حتى تتمكن النساء والفتيات من المشاركة الكاملة في مجالات العلوم مشاركة متكافئة مع الرجل، كان لا بد من تحقيق أكبر للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من هذا الميدان الواسع والمهم، لذا أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة 11 فبراير باعتباره اليوم العالمي للمرأة والفتاة في العلوم.

وفي 22 ديسمبر 2015، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا عيّنت بموجبه يوم 11 فبراير من كل عام بوصفه اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم. وذلك للترحيب بالجهود المبذولة من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (هيئة الأمم المتحدة للمرأة) والاتحاد الدولي للاتصالات والمنظمات الأخرى ذات الصلة التي تدعم وتشجع وصول النساء والفتيات ومشاركتهن في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة وتعليم الرياضيات، وأنشطة التدريب والبحث على جميع المستويات.

العلوم بين النساء والرجال

يعد العلم والمساواة بين الجنسين من بين العوامل الأساسية في تحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة بحلول 2030، وهي الأهداف التي اعتمدها زعماء العالم في عام 2015. وعلى مدى العقود الماضية، عمل المجتمع الدولي متفانيا على إشراك المرأة والفتاة في مجال العلوم. لكن مع الأسف، لم تزل المرأة والفتاة تستبعدان من المشاركة الكاملة في ذلك المجال.

تظل الفجوة بين الجنسين مستمرة مع مرور السنين بشكل بارز في جميع مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة وتخصصات الرياضيات في كل أنحاء العالم. ورغم أن المرأة أحرزت تقدما هائلا للرفع من مشاركتها في التعليم العالي، إلا أنها ما زالت غير ممثلة بشكل كاف في هذه المجالات. ولم تزل المساواة بين الجنسين القضية الجوهرية التي تُعنى بها الأمم المتحدة. ذلك أن المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة سيسهمان إسهاما مهما في التنمية الاقتصادية العالمية وإحراز تقدم في جميع الأهداف العالمية (أهداف التنمية المستدامة)، التي يُرمى إلى تحقيقها بحلول العام 2030.

وبالإضافة إلى اليوم الدولي للمرأة والفتاة في العلوم، في 14 مارس 2011، اعتمدت لجنة وضع المرأة (أصبحت الآن تعرف بهيئة الأمم المتحدة للمرأة) في دورتها الـ55 تقريرا اشتمل على استنتاجات متفق عليها بشأن تمكين المرأة والفتاة من الحصول على التعليم والتدريب والعلم والتكنولوجيا، فضلا عن تعزيز حق المرأة في العمل والعمل اللائق. وفي 20 ديسمبر 2013، اعتمدت الجمعية العامة قرارا بشأن العمل والتكنولوجيا والابتكار من أجل التنمية. وأقرت الجمعية العامة في ذلك القرار بأن تمكين المرأة والفتاة (في كل الفئات العمرية) من الحصول على التعليم والتدريب والتكنولوجيا هو ضرورة لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والفتاة.

القرن 13..إقصاء النساء من العلم

منذ العصور القديمة قدمت المرأة اسمهامات كبيرة وتضحيات بارزة في مجال العلوم. فمنذ ظهور الديانات قبل 12 ألف عام وحتى القرن الثالث عشر، أدت النساء دورا أساسيا في العلم والتعليم وغالبا ما تبوأن مراكز حساسة ساهمن من خلالها في التأثير في محيطهن. لكن، ابتداء من القرن الثالث عشر، تغيرت المعادلة، وبدا الرجال حريصين على إخراج النساء من العلم والتاريخ.

مع دخول القرن الحادي عشر، نشأت أولى الجامعات. استُبعدت النساء، في أغلب الأحوال، من التعليم الجامعي. مع ذلك، كانت هناك بعض الاستثناءات. سمحت جامعة بولونيا الإيطالية، على سبيل المثال، للنساء بحضور المحاضرات منذ إنشائها في عام 1088. وهكذا، أقصيت المرأة بشكل كبير من الجامعات الأولى والتي بدأت بالظهور في القرن الحادي عشر، إلا أنّ موقف المجتمع الإيطالي تجاه تعليم النساء في المجالات الطبية يبدو أخفّ وطأة من الدول الأخرى، إذ كانت العالمة الإيطالية لورا باسي أول امرأة تحصل على منصب علمي في الجامعة.

