كل سنة يستقبل المسلمون بطوائفهم ومذاهبهم حول العالم شهر رمضان، الذي يعد صيامُه أحد أركان الإسلام، وكل سنة تحدث حالة من الاختلاف على ثبوت رؤية هلاله وموعد بدء الصوم. ويعتمد بعضهم في رؤية هلال رمضان على الحسابات الفلكية، بينما يعتمد آخرون على الرؤية الشخصية بالعين المجردة أو مناظير دقيقة، كما يفضل فريق ثالث اتباع مراجع دينية أو بلدان لتأكيد ثبوت رمضان.

في بضع تساؤلات جوهرية وعلمية مركزة، نسعى في موقع “إسلام أون لاين” لإلقاء الضوء على بعض ما يستشكل في العادة سنويًا مع دخول شهر رمضان، فيما هو المعتبر شرعًا في إثبات غرة الشهر الفضيل، من خلال رؤية هلال رمضان بالعين المجردة أو الحسابات الفلكية، وقضايا ذات صلة مع الباحث والأكاديمي اليمني الدكتور صلاح عامر، الذي صدر له كتاب مؤخرا يحمل عنوان “علم المواقيت والقبلة والأهلّة“، وفيما يلي تفاصيل الحوار :

 – صدر لكم مؤخراً كتاب “علم المواقيت والقبلة والأهلَّة ، من الناحيتين: الشرعية والفلكية”، عن ماذا يتحدث الكتاب وما أهميته وما الذي يضيفه؟

الكتاب يتكون من ثلاثة فصول: الفصل الأول: يتحدث عن أوقات الصلاة، والفصل الثاني: يتحدث عن جهة القبلة، والفصل الثالث: يتحدث عن الأهلة والتقويم الهجري.

وحرصت أن أمزج في هذا الكتاب بين النصوص الشرعية والمسائل الفقهية وبين التقريرات والحسابات الفلكية، ليكون الكتاب جامعاً بين الأحكام الشرعية والتقريرات الفلكية.

أما أهمية الكتاب: فتكمن في ضبط الأحكام الشرعية كمواقيت الصلاة، وجهة القبلة، ورؤية الأهلّة بالطرق المعاصرة والمعادلات والحسابات الرياضية، فالكتاب يمزج بين الشرع وعلم الفلك المعاصر بلغة سهلة بعيدة عن التعقيد موضحاً بالصور الملونة والرسومات المبسطة.

باختصار: الكتاب هو: محاولة للاستفادة من علم الفلك المعاصر بدقته وتطوره، لخدمة بعض الأحكام الشرعية التي لها تعلق بالحساب والموقع الجغرافي وغير ذلك.

كما أنه يقدم الحسابات الفلكية بلغة الفقهاء في محاولة لردم الهوة بين الفريقين، بسبب عزوف الفقهاء المعاصرين عن تعلم الحساب والفلك.

 – برأيك ماهي حيثيات ومنطلقات علم المواقيت والقبلة والأهلَّة، وماذا يخدم هذا العلم؟

الصلاة ركن من أركان الإسلام، وقد حدد لها الشارع الحكيم أوقاتاً، وشرط لها شروطاً كاستقبال القبلة، وكذلك الصيام هو ركن من أركان الإسلام، وقد حدد الشارع الشهر الذي نصومه، ومن هذا المنطلق فنحن مخاطبون شرعاً بتعلم ما نستطيع أن نعرف به أحكام ديننا من مواقيت الصلاة، ومعرفة الاتجاه نحو القبلة، ومعرفة الشهر الذي نصومه أو نحج فيه، أو نخرج الزكاة عند حولان الحول.

إذاً فهذا العلم يخدم ثلاثة أركان من أركان الإسلام. الصلاة والصيام والحج.

