تقع هذه الدراسة في نطاق الاقتصاد السياسي الدولي (IPE)، إذ تغطي ثلاثة موضوعات هي النفط أولا (بجوانبه الاقتصادية المختلفة من عرض وطلب واسعار وما يتداعى من هذه الابعاد من تأثيرات على السوق والناتج المحلي والاستهلاك والتنمية والنمو والتكنولوجيا والبيئة) والسياسة ثانيا( ويتمثل ذلك في التنافس الدولي ،المتغيرات الجيوسياسية، السياسات المحلية والاقليمية والدولية في قطاع الطاقة، السياسات الامنية(امن طرق الامداد ومناطق الانتاج النفطية)) والنطاق الدولي ثالثا(أي انها تغطي كافة مناطق العالم لان الدول اما منتجة للنفط او مستهلكة له مما يجعله عاملا مؤثرا على كل الدول وعلى البيئة العالمية من مناخ وتربة ومياه وانتاج زراعي…الخ).

 

وتنبع أهمية الدراسة من كونها تتناول واحدة من اهم المواد الخام في السوق الدولي وهو النفط، كما تكشف الدراسة عن صلة هذه المادة بأبعاد الحياة المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى المستويات المحلية والاقليمية والدولية، وتتميز بالربط العميق بين النفط وهذه الابعاد بشكل يكشف عن أن تاثيره أعمق كثيرا من الانطباع السائد لدى الجمهور وقطاع غير قليل من النخب،كما يكشف عن علاقته بالتطور التكنولوجي في مجالات الكهرباء والنقل بشكل خاص والتداعيات المرتبطة بهذا التطور، ولعل هذا الجانب يكتسب اهميته من زاوية محددة وهي عمق الربط والتحليل لعلاقات النفط بالابعاد السياسية والاقتصادية والتقنية ، وقد تبدو هذه المسالة بانها معروفة ومتداولة ، وهو امر صحيح ، لكن تغيب عن هذه المعطيات المتداولة تفاصيل علمية ومعطيات في غاية الاهمية وردت في هذه الدراسة ولا يتنبه لها القارئ العادي او حتى نسبة من النخبة مثل:

أ‌- التأثير المتبادل بين قطاعات النقل(البري والبحري والنهري والجوي) على بعضها من ناحية ثم تأثيرها مجتمعة على السياسات الانتاجية النفطية من ناحية ثانية، وكيف انعكس ذلك على ادبيات الدراسات الطاقوية بتغليب او سيادة نظريات على حساب غيرها.(انظر الفصل الثالث عشر والفصل الخامس عشر)

ب‌- الكشف عن النتائج السياسية والاقتصادية للتنافس بين الشركات الكبرى(مثل الاخوات السبع) وبين الشركات الوطنية وتأثير ذلك على الاسعار والانتاج.

ت‌- التنبيه لتاثير انشاء وكالة الطاقة المتجددة في ابوظبي عام 2011 وانعكاسات ذلك .

ث‌-تفسير التضارب في التوقعات للأسعار والانتاج والاحتياطيات النفطية رغم الاستناد في كل توقع لمؤشرات كمية، وهو ما تكشفه الدراسة في تضارب أغلب تنبؤات وكالة الطاقة الدولية والأوبك وغيرهما( وترد هذه التوقعات في مواضع عديدة من الدراسة لا سيما في الفصول من 9-12).

وتقدم الدراسة فيضا من المؤشرات الكمية (42 جدولا في المتن وفي الملاحق) وتبني عليها مختلف التحليلات، ثم تربط هذه المؤشرات الكمية بسياسات محلية(كل دولة) واقليمية(مناطق معينة مع التركيز على المنطقة العربية) ودولية(المستوى العالمي) دون اغفال دور افراد من النخبة العلمية او الاقتصادية او السياسية في التأثير على الصناعة النفطية بشكل مباشر او غير مباشر(عشر شخصيات من صفحة 415-450). ورغم ان العديد من جوانب الدراسة تمت دراستها من العديد من الباحثين العرب(ناهيك عن الاجانب).

الا ان الباحث قدم تحليلا عالي المستوى واصيل في بعض الجوانب مثل: مناقشته للمراحل الست لتطور منظمة الاوبك وربط هذه المراحل بنظريات ثلاث(الكارتل والاحتكار والمنافسة)(صفحة 270-298) ليؤسس على ذلك توقعاته المستقبلية لمنظمة الاوبك والتي ترد في نهاية الدراسة ، كما ان مناقشته لثلاث نظريات ضرورية للدراسات المستقبلية في قطاع النفط، وهي نظرية “ذروة الانتاج” ونظرية الموارد الناضبة ” ثم ما اعتبرها الباحث مقولة وليست نظرية الخاصة ب ” ذروة الطلب” (483-498).

