على الأسرة عدة مسؤوليات ترمي في النهاية لتكوين الفرد الصالح القادر على نفع نفسه وأمته ومن هذه المسؤوليات: تكوين الفرد الذي يملك الرشد في تصرفاته ومنها التصرفات المالية.

وتبدو الحاجة ماسة لهذا الفرد القادر على الاستغلال الأمثل لما بيده من مال وتكوين قدر من المال يتمكن به من تلبية حاجاته الأساسية، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم من بطالة وركود وكساد وفي الوقت الذي ترتفع فيه أصوات الكثيرين في العالم العربي والإسلامي صارخة من أنين الغلاء الذي أصاب الغذاء والكساء والدواء ورغم ارتفاع المداخيل في بعض الدول إلا أنك تجد الصراخ فيها يتعالى وربما يعادل الدول الفقيرة أو يزيد.

ولعل من الضروري أن نكوّن فكرة صحيحة قابلة للتطبيق تمكننا من التعامل مع الكسب والانفاق وتُرشِّد من هدرنا لما تحت أيدينا من مال وترفع من مدخولاتنا:

1- في القرآن الكريم ارتباط بين تمليك المال والرشد في التعامل معه {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم} [النساء: 6] (اختبروا من ليس منهم بيِّن السَّفَهِ قبل البلوغِ بتتبُّع أحوالِهم في صلاح الدينِ والاهتداءِ إلى ضبط المالِ وحسنِ التصرفِ فيه ، وجرِّبوهم بما يليق بحالهم فإن كانوا من أهل التجارةِ فبأن تعطوهم من المال ما يتصرفون فيه بيعاً وشراءً وإن كانوا ممن له ضِياعٌ وأهلٌ وخدَمٌ فبأن تعطوهم منه ما يصرفونه إلى نفقة عبيدِهم وخدمِهم وأُجَرائِهم وسائرِ مصارفِهم حتى تتبين لكم كيفيةُ أحوالِهم)[1]

وتنهى عن إعطاء المال لمن لا يتحلون بالرشد {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] والسفهاء هنا هم الذين لا يستطيعون التصرف بحكمة مع ما أعطاهم الله من مال.

2- يحدد الإسلام العلاقة بين الإنسان والموارد الطبيعية على أنها علاقة تسخير تُمكِّن الانسان من الاستفادة من خيرات البر والبحر وما في باطنهما من كنوز.

3- حتى يستريح الانسان من ذل العبودية لغير الله جعل الإسلام الرزق بيد الله تعالى وحده لا شريك له {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} [العنكبوت: 17] وفي الاعتقاد بأن الرزق عند الله تمام الراحة وفي انصراف الذهن إلى أن الرزق بيد أحد من الخلق منتهى البوار لأن هذا الذي تظن أن بيده شيء – إن تسرب إليه هذا الشعور وسيتسرب – سيعمل على الضغط عليك بكل ما أمكنه مما يترتب عليه آلام نفسية تتسبب في أمراض جسمية وما مرض الضغط والسكر والاكتئاب- في بعض أحوالهم – إلا نتيجة لضغوط لم يستطع المريض مقاومتها وإذا أصيب الإنسان بهذه الأمراض انخفضت طاقته الانتاجية وكفاءته في أداء العمل لذا فإن تحرير العامل من رق رب العمل من أعظم الأمور التي تؤدي إلى زيادة الانتاج عندما يقوم العامل بحق الحرية.

4- التعلق بالمال إذا فاق الحد يقلب المال من وسيلة إلى إله يتحكم في تصرفات الفرد، وإذا تحرر المسلم من عبودية المال وعلم أن الرزق – مالا كان أو غيره – عند الله عاش حياته مرفوع الرأس موفور الكرامة لا يذل لغير الله يوقن أنه لن يقرب من الرزق بالاحتيال أو بالقوة أو بالرشوة أو بالعلم وإن الله حكم أن كل مال يأتي من غير الحلال صاحبه محروم من الاستمتاع به ويبقى وبال السؤال عن كسبه وإنفاقه.

5- دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بالبركة في البكور فقال:  النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِى فِى بُكُورِهَا »[ سنن أبي داود]. هل يمكن أن نفهم من البكور السعي أول النهار وأن يكون المسلم أول الساعين وأول الطارقين لأبواب في الرزق لم يطرقها غيرهم في ألوان من التجارة والصناعة والزراعة ولكل جديد هيبته التي تمنع من المغامرة برأس المال الجبان بطبعه.