– لو تحدثونا عمن أخذتم هذا العلم ؟

في الحقيقة كانت البداية من مدينة جبلة في محافظة إب اليمنية، عندما كنت أدرس الفقه الشافعي على شيخي الشيخ العلامة/ حميد بن قاسم عقيل رحمه الله رحمة واسعة، فنصحني بدراسة طرف من هذا العلم ككتاب المختصر في معرفة السنين والربع المشتهر، وجني الثمر في معرفة منازل القمر، وغيرها من الكتب القديمة، والتي عرفت من خلالها أهمية علم الفلك بالنسبة للفقهاء وطلاب العلم الشرعي.

ثم ساقتني الأقدار إلى دولة الكويت، فوجدت فيها الفلكي الكبير/ د. صالح العجيري حفظه الله تعالى، ودرست عليه بعض كتبه، ككتاب علم المواقيت، وبعض كتبه التي أجازني فيها، وانتقلت بعدها إلى النادي العلمي في الكويت أيضاً، إدارة الفلك وعلوم الفضاء بتوصية من الدكتور/ صالح العجيري حفظه الله وجزاه الله عني خيراً، ودرست في إدارة الفلك على يد باحث مصري هو د. شفيق كحيل حفظه الله تعالى، الذي لم يبخل عليَّ في تعليمي أساسيات علم المثلثات والإحداثيات وبعض المجموعات النجمية، وغير ذلك مما له تعلَّقات في علم الفلك الشرعي فجزاه الله خيراً.

– إذاً فأنتم متخصصون في علم الفلك؟

لا، لستُ متخصصاً في علم الفلك، فعلم الفلك أقسام كثيرة ومتعددة، تحتاج أن تفني فيها عمرك، ولكن تخصصي هو العلم الشرعي، ولكنني أردت أن أدرس من علم الفلك ما له تعلق بالأحكام الفقهية ويخدم الفقيه في واقعه المعاصر.

– إلى ماذا يرجع اختلاف المسلمين ودول العالم الإسلامي حول دخول شهر رمضان؟

يرجع لسببين: الأول: هو العمل برأي الشافعية القاضي باختلاف المطالع، هو خلاف قول الجمهور من الفقهاء الذين يقررون أنه لا اعتبار لاختلاف المطالع فإذا رأى أي بلد مسلم هلال رمضان فقد وجب على بقية البلدان الإسلامية، ولكن للأسف تدخلت السياسة بالفقه وتم العمل بالقول الأول.

والسبب الثاني: هو عدم العمل بالحساب الفلكي في رؤية هلال رمضان، والاقتصار على الرؤية بالعين المجردة فقط، مما يؤدي لاختلاف المسلمين بسبب اختلاف ظروف الرؤية ومواقع البلدان من خطوط الطول.

– ما الذي يمكن اعتباره بشأن حلول شهر رمضان، رؤية الهلال أم الحساب الفلكي؟

جمهور الفقهاء قديماً وحديثاً على أن الرؤية هي التي يُعتمد عليها في دخول الشهر العربي، وذهب بعض الفقهاء من السلف وبعض المعاصرين إلى القول بجواز أن نعتمد على الحسابات الفلكية على تفصيل بينهم.

 – ما الفرق بين الحساب الفلكي ورؤية الهلال؟ وما المعتبر منهما؟

الحسابات الفلكية هي عمليات حسابية لحركة القمر حول الأرض والشمس، ومتى يتم الاقتران بينها ومتى يتم التولد، وكم الوقت الذي يمكن فيه رؤية الهلال بعد التولد (عمر الهلال)، وأما الرؤية فهي المشاهدة بالعين المجردة فقط. وأما المعتبر منهما فهو على التفصيل السابق في الاختلاف بين الفقهاء.

– ما رأيكم في الاعتماد على الحسابات الفلكية أم على الرؤية؟

لابد أولاً من معرفة ما هي الحسابات الفلكية، وإلى أي مدى وصل علم الفلك اليوم من الدقة والضبط، حيث أصبحت نسبة الخطأ كما يقول بعض علماء الفلك واحد على مائة ألف.

