فرضت الحضارة الرأسمالية الحديثة على العالم معادلة صعبة جعلت ثلة من سكان الأرض تسيطر على معظم ثروات العالم، بينما تصارع الغالبية من أجل الحصول على لقمة عيشها بشكل يفرض على الأمة الإسلامية تفعيل دور الزكاة حتى يجد فقراء المسلمين – بل والعالم – ما يعيد لهم جزءا من ثرواتهم المنهوبة.

ورغم ما تمتع به الأمة الإسلامية من خيرات وثروات طبيعية وموقع استراتيجي جعل منها قلب العالم النابض، فُرضت عليها ثنائية صعبة لامخرج منها إلا بالعمل على النهوض بالاقتصاد ومنع استئثار القلة للثروة وتكدسها بأيديهم عن طريق مجموعة من الإجراءات ومنها تطبيق الركن الثالث.

فالثنائية المقيتة التي فرضها المتحكمون في ثرواتنا ممن يدينون بديننا ويتكلمون لغتنا تبدو جد صعبة، فلا هم سمحوا لنا بالتخلص من التخلف الاقتصادي والصناعي والالتحاق بركب الشعوب المنتجة، ولا هم أعطوا لفقرائنا حقهم في ما يتداولونه بينهم من أموال فاضت بها خزائن البنوك في منطقتنا وضاقت عن استيعابها حتى أرسلت إلى بنوك الغرب والشرق لتنعم شعوب أخرى بعائدات ضرائبها وتساهم في استقرار أسواق تلك الدول واقتصادياتها.

فلو أخرج هؤلاء زكاة الأموال التي استولوا عليها – بحق أو بغير حق- لما وجد متسول في العالم الإسلامي حسب العديد من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع بالبحث والتحليل.

وما أجمل أن تسهم الأمة في مكافحة الفقر عالميا من خلال إدارة أموال الزكاة وتوجيهها إلى فقراء العالم لتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد؛ إظهار قيم الإسلام الحضارية والإنسانية؛ و الدعوة إلى دين الله وتأليف قلوب غير المسلمين وتشجيعهم على الدخول في الإسلام.

فبحسب تقرير صادر عن مؤسسة “أوكسفام” الخيرية البريطانية، فإن انعدام المساواة في الدخل سيصل لمرحلة جديدة بحلول عام 2016، حيث أن الأغنياء حول العالم، والذين يشكلون نسبة 1%، سيسيطرون على ثروة أكبر من بقية سكان العالم، وبحسب التقرير، سيطر الأشخاص فاحشو الثراء حول العالم على نسبة 48% من إجمالي الدخل العالمي، بينما سيطر الفقراء الذين يشكلون نسبة 80% من سكان العالم على نسبة لا تتجاوز 5.5% من الثروة.

ARTICAL

وهذا ما جعل مشكلة الفقر في عالم اليوم تمثل واحدة من أهم وأخطر المشكلات التي تواجه البشرية، حيث يعيش حوالي نصف سكان العالم – أي حوالي 3 مليارات من البشر- تحت خط الفقر بمعدل 2 دولار أميركي في اليوم، علما أن  مليار شخص من هؤلاء يقل دخل الفرد منهم عن دولار واحد.

وهذا ما أكدته إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” التي كشفت عن أن 830 مليون شخص، – أي ما يقارب 14% من جملة سكان العالم، انحدرت أحوالهم في السنوات الأخيرة من الفقر إلى الجوع والمرض بسبب غول العولمة وقلة المساعدات الدولية.

ونظرا للمؤشرات المخيفة أعلاه يتعين على الدول الإسلامية وضع برنامج محدد لجمع الزكاة من المؤسسات العامة والخاصة في الدول الإسلامية حتى تساعد هذه الأموال في تخفيف الفقر والبطالة التي تتزايد أعدادها في العالم العربي بشكل مخيف، ومن المفارقات أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي كان يحكم دولة تمتد حدودها من الصين إلى أوروبا نجح في مكافحة الفقر والبطالة بسبب النظام الصارم لإدارة المال العام وإجبار الأغنياء على دفع زكاة أموالهم حتى أخرجت الزكاة وطيف بها في هذه الدولة المترامية الأطراف ولم يوجد من يستحقها، كل هذا خلال سنتين من الحاكم العادل.

ومن الجدير بالذكر أن المسلمين اليوم يتهاونون في إخراج الزكاة بينما قاتل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة في وقت ضعف الدولة الإسلامية آنذاك التي شهدت موجة ردة عاتية لم يسلم منها سوى سكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقال كلمته الخالدة ” والله لو منعوني عقالا – وفي رواية عناقا- كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه.

فما أحوج الأمة إلى رجال يسيرون على نهج هذين القائدين حتى يجبروا أغنياء المسلمين اليوم على دفع حقوق الفقراء في أموالهم.