تضم الدراسة 672 صفحة، منها 613 صفحة تمثل المتن،والباقي ملاحق وجداول وقوائم المراجع العربية والاجنبية،وتم تقسيم الدراسة الى 3 أجزاء اشتملت على 16 فصلا وخلاصة، يغطي الفصل الاول الجانب التاريخي في الصناعة النفطية وأنواعه وتركيبه واستخراجه، ثم ينتقل في الفصل الثاني الى التركيز على موضوع الاحتياطيات النفطية باشكالها الثلاثة( المؤكد والممكن والمحتمل) ومحاولة تفسير اسباب التباين في تقدير هذه الاحتياطيات، كما يدرس البنية الصناعية المرتبطة بالنفط بمراحلها الثلاث وهي الانتاج ، التكرير والتسويق، وثالثا النقل بينما يركز الكاتب على توضيح الفرق بين النفط التقليدي وغير التقليدي وتباين الاحصاءات لكل منها، وينتقل في الفصل الثالث الى موضوع الغاز واسباب زيادة الاعتماد عليه ، كما يحاول تفسير اسباب التباين في تحليل اسعار الغاز بين البائعين والمشترين، ثم يتعرض لواقع الغاز في الدول العربية والعوامل التي تؤثر على استكشافه وانتاجه، وينتقل الباحث في فصله الرابع الى علاقة النفط بالطاقة والبيئة، فيعرض مصادر الطاقة المختلفة والتحول عن الفحم ثم مناقشة ما يسمى كفاءة الطاقة (العلاقة بين استهلاك الطاقة وحجم الناتج المحلي) ثم تحليل وتتبع سياسات الدول الصناعية لتخفيض اعتمادها على النفط، ويربط بعد ذلك موضوع النفط بظهور مفهوم التنمية المستدامة من خلال المتغير البيئي والتغير المناخي مما دفع لسلسلة من الاتفاقيات الدولية التي كانت موضع خلاف دولي.

وينتقل الباحث لموضوع امن الطاقة في الفصل الخامس بدءا من مرحلة التنافس للحصول على امتيازات التنقيب وصولا لبحث امن امدادات النفط وطرق نقله لا سيما بعد تنامي متغير المطالبة بالسيادة من قبل الدول النامية،وهو ما انتهى الى ظهور فكرة المخزون الاستراتيجي النفطي، ويجعل الباحث الشرق الاوسط محور فصله السادس، حيث يركز على زيادة اهمية المنطقة بسبب النفط ثم يستعرض الملابسات السياسية والاقتصادية التي رافقت الشرق الاوسط منذ ظهور النفط، بعد ذلك يبدأ الباحث في دراسة تطور هيكل السوق النفطي بدءا من مرحلة الاحتكار(شركة ستاندرداويل) ثم ظهور الاخوات السبع فالشركات الوطنية وسياسات التأميم، وظهور الولايات المتحدة كعامل مركزي في كل ذلك شارحا اسباب ذلك، يناقش في فصله الثامن فكرة العلاقة بين استقرار السوق النفطي ووجود قوة مركزية ليمهد لتتبع نشأة منظمة الاوبك ووكالة الطاقة الدولية، مناقشا النماذج الثلاث لتفسير سلوك الأوبك ويربطها بمراحل نشوء الاوبك الست. في الفصل التاسع يناقش محددات الاسعار مع التمييز بين ثلاثة اشكال من الاسواق النفطية وهي الفورية والآجلة والمستقبلية وعلاقة وتاثير الاوبك في كل ذلك وكيف يتم تحديد السعر في كل نمط من انماط السوق.

ويخصص الفصل العاشر لمناقشة الشفافية والكفاءة والحوكمة في الشركات النفطية الوطنية مستندا لمؤشرات كمية مع ايلاء الخلافات احيانا بين الشركات الوطنية وحكوماتها بعض الاهتمام، وفي الفصل الحادي عشر يتناول مساهمات عشر شخصيات(بينها شخصيات عربية) في قطاع النفط( صناعة او تنظيم او غيرها)، بينما كرس الفصل الثاني عشر لتوقعات سوق النفط (القصير والمتوسط والطويل) ويعرض السيناريوهات البديلة مبينا العوامل التي تؤثر في تحديد كل سيناريو محذرا من الاعتماد على هذه السيناريوهات بشكل كبير،وينتقل بعد ذلك في الفصل الثالث عشر لمناقشة 3 نظريات تتعلق بالسوق النفطي وهي نظرية ذروة الانتاج و الموارد الناضبة وذروة الطلب لينتقل لمناقشة “مكافحة فقر الطاقة” في الدول النامية والذي يقاس بمعدل الفرد من استهلاك الطاقة ، مشيرا في خاتمة الفصل الى ان النفط لم يعد محددا هاما للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط(صفحة 506) كما ان القول بانتهاء عصر النفط هو قول متسرع.