ونحن نرى الحسابات الفلكية يتم العمل بها في أوقات الصلاة بدقة متناهية، ولا نجد من الفقهاء من ينكر العمل بها. وكذلك نرى الحسابات الفلكية منضبطة في تحديد الكسوف والخسوف بالثانية، بل في بداية كل عام يصدر جدولاً في بعض المواقع الفلكية لكل الأحداث الفلكية خلال العام، وبعضها يصدر جدولاً للحوادث الفلكية خلال مائة عام قادمة، فالخلاصة أن الحسابات الفلكية اليوم وصلت لدقة متناهية، ولم تعد كما كانت زمن ابن حجر أو النووي أو ابن تيمية رحمهم الله تعالى الذين وصفوا الحسابات الفلكية بأنها حدس وتخمين، وبعض الفقهاء قديماً قال هو شبيه بالتنجيم، وبنوا على معرفتهم تلك التحذير من العمل بالحسابات الفلكية.

وأنا هنا أعذر الفقهاء قديماً لأن علم الفلك لم يكن في زمنهم قد وصل إلى ما وصل إليه في زمننا من الدقة والضبط، ولكنني لا أعذر من يقول بقول ابن حجر أو النووي أو ابن تيمية مقلداً لهم أو ناقلاً لأقوالهم على سبيل الاستدلال بأن علم الفلك هو نوع من التنجيم أو بأنه غير منضبط؛ لأن هذا كمن يريد أن يسافر إلى مكة على الجمل بحجة أنه لا يوجد وسيلة أخرى أفضل منها.

وقد تقدم الفقهاء خطوة للأمام في اعتماد الحسابات الفلكية قديماً وحديثاً، فقالوا باعتماد الحسابات الفلكية في حالة نفى الفلكيون وجود الهلال في السماء، وليس في حالة إثبات وجوده، وهذه خطوة مهمة في طريق اعتماد الحسابات الفلكية، اعتمد ذلك بعض المجامع الفقهية وبعض الندوات الفقهية والفلكية.

ولابد من ملاحظة المصالح التي تتحقق من وراء اعماد الحسابات الفلكية، فالفقيه لابد من أن يعرف المآلات، وينظر في المصالح في كل مسألة يفتي فيها، فالمصالح المتحققة من اعتماد الحسابات الفلكية هي: وحدة المسلمين في شعائرهم لا سيما إن تم اعتماد قول جمهور الفقهاء في توحيد المطالع، ومصلحة ضبط التقويم الهجري الذي يمثل هُوية أمة الإسلام، والذي ربطنا به الشارع ببعض الأحكام والعبادات.

– لكن بعض الفقهاء يعتمد على حديث: صوموا لرؤيته، وحديث إنا أمُّة أميَّة لا نحسب ولا نكتب؟

– ليس بعض الفقهاء ولكن جمهورهم كما سبق، وهذان الحديثان ليس فيهما ما ينفي الحساب الفلكي، بل العكس، فحديث صوموا لرؤيته غاية ما فيها هو بيان وسيلة معرفة دخول الشهر العربي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي الوسيلة الوحيدة بدليل الحديث الثاني وهو: إننا أمة أمية لا نحسب، فجعل علة الاعتماد على الرؤية البصرية هي عدم معرفة الحساب كون الأمة أمية، فعلق الرؤية على هذه العلة، ولكن اليوم زالت تلك العلة وأصبح الحساب منتشراً ودقيقاً، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فلا مانع إذاً من الاعتماد على الحساب الفلكي، لاسيما وقد دل عليه القرآن الكريم في أربع  آيات كريمات :

1-  فقال: ” الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ” (5) سورة الرحمن.

2- وقال: ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” (5) سورة يونس.

3-  وقال: ” وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)” سورة الإسراء.

4-  وقال: ” فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)” سورة الأنعام.

–  ما هي رسالتكم الأخيرة ؟

– رسالتي الأخيرة أنصح طلاب العلم بأن يدرسوا طرفاً من علم الفلك مما له تعلق بالأحكام الشرعية، وأنصح أبناءنا الذين لا يرغبون بالتخصص في علوم الشريعة، أن يتخصصوا في علم الفلك في أي قسم من أقسامه، فنحن المسلمين رواد هذا العلم وآباؤه وأجداده.