أطلقت بورصة ماليزيا أداة مالية جديدة خاصة بقروض الأوراق المالية، الأداة الجديدة أشرف على تصميمها مجموعة من خبراء المالية الإسلامية والمستشارين الشرعيين التابعين للبورصة، وهي خيار متاح للراغبين في التعاملات الإسلامية فيما يتعلق بقرض واقتراض الأوراق المالية.

الابتكار الجديد يؤكد على تميز وقوة أداء ماليزيا في مجال ابتكار منتجات المالية الإسلامية، وقد أطلق على المنتج المالي الجديد: بيع وشراء الأوراق المالية الإسلامية – الصفقة التفاوضية، ويشكل المنتج الجديد بديلا إسلاميا للطريقة التقليدية المعروفة بقرض واقتراض الأوراق المالية والتى تتم بطريقة غير موافقة للشريعة. خلال السنوات الماضية قامت بورصة ماليزيا بالتعاون مع البنك المركزي الماليزي والهيئة الشرعية والوحدات الاستشارية والمؤسسات العلمية بإصدار العديد من الأدوات الجديدة للتمويل الإسلامي، وفتحت بذلك الباب واسعا أمام تعدد الخيارات للمستثمرين والمتعاميلن في مجال المالية الإسلامية.

توقعات للرئيس التنفيذي لبورصة ماليزيا بزيادة نمو سوق الأوراق المالية من 5% – 10% خلال 12 شهر القادمة بعد إطلاق المنتج الجديد الذي سيكون فرصة للشركات التى تتعامل وفقا لمبادئ الشريعة والتى تبلغ 686 شركة من أصل 902 شركة مسجلة في بورصة ماليزيا وتسيطر هذه الشركات على 61% من سوق الأوراق المالية التي تقدر قيمتها بـ 1.87 تريليون رينغت ماليزي.

إقراض واقتراض الأوراق المالية

 SBL) Securities Borrowing and Lending)

سوق الأوراق المالية أحد أهم اللبنات الجديدة للمنظومة المالية الحديثة، حيث تشكل هذه السوق رافدا مهما للسيولة والحصول على القروض لتمويل النشاطات التجارية والمشاريع الحكومية، إضافة إلى تحسين إدارة المخاطر وتقليص الهوة بين العرض والطلب، ويعني اقتراض الأوراق المالية التحويل المؤقت لهذه الأوراق بناء على ضمان، وذلك بغية حصول الطرف المقترض على السيولة التي يحتاجها. وأغلب علميات قرض الأوراق المالية يتم من خلال ما يعرف بـ: Over the account market  وتعني أن تتم عملية القرض أو الاقتراض عن طريق وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف أو البريد الإلكتروني. وهذا ما يصعب معه تحديد قيمة تعاملات إقراض الأوراق المالية غير أن التقديرات تشير إلى أن قيمة الأوراق المالية المقرضة حول العالم تصل حدود 1.7 تريليون دولار.

من الناحية التطبيقية: المقترض يقوم باستدانة الأوراق المالية من المقرض لفترة محددة وبضمان، يقوم المقرض باستلام الضمان من المقترض ويكون الضمان إما (سيولة، أسهم عادية، سندات حكومية)، إذا كان الضمان ليس سيولة يقوم المقترض بدفع رسوم مقابل الاستدانة المؤقتة للورقة المالية، في حالة ما إذا كان الضمان سيولة يقوم المقرض باستثمارها خلال فترة الصفقة مع عدم تحمله أي خسائر تحدث خلال فترة الاستثمار. تحاط هذه العملية بالكثير من المخاطر التى تصنف في إطار الغرر الفاحش الذي قد يتسبب بأضرار جسيمة للمقترض، وبالتالي فإن الطريقة التى تتم بهذه العملية غير موافقة للشريعة، وهذا ما حدا بالمؤسسات المالية والهيآت المختصة في ماليزيا أن تعمل على ابتكار وسيلة جديدة تمكن من الاستفادة من هذه السوق بطريقة موافقة للشريعة.