مساهمات عظيمة في المجالات العلمية

للمرأة مساهمات عظيمة في مختلف المجالات العلمية ومنذ العصور الأولى، وقد أشار علماء التاريخ المهتمّون أنواع الأجناس والعلوم إلى الإنجازات التي حققتها المرأة في المجالات العلمية المختلفة، والعوائق التي واجهتها، والاستراتيجيات التي اتبعتها لتنال أعمالها القبول في المجلات والمنشورات العلمية المعتبرة. وقد أصبحت الدراسات التاريخية والنقدية والاجتماعية حول هذا الموضوع فرعًا أكاديميًا قائمًا بذاته.

شاركت المرأة في المجال الطبي في العديد من الحضارات القديمة، وكانت دراسة الفلسفة الطبيعية متاحة للمرأة الإغريقية، وساهمت المرأة كذلك في العلوم المبتدئة للكيمياء في القرن الأول والثاني بعد الميلاد. وفي العصور الوسطى كانت الأديرة من الأماكن المهمّة التي حصلت المرأة فيها على التعليم، وقد منحت بعض المجتمعات في تلك العصور المرأة فرصة المساهمة في الأبحاث العلمية.

على الرغم من أدوار كلا الجنسين قد تم تحديدها بشكل كبير في القرن الثامن عشر، إلى أن المرأة أحرزت تقدّمًا كبيرًا في المجال العلمي، وخلال القرن التاسع عشر، أقصيت المرأة من معظم النشاطات العلمية الرسمية، ولكنّها بدأ الاعتراف بوجودها ينمو في المجتمعات المتعلّمة في هذه الفترة. وفي نهاية القرن التاسع عشر أدّى ظهور الكليات والجامعات النسائية إلى توفير فرص عمل للعديد من العالمات، إضافة إلى حصول المرأة على التعليم.

من المصرية مريت بتاح إلى الفرنسية ماري كوري

عندما نتحدث عن التاريخ القديم، نجد أن مشاركة المرأة في ميدان الطب سُجلت في العديد من الحضارات المبكرة. حيث تُعد مريت بتاح (نحو 2700 قبل الميلاد)، المصرية القديمة التي وصِفت في أحد النقوش بأنها «كبيرة الأطباء»، أقدم عالمة معروفة في تاريخ العلم. أشار هوميروس إلى أغاميد، بصفتها معالجة ومداوية في اليونان القديمة قبل حصار طروادة (نحو 1194-1184 قبل الميلاد). كانت أغنوديس أول طبيبة تمارس الطب على نحو قانوني في القرن الرابع قبل الميلاد في أثينا.

وكانت دراسة الفلسفة الطبيعية متاحة للنساء في اليونان القديمة. تشمل الأمثلة المسجلة، أغلاونيكي، التي تنبّأت بالكسوف، وثيانو، الطبيبة وعالمة الرياضيات، إحدى تلميذات فيثاغورس (التي قد تكون زوجته أيضا)، ومن طالبات إحدى المدارس التي أسسها في كروتوني، والتي ضمّت العديد من النساء الأخريات.

خلال فترة الحضارة البابلية، نحو 1200 قبل الميلاد، تمكنت امرأتين تعملان في صناعة العطور، هما تابوتي-بيلاتكاليم و-نينو (فُقد النصف الأول من اسمها)، من الحصول على العطر من النباتات باستخدام إجراءات الاستخلاص والتقطير. إذا كان لنا أن نقول بأن الكيمياء هي استخدام المعدات والعمليات الكيميائية، فإنه يمكننا وصف هاتين المرأتين باعتبارهما أول عالمتان كيمياء في التاريخ.

من جهة أخرى، كانت ماري كوري أول امرأة تحصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1903، وحصلت بعد ذلك مرة أخرى على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1911 وكانت الجائزتان لقاء عملها على في مجال النشاط الإشعاعي. وقد حصلت 40 امرأة على جائزة نوبل في الفترة الممتدة بين عامي 1901 و 2010 في الفيزياء والكيمياء والطب.

