ذكر القرآن الكريم قصة الفتية الذين آووا إلى الكهف هاربين بدينهم وعقيدتهم من وطأة الطغاة وعذابهم، وتحصنوا في الغار مختفين متوارين من أنظار قومهم، ووقعت قصة هذه الفتية في آيات كريمة من بدايات سورة الكهف، يقول الله تعالى: ﴿‌أَمْ ‌حَسِبْتَ ‌أَنَّ ‌أَصْحَابَ ‌الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا…﴾ [الكهف: 9 – 26]، وحكاية هذه القصة العجيبة المثيرة للدهشة في هذا الموضع فقط من القرآن الكريم، ومن المعلوم أن الله لا يعرض علينا أمرا أو نهيا أو قصة إلا ليكون عبرة للمعتبرين، وعظة للمبصرين، وآية تثبيت للمؤمنين، يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ‌عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف: 111]، وجاءت تسمية سورة الكهف لبيان قصة أصحاب الكهف العجيبة الغريبة فيها، مما هو دليل حاسم ملموس على قدرة الله الباهرة، ويسلط المقال هنا الضوء على أهم الفوائد العقدية من القصة.

اشتملت سورة الكهف على ثلاث قصص من روائع قصص القرآن الكريم هي قصة أصحاب الكهف، وقصة موسى مع الخضر، وقصة ذي القرنين، والتي تبرهن على عظمة الخالق في الأمر والكون والرزق والحياة.

جاء في التفسير المنير: أما قصة أصحاب الكهف فهي مثل عال، ورمز سام للتضحية بالوطن والأهل والأقارب والأصدقاء والأموال في سبيل العقيدة، فقد فرّ هؤلاء الشباب الفتية المؤمنون بدينهم من بطش الملك الوثني، واحتموا في غار في الجبل، فأنامهم الله ثلاث مائة وتسع سنين قمرية، ثم بعثهم ليقيم دليلا حسيا للناس على قدرته على البعث.

1- قدرة الله تعالى على الإحياء والإماتة ودلالتها على التوحيد، فإن من دلائل الاعتراف بتوحيد الله قدرته الكاملة والمطلقة على جميع الموجودات، فلا شيء يخرج عن قدرته وعلمه وإدراكه. فقد جاء ما يدل على هذه القدرة في قصة أصحاب الكهف، بصورة تدهش الناظر، حيث بعث الله هؤلاء الفتية بعد سنين من الإماتة ليدحض دعوى قدرة الله على الإحياء بعد الإماتة، وأطلق الله على هذه القصة آية عجيبة، قال الله تعالى: ﴿‌أَمْ ‌حَسِبْتَ ‌أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ [الكهف: 9].

استعمل القرآن (أم) للإضراب الانتقالي من غرض إلى غرض. ولما كان هذا من المقاصد التي أنزلت السورة لبيانها لم يكن هذا الانتقال اقتضابا بل هو كالانتقال من الديباجة والمقدمة إلى المقصود.

على أن مناسبة الانتقال إليه تتصل بقوله تعالى: ﴿فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا﴾ [الكهف: 6] ، إذ كان مما صرف المشركين عن الإيمان إحالتهم الإحياء بعد الموت، فكان ذكر أهل الكهف وبعثهم بعد خمودهم سنين طويلة مثالا لإمكان البعث. [التحرير والتنوير لابن عاشور].

فالآية اعتبرت قصة إقامة أصحاب الكهف من الرقاد الطويل، رغم دلالتها على قدرة الله تعالى على إحياء الأموات وبعثها يوم القيامة للحساب، أقل عجبا بين الآيات العجاب من قدرات الله تعالى على الكون، ومنها آية خلق السماوات والأرض وهي أكثر روعة وعجبا، وكذا الحادثة الكبرى التي تنتظر الكفار الذين ينكرون يوم البعث للجزاء، وفي ذلك إيقاظ الغافلين عن قدرة الله العظيمة في هذا الكون.

عقد ابن عاشور وجه المقارنة بين معجزة أصحاب الكهف والقيامة الكبرى، يقول: “أحسبت أن أصحاب الكهف كانوا عجبا من بين آياتنا، أي أعجب من بقية آياتنا، فإن إماتة الأحياء بعد حياتهم أعظم من عجب إنامة أهل الكهف. لأن في إنامتهم إبقاء للحياة في أجسامهم وليس في إماتة الأحياء إبقاء لشيء من الحياة فيهم على كثرتهم وانتشارهم”.

2 –  حماية الدين والاعتقاد الصحيح، وعدم التعرض للفتن التي تهز الكيان، وتدب الخوف والشك  في أصول الإيمان، فقد دلت الآيات البينات أن أصحاب الكهف فروا بدينهم وهاجروا أهلهم وديارهم من أجل الحفاظ على الدين والبقاء على التوحيد الخالص، يقول الله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف: 13].

جاء في التفسير المنير: “كان إيواء الفتية المؤمنين إلى الكهف من أبناء أشراف مدينة «دقيانوس» الملك الكافر فرارا بدينهم من فتنة الكافرين عبدة الأصنام. وهذا دليل صريح في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال، خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة. وقد خرج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فارّا بدينه، وكذلك أصحابه، كما نص الله تعالى في سورة براءة. إنهم هجروا أوطانهم، وتركوا أرضهم وديارهم وأهاليهم وأولادهم وقراباتهم وإخوانهم، رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين”. [15/231].

3- إثبات التوجه إلى الله تعالى بالدعاء في جميع الأمور، لا سيما الأمور العظام، لأن الله هو القادر القيم على كل شيء، والتوجه الصادق بالدعاء إلى الله يعطي الدلالة الكبيرة على اليقين والتوكل الحقيقي من الإنسان الضعيف، والرغبة الشديدة منه لما عند الله، وفي ذلك إثبات توحيد الألوهية التي من أجلها خلق الإنسان، ويحقق المقاصد الغائية من الخلق، وهي عبادة الله ووتحقيق توحيد القصد والطلب.

وإن أصحاب الكهف تضرعوا في ظرف صعب، وسألوا الله النجاة من الفتن الحالة بهم، وبادروا إلى الابتهال بعد  الإيواء إلى الكهف، يقول الله تعالى: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [الكهف: 10].

جاء في التحرير: ودعوا الله أن يؤتيهم رحمة من لدنه، وذلك جامع لخير الدنيا والآخرة، أي أن يمن عليهم برحمة عظيمة تناسب عنايته باتباع الدين الذي أمر به .. ثم سألوا الله أن يقدر لهم أحوالا تكون عاقبتها حصول ما خولهم من الثبات على الدين الحق والنجاة من مناوأة المشركين. فعبر عن ذلك التقدير بالتهيئة التي هي إعداد أسباب حصول الشيء.

وقد استجاب الله دعوتهم وحقق لهم مرادهم، وهيأ لهم من الأحوال الطيبة المحققة للخير والصلاح، ومن ذلك:

– صرف أعدائهم عن تتبعهم

– وألهمهم موضع الكهف

– ووضع الكهف على جهة صالحة ببقاء أجسامهم سليمة.

– وأنام أصحاب الكهف نوما طويلا ليمضي عليهم الزمن الذي تتغير فيه أحوال المدينة

– وحصل رشدهم (الخير والصلاح) إذ ثبتوا على الدين الحق وشاهدوه منصورا متبعا

– وجعلهم الله آية للناس على صدق الدين وعلى قدرة الله وعلى البعث.