بيع وشراء الأوراق المالية الإسلامية – الصفقة التفاوضية

(Islamic Securities Selling and Buying – Negotiated Transaction (ISSBNT

 بدلا من اعتبار الصفقة قرضا واقتراضا فإن المنتج المالي الجديد اعتمد البيع والشراء وفق إطار قانوني موافق للشريعة، أشرفت عليه مجموعة من خبراء المالية والشريعة، وقد تم تحديد التعامل بهذا المنتج المالي الجديد من خلال المذكرة التقنية رقم Technical Note No 3/2017 الصادرة عن هيئة الأوراق المالية الماليزية. منتج ISSBNT  موافق لأحكام الشريعة وهو بديل عن الإطار التقليدي لقرض واقتراض الأوراق المالية، وقد تم بناء نموذج هذا المنتج على أساس (بيع وشراء) الأوراق المالية، تقضي الصفقة بأن البيع الأول بيع على أساس الدفع المؤجل ويتم البيع اللاحق في المرحلة الثانية من الصفقة على أساس سعر معلوم متفق عليه، وعلى آليه دفعه، كذلك سيكون لدى البائع والمشتري معلومات كافية ودقيقة عن معاملة ISSBNT، ويتعين عليهما تقديم تأكيدات تجارية لتنفيذ معاملات البيع والشراء التي تتم من خلال حاملي رخصة CMSL الخاصة بهم، وهي رخصة خاصة بالمتعاملين في البورصة الماليزية. وعلاوة على ذلك سيتم الإبلاغ عن التفاصيل الدقيقة ذات الصلة بالأوراق المالية الداخلة في الصفقة من قبل حامل  رخصة CMSL.

تجربة ماليزيا في مجال المالية الإسلامية تعتبر من أهم التجارب وأكثرها ثراء، وقد جعلت من هذه الدولة إحدى دول العالم الإسلامي الرائدة والقائدة في مجال المالية الإسلامية وما يتعلق بها، هذه التجربة المتميزة جعلت من ماليزيا قبلة للمؤسسات المالية والحكومات والبنوك الراغبة في تصميم برامج المالية الإسلامية.

بدأت ماليزيا اهتمامها بالمالية الإسلامية منذ بداية الثمانينيات حيث صدر الأمر القانوني المؤسس لهذه المنظومة سنة 1983، ومنذ ذلك الحين وماليزيا تعمل على تطوير وتحسين هذه المنظومة وإدخال التعديلات وخلق الابتكارات في هذا المجال.

فمثلا خلال سنة 1983 إلى 1992 كان التركيز على خلق أكبر عدد ممكن من أدوات التعامل المالي الإسلامي، وخلال نهاية هذه الفترة نجحت ماليزيا في توفير أكثر من 20 منتجا إسلاميا تغطي مختلف مجالات النشاط الاقتصادي في البلاد. لعب النظام التعليمي في ماليزيا دورا هاما في تطوير منظومة المالية الإسلامية، حيث تم إنشاء مراكز للبحث وتطوير النظام المصرفي الاسلامي، مكون من باحثين من مختلف التخصصات العلمية والشرعية، وكان لهذه المراكز دور كبير في انتشار المالية الاسلامية وتسويقها ليس فقط في ماليزيا بل في دول أخرى.

مما يميز التجربة الماليزية في المالية الإسلامية تكاتف جهود مؤسسات الدولة المالية والقطاع الخاص والمؤسسات الاستشارية والمستثمرين في خلق بدائل عن المنظومة الربوية، وقد ساهمت البحوث والمؤتمرات الدورية ومراكز البحث في إثراء الساحة عبر لقاءات مستمرة للفقهاء وخبراء المالية والمهتمين بهذا المجال لتذليل العقبات وتحقيق ابتكارات جديدة تسهم في متانة وصلابة منظومة المالية الإسلامية.