تعتبر المشاريع الصغيرة و المتوسطة أو ما يعرف اختصارا بـ(SEMs) إحدى أهم محركات اقتصاد الدول ومصدر انتعاش الدخل القومي للكثير من بلدان العالم بما فيها البلدان النامية والاقتصادات الصاعدة، وتلعب هذه المشاريع دورا رياديا في توفير العمالة وتقليص نسبة البطالة عبر توفير الكثير من فرص التوظيف للعمالة الماهرة وغير الماهرة في مختلف قطاعات الاقتصاد. من خلال المعطيات والبيانات المتوفرة فإن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تسيطر بشكل كبير على غالبية النشاطات الاقتصادية في العالم ، حيث تقدر نسبة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ب 95% من مجموع المشاريع في العالم وتستحوذ على 60% من العمالة في القطاع الخاص.

تواجه هذا المشاريع معضلة كبيرة وهي محدودية وسائل التمويل خاصة التمويلات الإسلامية الموافقة لمبادئ الشريعة، وتظهر دراسة أجرتها International Finance Cooperation (IFC) إحدى الهيئات التابعة للبنك الدولي والمهتمة بمناخ الاستثمار وتقديم الإستشارات للدول إلى أن 35% من المشاريع الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتم إستبعادها من طرف البنوك التقليدية نتيجة لأن القائمين على هذه المشاريع يبحثون عن قروض خالية من الربا ونتيجة لغياب وسائل التمويل الإسلامي لدى هذه البنوك فإن هذه المشاريع لا تحصل على التمويل المطلوب مما يؤدي غالبا إلى إلغائها. في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية تذهب 60% من الاستثمارات الخاصة إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة بينما يشكل هذا الرقم في منطقة الخليج العربي 10% فقط.

التمويل الإسلامي فرصة ذهبية

في الدول التى تزدهر فيها المالية الإسلامية هناك إمكانية كبيرة وفرصة ذهبية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحقيق المزيد من النجاح والنمو، ذلك أن المالية الإسلامية تمنح فرص التمويل لجميع النشاطات الاقتصادية غيرالمخالفة للشريعة الإسلامية بغض النظر عن حجم هذه المشاريع، فما حققته المالية الإسلامية من نجاحات خلال السنوات الماضية سواء من حيث قدرتها على مواجهة الأزمات المالية أو من حيث مميزاتها ذات الطابع الأخلاقي من قبيل عدم استغلال حاجة الممولين وتحقيق الأرباح المضاعفة واستخدام معدل الفائدة وغير ذلك من الوسائل التى تستخدمها البنوك الربوية، كل هذه المميزات والخصائص جعلت من المالية الإسلامية أرضية ملائمة لتطوير وتحسين أداء المشاريع الصغيرة والمتوسطة وانتشارها، وهو ما يسهم بشكل كبير في دفع عجلة النمو الاقتصادي. وقد دعمت هذه الحقائق عن المالية الإسلامية بتقرير صندوق النقد الدولي الذي اعتبر أن قوة ومميزات التمويل الإسلامي تجعله خيارا صلبا واستراتيجيا لدعم هذا النوع من المشاريع.

وتشير إحصائيات تقرير International Finance Cooperation (IFC إلى إمكانية وجود فجوة كبيرة في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة   مابين (8.63 مليار دولار إلى 13.2 مليار دولار) في تسع دول شملتها الدراسة. كما أشار التقرير أيضا إلى أن 36% من أكثر من 160 بنك في العراق، باكستان، اليمن، السعودية، مصر، لبنان، المغرب، تونس والأردن يقدمون قروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

عقبات تحتاج التذليل

محدودية خيارات تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدول التى تنتشر فيها المالية الإسلامية يعتبر من العوائق والعقبات التى تواجه نمو وتطور هذا النوع من المشاريع، غالبية المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعاني من محدودية الخيارات والخدمات المالية التى تقدمها هذه المصارف كخدمات القروض، الدفع، إدارة المخاطر وغير ذلك من الخدمات التى تحتاجها هذه المشاريع. الخلل في قلة الخيارات التمويلية لهذه المشاريع يرجع لتفاعل مجموعة من العوامل منها العرض والطلب، المؤسسات، القوانين والإجراءات الخاصة بالتمويل كلها عوامل تعيق تطور المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وعلى مؤسسات المالية الإسلامية الأخذ في الاعتبار هذه العوامل ومحاولة إيجاد حلول لهذه العقبات.  من العقبات التى تواجه مؤسسات التمويل الإسلامي في تعاطيها مع هذا النوع من المشاريع ضعف نسبة الوعي حول منتجات المالية الإسلامية وخدماتها وهو ما يحتم على مؤسسات التمويل هذه التركيز على نشر الوعي بخدمات ومنتجات المالية الإسلامية الخاصة بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

مما يعيق تطور المشاريع الصغيرة والمتوسطة في العالم الإسلامي محدودية الخيارات التى تمنحها مؤسسات المالية الإسلامية لهذه المشاريع، حيث أن بعض هذه الخيارات لا يتلاءم أحيانا مع الوضعية المالية لأصحاب هذه المشاريع سواء من حيث المنفعة أو غياب العوامل المحفزة الأخرى. تشير الدراسات في هذا المجال بأن 35% من المشاريع الصغيرة والمتوسطة في باكستان وشمال إفريقيا لا تستطيع الحصول على التمويل نتيجة محدودية الخيارات التى تقدمها مؤسسات التمويل الإسلامي.

كيف يمكن إقتناص الفرصة ؟

تتداعى المؤسسات المالية العالمية على الأسواق وتتصيد الفرص وتجرى الدراسات والبحوث على الأسواق في تنافس محموم للسيطرة وتحقيق المزيد من الأرباح، ويحتم هذا الأمر على مؤسسات المالية الإسلامية العمل بجد واجتهاد وبذل الغالي والنفيس في تحقيق مواقع متقدمة لها في الأسواق الدولية والإقليمية. يشكل الحصول على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدول الإسلامية تحديا حقيقيا لأصحاب هذه المشاريع، ففي بعض هذه الدول 90% من المشاريع الصغيرة والمتوسطة يرغب أصحابها في الحصول على تمويلات لمشاريعهم تتماشى مع قوانين الشريعة الإسلامية، وهذا الرقم يشكل سوقا مهما للمالية الإسلامية وفرصة كبيرة لزيادة سيطرتها على السوق. تحتاج مؤسسات المالية الإسلامية تفعيل استراتيجية (Grab Opportunity Strategy ) اقتناص الفرص من خلال سرعة الأداء وسرعة إيجاد الحلول وسرعة  العمل المباشر فالتأخير قد يسبب ضياع هذه الفرص بشكل نهائي في سوق عالمي شديد التنافس.