ثبت عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أنه قال : (لو لم تذنبون، لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيُغفر لهم). هل وجدت رحمة إلهية أعظم من هذه؟ إنه عليم بالنفس البشرية التي لم يعصمها من الخطأ والزلات يوم أن خلقها، فنحن لسنا كجنس الملائكة المعصومين، الذين لا يعصون الله ويفعلون ما يؤمرون. نحن خلقنا الله ومنحنا عقلاً نميز بين الخطأ والصواب، ومع ذلك تجد منا من يخطئ، والعبرة ليست بوقوع الخطأ، ولكن العودة سريعاً الى الله والتوبة والاستغفار، ولو تكرر الأمر مرات ومرات، وعدم اليأس والقنوط، فالله لا يحب اليائسين القانطين، بل يعتز بالتائبين المستغفرين..

 تلك مقدمة أشبه ما تكون بخلاصة لموضوع اليوم، فمن أراد ألا يكمل القراءة، يمكنه ذلك فرسالتي وصلت الى هنا، ومن أراد معرفة المزيد فإليكم بقية المقال، الذي يدور حول قصة امرأة تخطئ وتصيب، شأنها شأن أي إنسان، رجلاً كان أم امرأة.

 أخطأت في حق زوجها، وانتبهت واعترفت ووعدته ألا يتكرر الخطأ منها، وظلت مخلصة له ولبيتها وأبنائها. لكن الزوج، ثبّت الخطأ في ذهنه وسيطر على زوجته الى درجة الإذلال الكامل، مستعيناً بخطئها في كل مرة يريد أن يمرر قراراً له، بحيث تنحني وترضخ وتقبل ولا تناقش، وهي كانت كما أراد زوجها..

 الأمر لم يكن لأيام وأسابيع، بل ظل لأكثر من عشرة أعوام، وهي صابرة محتسبة، من أجل ألا يفرط زوجها ويغيب العقل في لحظة ما ويتخذ قراراً بهدم أسرته.. وظلت الزوجة تشعر “بعـقدة الذنب” هذه طوال تلك السنوات، فهي إن أرادت أمراً له مردود طيب عليها وأسرتها، لا تتخذ قراراً ولو كان صائباً مائة في المائة، بسبب عقدتها تلك، وأن زوجها لن يقبل لمجرد أن الأمر صادر منها.. وهكذا عاشت تعيسة لسنوات طوال..

 ليس منا من لا يخطئ، ولسنا أرحم ولا أكثر حكمة وأجلّ قدراً من رب العباد سبحانه.. فمن نحن حتى لا نرحم ونغفر ونتسامح مع بعضنا البعض؟ ما هذا الظلم الذي نرتكبه بحق بعضنا البعض، وما هذه القسوة التي نمارسها على بني البشر، وخاصة أقرب المقربين كالزوجة مثلاً أو حتى العكس؟

 في قصة المرأة، يتبين لنا أنها قامت بالصواب منذ البداية حين قررت الاعتراف بالذنب والتوبة وعدم العودة إليه.. وأصبحت امرأة صالحة مطيعة لزوجها حريصة على بيتها، وفي حالتها تلك، فإن استمرارها باستشعار عقدة الذنب في كل خطوة وكل أمر وكل لحظة، هو عائق كبير يمنعها من أن تواصل حياتها بشكل سليم. والحل الأمثل أن تتخلص من العقدة بان تستشعر أن هناك رباً يغفر الذنوب والزلات، وتتيقن تمام اليقين أنه يغفر الذنوب مهما عظمت لأنه لا شيء أعظم من العظيم سبحانه، الرحيم بعباده. هذه نقطة أولى.

 نقطة ثانية يجب اتباعها في حالات مثل حالة الزوجة مدار حديثنا اليوم، أن تجلس الى زوجها المعاند والمستمر في تذكيرها بذنبها في كل أمر، وتشرح له الوضع بكل وضوح، فإن ما كان مطلوب منها قامت به، فإن رضي واقتنع كان بها وإلا فالأمر سيكون مشكلته هو، الذي لا يريد أن يقتنع وأن يعدل عن رأيه، وليست مشكلة الزوجة كي تعيش أبد الدهر تعاني من تلك العقدة.. عليها أن تكون قوية في مجابهته، فهي في نهاية المطاف من البشر وليست من الملائكة.

 خطأ الزوجة في السنوات العشر هو رضوخها وسلبيتها بسبب عقدة الذنب، وهذا الرضوخ سببه عدم مسامحتها لنفسها وعدم الإيمان التام بأن غفار الذنوب في السماء وهو من يغفر ويعفو وليس أولئك المخلوقين من الطين.. وهذا لا يعني ختاماً، الموافقة على عملها منذ البداية الذي تسبب في عقدتها، ولكن خطأ ما صدر عنها ولا يمكن أن يكون أحد من البشر معصوماً عنه.. وكما ذكرنا سابقاً، ليست المشكلة في الوقوع في الخطأ، ولكن تكرارها وعدم التوبة والاستغفار واللجوء الى الله سريعاً لمنح النفس إيماناً وطاقة للتثبيت، في عالم أو حياة خلقنا الله لها لأجل الاختبار وتصنيف الناس وقت القرار الأخير يوم الدين..

 لنكن إذن متسامحين مع بعضنا البعض، متذكرين دوماً أن الله غفار رحيم عفو كريم، وما نحن إلا عباد له نستلهم من أسمائه وصفاته العلى، بعض ما يعين على التعامل مع بعضنا البعض. لنتسامح ونتصافى ونغض الطرف عن الزلات والعيوب، فالحياة أقصر من أن نقضيها في تتبع العثرات وتصيد الأخطاء والتذكير بالذنوب والخطايا، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة، وهل هناك ما هو أجمل من الستر يوم الدين؟ فاللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وشمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا..