“القارئ الأخير” كتاب للنَّاقد والرِّوائي والقاصّ الأرجنتيني الشهير ريكاردو بيجليا، صدر حديثاً عن دار المتوسط بترجمة عربية عن اللغة الإسبانية أنجزها أحمد عبد اللطيف. حيث يناقش بيجليا في هذا الكتاب سؤالَ: ما هو القارئ؟ من هو؟ وماذا يحدث له عندما يقرأ؟ وهو عبارة عن كتابة نقدية وبحثية من منظور إبداعى فى ماهية القراءة وأثرها.

ويعد ريكاردو بيجليا واحداً من أهمِّ كتاب أميركا اللاتينية، وهو أشهر من اشتغل في مجال النقد الثقافي والإبداعي وعلاقة الأدب بالتلقي، بل إن “مجلّة سوديتش زيتونج الألمانية” تعتبره: “من بين كُتّاب أميركا اللاتينية كلّهم الذين نهضوا على أكتاف بورخيس الرائد، وأفضل مَنْ تمتّع برؤى مناخات الأدب العالمي وأراضيه”.

من هو بيجليا؟

ولد ريكاردو بيجليا في أدروجيه في بوينوس آيرس (الأرجنتين) عام 1940. ويُعدّ أحد أهمّ كُتّاب أميركا اللاتينية وأكبرهم في الثلث الأخير من القرن العشرين وبدايات هذا القرن. اشتهر كروائي وقاصّ ومنظّر أدبي، ورحل عن العالم في 2017.

ويعدّ بيجليا من أبرز كتّاب القصة القصيرة والمنظّرين لها قبل أن يتوّجه إلى الرواية ويصدر رواياته الخمس، وهي: “التنفّس الاصطناعي” (1980)، و”المدينة الغائبة” (1992)، و”المال المحترق” (1997)، و”ليلة بيضاء” (2010)، و”الطريق إلى إيدا” (2013)، التي نقلها إلى العربية عبد السلام باشا، وصدرت ترجمتها عن “الهيئة المصرية العامة للكتاب” عام 2015.

والأدب، بحسب بيجليا، يمنح اسما وحكايةً للقارئ. من دون كيخوتيه إلى هاملت، من بارتلبي إلى قارئ بورخس المخترَع، من إيما بوفاري إلى فيليب مارلو، نتصادف مع تنويعة لا نهائية من القرّاء: الرّائي، المريض، المُوسوَس، الميلانكولي، المترجم، الناقد، الكاتب، الفيلسوف، ولِمَ لا؟!: المؤلّف نفسه، بيجليا كـ بيجليا أو بيجليا كـ رينزي (الشخصية التي يتخفّى وراءها في أدبه).

وتتسم أعمال بيجليا بالاتكاء على عقدة بوليسية شعبية بتخليقه شخصية محقّق في عدد من أعمالها والنهل من السيرة الذاتية لينفذ من خلالهما للحديث عن تاريخ بلاده، وتاريخ الأدب فيها وفي العالم، وقد ابتدأ مسيرته الأدبية بإصداره مجموعته القصصية الأولى التي حملت عنوان “الغزو” عام 1967، كما أصدر بعدها ثلاث مجموعات هي: “اسم مستعار” (1975)، و”السجن مدى الحياة” (1988)، و”حكايات أخلاقية” (1995).

أما المترجم، أحمد عبد اللطيف، فهو روائى ومترجم صدر له عدد من الروايات منها: صانع المفاتيح، عالم المندل، كتاب النحات، إلياس، وحصن التراب، وسيقان تعرف وحدها مواعيد الخروج. كما قام بترجمة عدد من الأعمال المهمة منها “لاورا و خوليو لـ خوان مياس، الذكريات الصغيرة والبصيرة وثورة الأرض ومسيرة الفيل لـ سراماجو”.

..ومن هو القارئ؟

من خلال كتابه “القارئ الأخر” الذي يقع في 200 صفحة من القطع الوسط، يتجه بيجليا إلى القول أن :”القارئ، مثل مَنْ يفكّ الشفرة، مثل المترجم، كان، في أحيان كثيرة، محض استعارة وأليجورية للمثقّف”. ثم يضع صورة لقارءه فيقول :”فصورة مَنْ يقرأ تمثّل جزءًا من بنية صورة المثقّف بالمعنى الحديث. ليس كأديب فحسب، إنما كشخص يواجه العالم في علاقة تواسط مبدئية، في نوع محدّد من المعرفة. القراءة تتوظّف كنموذج عامّ لبنية المعنى. وتردُّد المثقّف يمثّل دومًا عدم اليقين في التأويل، في القراءات الكثيرة الممكنة للنّصّ”.

ويشرح بيجليا فعل القراءة ويؤكد أن “ثمّة توتّر بين فعل القراءة وفعل السياسة. ثمّة تعارض ضمني بين القراءة والقرار، بين القراءة والحياة العملية. هذا التّوتّر بين القراءة والتجربة، بين القراءة والحياة، نجده شديد الحضور في الحكاية التي نحاول تشييدها. وأحيانًا كثيرة يكون ما قرأناه هو الفلتر الذي يسمح بمنح معنى للتجربة.”

ويحاول الأديب الأرجنتيني الإجابة بأن الأدب “يمنح اسما وحكاية للقارئ”، فهو “قصّة: مؤرّقة، فريدة، ودائماً مختلفة”، ويستنتج في النهاية أن “القراءة هي مرآة التجربة، هي التي تُعرّفها، وتصيغها”.

القراءة ومصائر الأبطال

الكتاب يناقش “كيف غيرت القراءة مصائر الأبطال والبطلات فى العمل السردي؟ وكيف تأسست علاقات حب كبيرة على القراءة فى حياة كتاب مثل كافكا؟ ومن بورخس لجيفارا: كيف تغدو القراءة حياة أو موت؟ و”القارئ الأخير” كتابة نقدية وبحثية من منظور إبداعى فى ماهية القراءة وأثرها.

وتتقاطع رواية بيجليا الأخيرة مع اشتغاله النقدي والأكاديمي على نظريات الرواية وأدب أميركا اللاتينية، حيث درّس في عدد من جامعات بلاده وفي الولايات المتحدة، فهي من الأعمال التي تتحدّث عن الأدب والروايات ومن يكتبونها ويدرسونها، حيث يسعى بطل الرواية إلى كشف الرابط بين روايات جوزيف كونراد وعالم رياضيات اعتزل العالم خلال عشرين عاما، وقرّر شن ّحرب على النظام الرأسمالي، ممثلاً في أميركا.

يذكر أن ريكاردو بيجليا يعدّ أحد أبرز الكتّاب الأرجنتيين الذين شكّلت أعمالهم الروائية نقطة تحوّل على مستوى الأسلوب وتقنيات السرد، كما لاقت اشتغالاته النقدية تقديرا مماثلا، ومن أبرزها: “الأرجنتتين في أجزاء” (1993)، و”أشكال موجزة” (1999)، و”القارئ الأخير” (2005).