للقسط عدة معان، يرد كل واحد منها في سياقه، كما هو مبيّن في ما يلي:

1. إذا اقترن العدل والقسط في سياق الوزن، فإعطاء المشتري حقه كاملا عدل، وذلك بتساوي كفّتي الميزان، أو بتمام القياس (بالمتر وغيره)، أو بتمام امتلاء آلة الكيل، أو بالعدد.

و(الحرص) على ذلك من البائع قسط. قد يكون الحرص بمتابعة سلامة الميزان. والتأكد من سلامة عملية الوزن وسلامتها من الخطأ.

بتحقيق هذا كله يكون البائع عادلا مقسطًا.

ويمكن أن يكتفى بوصف البائع في هذه الحال بأنه مقسط، لأن القسط يتضمن العدل، وليس العكس. فإذا لم يكن عادلا فلا شك أنه غير مقسط.

لكن القسط درجات، أدناها (الحرص) على تحقيق العدل. هذا الذي سميناه مقسطا قد يتصرف بما هو فوق الحرص، فتراه يزن ويرجح، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : زن وأرجح. هذا يدل على طيبة النفس، ويحسب إن شاء الله متصدقا، بالإضافة إلى كونه عادلا مقسطا، بل في درجة عالية في القسط.

جاء في أخبار القضاة أن أحد العلماء كان له ابن أخ يبيع  بعض الأغذية، ومرّ به ذات يوم فإذا هو يمسح كفة الميزان وكلما وزن المبيع مسحها مرة أخرى، فسأله عما يفعل، قال: أمسحها من غبار  ربما علق بها من أقدام الناس، فترجح الكفة التي يوضع عليها الطعام.

2. فإذا كان المبيع من المواد النفيسة كالذهب والبلاتين  فإعطاء المشتري حقه تاما عدل. والحرص على دقة الوزن وسلامته قسط.

3. إذا ورد العدل والقسط في سياق الحكم بين فئتين، فإعطاء كل فئة حقها عدل، وعدم الميل إلى فئة دون أخرى قسط. ورد في أخبار القضاة أن رجلا خاصم سيدنا عليا كرم الله وجهه، فاحتكما إلى القاضي، فلما مَثُلا أمامه، خاطب القاضي باسمه وخاطب سيدنا عليا بكنيته ( أبي الحسن) فاعترض عليه سيدنا علي، وطلب منه أن يخاطبه باسمه كما خاطب الخصم باسمه.

قلت؛ ما كنت أشك أن القاضي كان سيعدل بينهما . ولكنه لما مال إلى أحد الطرفين ( بتخصيص سيدنا علي بالكنية )لم يكن مقسطا.

هذا الفرق جليّ في قوله تعالى “فأصلحوا بينهما بالعدل” وزاد : ” وأقسطوا “. فالواو لا تعني اختلاف القسط عن العدل فقط، ولكنها تعني (زيادة) القسط على العدل في المعنى وفي الدرجة ، فكأنه قال: اعدلوا بينهما  بحيث لا يكون مع العدل ميل داخلي إلى إحدى الفئتين.

4. وترد بمعنى الحق،  كما في الآية الكريمة: “شهد الله أنه لا إله هو  والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط” : الحق.

5. ووردت بمعنى الإحسان في قوله تعالى “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم” يعني وتحسنوا إليهم.

د. سمير استيتية