41 فائزة بجائزة نوبل

منحت جائزة نوبل وجائزة نوبل للعلوم الاقتصادية للنساء 41 مرة في الفترة الممتدة بين العامين 1901 و2010، وماري كوري هي المرأة الوحيدة التي حصلت على هذه الجائزة مرتين، الأولى في الفيزياء سنة 1903 والثانية في الكيمياء سنة 1911. وهذا يعني أن 40 امرأة حصلت على جائزة نوبل بين 1901 و 2010، 16 منهنّ حصلن على جائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب.

الفيزياء

1963 – ماريا غوبرت-ماير

1903 – ماري كوري

الكيمياء

2009 – عادا يونات

1964 – دوروثي هودجكن

1935 – إيرين جوليو-كوري

1911 – ماري كوري

الطب

2015 – تو يويو

2014 – ماي بريت موزر

2009 – إليزابيث بلاكبيرن

2009 – كارول غريدر

2008 – فرانسواز باري سينوسي

2004 – ليندا باك

1995 – كرستيانه نوسلاين فولهارد

1988 – جرترود إليون

1986 – ريتا ليفي مونتالشيني

1983 – باربرا مكلنتوك

1977 – روزالين يالو

1947 – جرتي كوري

ميدالية فيلدز

مريم ميرزاخاني (12 أيار 1977 – 14 تموز 2017)، هي المرأة الوحيدة التي حصلت على هذه الجائزة حتى الآن، وهي عالمة رياضيات إيرانية وأستاذة الرياضيات في جامعة ستانفورد.

العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات..هيمنة ذكورية

وعلى الرغم من بعض النجاحات التي بلغتها المرأة، لاحظ العديد من الباحثين وصانعي السياسات أن مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات (STEM) لطالما هيمن عليها الرجال، في حين ظلت مشاركة النساء ضعيفة تاريخيًا منذ نشأة تلك العلوم خلال عصر التنوير.ولا يزال الباحثون يستكشفون الأسباب المختلفة لاستمرار وجود هذا التفاوت بين الجنسين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ويعمل البعض على معالجة هذه الفوارق باعتبارها ناجمة عن القوى التمييزية داخل تلك المجالات (والتي تعتبر وظائف رفيعة المستوى ذات أجور جيدة). ويرى بعض المناصرين أن التنوع هو مصلحة إنسانية متأصلة. ويريدون زيادته باعتباره غاية في حد ذاته، بغض النظر عن أصله التاريخي أو سببه الحالي.

عالميا.. 28% فقط من النساء يشتغلن في البحث العلمي

وعلى خلاف ما يمكن أن تذهب إليه الأحكام المتسرعة من أن المرأة لا مكان لها في العلوم نتيجة لتمتع الرجال بقدرات ذهنية أفضل من النساء، فإن هذه الأرقام تؤشر لغياب المرأة عن مجال البحث العلمي وهو ما تؤكدهُ نسبة النساء اللاتي يشتغلن في البحث العلمي والتي لا تتجاوز 28 بالمائة على المستوى العالمي.

مع الملاحظة أن هذه النسبة في البلدان المتقدمة لا تختلف كثيراً عن المعدل العالمي، إذ تبلغ في أوروبا وأمريكا الشمالية 32 بالمائة بينما تصل إلى37 بالمائة في الدول العربية. وتبين دراسة إحصائية أصدرتها اليونسكو سنة 2014 أن النساء الباحثات لا يمثلن الأغلبية إلا في 14 بلداً من مجموع 127 بلداً شملتها الدراسة ولا يوجد توازن مع الباحثين الذكور (بين 45 و55 بالمائة من النساء) سوى في بلد واحد من بين كل خمسة بلدان، ولا تفوق نسبتهن في نصف بلدان العالم 30 بالمائة. وخلصت دراسات أخرى إلى نتائج مشابهة حول تعيين النساء على رأس المؤسسات العلمية الذي تبين أنه لا يتجاوز 6 بالمائة في اليابان و17 بالمائة في الصين و26 بالمائة في الولايات المتحدة و27 بالمائة في بريطانيا و28 بالمائة في فرنسا.

وتؤكد الدراسات أن مسافة التباعد بين المرأة والمجالات العلمية تزداد تدريجيا بداية من المرحلة الجامعية الأولى ليتقلص حضور العنصر النسائي إلى أدناه بين الرتب العليا للتعليم العالي والبحث العلمي ومناصب الإشراف على فرق البحث أو المؤسسات العلمية.