6- الفرق بين الطُموح والجشع أن الطموح دائما يدفع إلى السعي والبناء على ما تم إنجازه والاستفادة من التجارب الناجحة والتعلم من الأخطاء وممارسة النقد الإيجابي لمسيرة العامل والعمل وعدم حسد الآخرين على ما حققوه من إنجازات الجشع يرغب صاحبه في الوصول إلى نتائج سريعة غير مبنية على أسس سليمة فينهار بناؤه ودائما ما ينطبق عليه المثل:” ما يأتي بسرعة يذهب بسرعة”  الشخص الجشع لا يريد أن يقوم بعمل ولا يثابر للوصول إلى هدفه.

7- اكبر بأموالك: الجشع يدعو صاحبه إلى الاقتراض أملا في تحقيق طفرة تقصر المسافات ويفاجئ الجشع بأنه عبد لمن اقترض منه يعمل ويكدح في سبيل سداد قسط القرض حتى تنقضي سنوات من عمره كان بإمكانه  أن يكون دخله كله له.

8- جبل الجليد: دائما الجشع يبحث عن فرصة سريعة للنجاح ويجد هذا الذي ابتلي بالطمع من يداعب أحلامه ويغازل خياله ويصور له الأمور على ما يحب ويهوى بل وفوق ما يحب ويهوى حتى يوقعه في شباكه ويأخذ ما ادخره وما اقترضه ثم يصحو الجشع وقد وجد نفسه فقد ما عانى من أجل جمعه أيام وأعوام.

9- لا تنظر إلى الدنيا بربع عين وتحبس نفسك في تجارب فاشلة وباب واحد من أبواب العمل فرحمة الله واسعة وإذا لم  توفق في عمل فهناك الكثير غيره وإذا قابلك خائن او كذاب وعدك ومنّاك ثم أخلف وعده فهناك أهل الصدق والأمانة – ولعظيم أثرهم في تنمية الثروات – ينبغي بذل الجهد في سبيل التعرف عليهم.

10- كما أن الرشد مطلوب في الانفاق هو كذلك مطلوب في الكسب فكم من الشراك والخدع التي تنصب لأجل اصطياد من لم يملك من أمره رشدا وما الخسائر التي يمنى بها صغار المستثمرين في البورصات إلا شاهد على أهمية الرشد المالي في الكسب.

11- الشراكه المالية بين أبناء الأسرة الواحدة سبب من أسباب المحبة ووسيلة لتعليم التعاون وتهذيب النفوس ومعرفة حدود الحق والواجب.

12- استشارة أصحاب الخبرة المخلصين في المجال المالي تجنب أعباء مالية وتقرب من النجاح.

13- قد تصادف بعض المشاريع تعثرا سببه قلة الخبرة أو الاندفاع وراء الرغبة في الربح السريع والمؤمن لا ييأس من روح الله ولا يدفعه ذلك إلى التوقف بل تقدير الموقف التقدير الصحيح وتقييم التجربة ومن ثم الانطلاق نحو الهدف وينبغي على بقية أفراد الأسرة وعلى المجتمع دعمه دعما نفسيا وفنيا بتقديم الاستشارات اللازمة حتى يتجاوز هذه العقبة.

14- الاستثمار الأعظم هو الصدقة فإن دورة رأس المال تعود بالنفع على الغني والفقير.

15- كان التعليم أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى الانتقال من طبقة إلى طبقة لتحسين المستوى المالي للأسر بل كان أحد أقوى العوامل لصبر الأسرة على شظف العيش حتى يتعلم أبناؤها أو أحدهم أما اليوم فالثروات بيد الفنانيين ولاعبي الكرة مما ترتب عليه إهمال التعليم.

16- ذم الإسلام المسألة ففيها تعطيل لقوى يمكن أن تسهم في الانتاج ومن ثم التقدم والازدهار وحصرها في أضيق نطاق حتى لا يصاب المجتمع بالتواكل.

17- موارد لزيادة الرزق:

أ- الاستغفار: هل من معاني الاستغفار مراجعة أخطاء النفس حتى تظهر ومن ثم يطلب الانسان المغفرة منها وتتسع دائرة المراجعة لتشمل أخطاء الانسان في تصرفاته المالية ما كان منها بعيدا عن الرشد وقريبا من التهور وما كان منها أدنى إلى الشح.

ب- صلة الرحم فمن أراد أن يبارك له في رزقه فليصل رحمه بما يترتب على هذه الصلة من تلاحم بين أفراد المجتمع ومن ثم يعود ذلك على الانتاج بالزيادة وعلى السلع بالرواج ولعلك تسمع عن الحديث عن الهدايا التي يشتريها المعتمرون والحجاج لذويهم وكيف تحدث رواجا في الأسواق والمطالبة بأن تكون هذه المشتريات من بلدان المعتمرين والحجاج توفيرا للعملة الصعبة وتنشيطا للناتج المحلي.


[1] تفسير أبي السعود