في الفصل الرابع عشر يناقش موضوع مصادر الطاقة المتجددة معددا هذه المصادر ومبينا التفاوت بينها في القدرة التنافسية مع النفط او فيما بينها ،مشيرا لتاسيس وكالة الطاقة المتجددة ، ويدرس في الفصل الخامس عشر قطاع النقل “الاكثر استهلاكا للنفط” مقارنا بين فروعه، لينتهي في الفصل الاخير الى تقييم كفاءة سوق النفط من خلال مناقشة العوامل المؤثرة عليه مرجحا استمرار الاوبك، وتزايد اهمية قارة آسيا،ويخلص الى تراجع نمو الطلب عليه حتى عام 2040 وان قطاع النقل سيكون الأكثر اهمية في تحديد مستقبل النفط الى جانب توقعه بأن الشركات الوطنية ستزيد استثمارتها في القطاع النفطي لكن ذلك لا ينفي تقلص نصيبه في السوق

اعتمد الباحث في فصوله الاولى على المنهج الوصفي والتاريخي(الفصول 1و2و3 وكذلك في الفصل 11)، بينما غلب على الفصول الأخرى طابع التحليل المستند في اغلب الاحيان على مؤشرات كمية وهو ما يتضح في وجود 42 جدولا في المتن والملاحق،كما اعتمد الباحث على منهج المقارنة من خلال المقارنة الزمانية(بين فترة وأخرى) والمكانية( بين اقاليم او دول ) والقطاعية( بين القطاعات مثل النفط ومصادر الطاقة الاخرى او بين الشركات الوطنية والشركات الكبرى الدولية او داخل نفس القطاع مثل مقارنة النقل البري بغيره من وسائل النقل الاخرى) او المقارنة الفكرية بين النظريات (كما فعل مع نظريات الانتاج او المقارنة بين نماذج المحاكاة الذي تتبناه وكالة الطاقة وبين نموذج الاوبك أو اسس القياس في بناء السيناريوهات الخاصة بالطاقة بشكل عام او النفط بشكل خاص)، وفي تقديري ان هذا المنهج التكاملي ساهم في اثراء الدراسة وفي تقديم الموضوع بشكل علمي رصين.

لكني لاحظت في الفصل السادس عشر –الفصل الاخير- بأنه لا يضيف جديدا للدراسة ،إذ ان اغلب ما ورد فيه تكرار لما ورد في الفصول السابقة عليه، وعليه كان من الاجدى حذفه او دمج بعض ما جاء فيه(غير المكرر في فصول اخرى ذات صلة).

ملاحظتي الثانية ان الدراسة تغطي –كما اشرت سابقا- ابعادا ثلاثة في الموضوع النفطي وهي الابعاد التقنية والاقتصادية والسياسية، وقد طغى الجانبان الأول والثاني على الدراسة على حساب الجانب السياسي الذي كان تناوله متناثرا بعض الشيء وقليلا وبقدر من العمق أقل من البعدين الآخرين دون نفي انه لامس جوانب هامة في هذا البعد(مكانة الشرق الاوسط للولايات المتحدة، عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول،).

من جانب آخر، بدا لي ان الباحث اقل حضورا في التنبؤات او التوقعات الخاصة بابعاد النفط المختلفة، فكان يميل في الغالب للادبيات الاكثر رواجا( السرديات السائدة)، وهو ما كان واضحا في خلاصاته من صفحة 595—613 وفي الفصل الثاني عشر (صفحة 474-479)، رغم ان المؤشرات الكمية والكيفية الواردة في الدراسة تؤهله لبناء سيناريوات بديلة اخرى في بعض ابعاد الموضوع السياسية والاقتصادية والتقنية.

غير ان الضروري تقتضي التنويه بالجهد الكبير في جمع المعلومات وترتيبها وتحليلها والربط بين المتغيرات المختلفة بشكل يكشف عن ادراك عميق لموضوع النفط، وهو ما يجعل الدراسة مرجعا هاما لمن يريد فهم ملابسات هذا القطاع الاستراتيجي.