركة الآخذة بالأسباب المتوكلة على رب الأرباب.

في خضم فرحة العيد يجب أن نعلم أن السعادة كنز مفقود ويبحث الناس عنه في القديم والحديث فلم يهتدوا إليه وقد جعل الله لها أسبابا حاولنا تلمس بعضها من خلال التأمل في مناسك الحج فكانت التطهير لتسمو الروح في مدارج الكمال وكان ما يتضمنه معاني التلبية من إسراع إلى طاعة الله وتواصل للعمل الصالح ثم تقديم التضحية لنيل الدرجات العلا في الدنيا والآخرة  التي تستجلب ثم حسن الرجاء في الله تعالى الذي يقارنه السعي الحثيث للغاية التي ترضي الله وتنفع الناس سمي العيد عيدا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد أو لأن عوائد الله تعالى فيه تتجدد فيعود سبحانه وتعالى على عباده بالمغفرة والرحمة وتعود إلينا معه مفاتيح السعادة نتأملها ونستخدمها.