ظهرت الدولة الغزنوية في القرن الرابع الهجري، وكان من أهم سلاطينها محمود الغزنوي الذي يرجع إليه الفضل في فتح شمال الهند ونشر الإسلام به. والدولة الغزنوية دولة إسلامية حكمت بلاد ما وراء النهر، وشمال الهند وخراسان، في الفترة ما بين سنتي 961م و1187م. وهي دولة تركية عاصمتها “غزنة” الواقعة اليوم داخل حدود أفغانستان.

كانت الدولة الغزنوية في السابق خاضعة لحكم السامانيين الإيرانيين الذين أثروا بشكل كبير على سياسة وثقافة تلك المناطق، وقد أدى هذا التأثير إلى انصهار الأتراك الغزنويين مع الفارسيين.

ويعدّ ألب تكين المؤسس الأول للدولة الغزنوية، وقد كان من قادة الجيش الساماني، لكنّ الأسرة الغزنوية لم تحكم وتستقل إلا في عهد أبو منصور سبكتكين وهو من مملوكي ألب تكين فكان هو من جعل غزنة عاصمة للدولة، وحررّها من سيادة الدولة السامانية، بعدها قام ابن سبكتكين محمود الغزنوي في عهده بتوسيع أرض دولته من نهر جيجون إلى نهر السند، ومنه حتى المحيط الهندي وشمل منطقة الري وهمدان، وفي عهد مسعود بن محمود الغزنوي فقدت الدولة مساحة كبيرة من أراضيها وجزءًا من قوتها، فسيطرت الدولة السلجوقية بعد معركة دندقان على المناطق الجنوبية للدولة الغزنوية

الغزنويون والفتح الإسلامي

فتح المسلمون شطرًا كبيرًا من بلاد الهند في أيام الخلافة الأموية في خلافة عبد الملك بن مروان، واستمر المد الإسلامي يصبغ هذا الإقليم بالصبغة الإسلامية في الدين والثقافة حتى قيام الدولة الغزنوية التي تنسب إلى عاصمتها غزنة، وقد بدأت بوادر قيام هذه الدولة عندما وصل القائد التركي ألب تكين إلى منصب حاجب الحجاب في الدولة السامانية، ومن ثم ارتفع شأنه وازداد نفوذه، فتوجه إلى مدينة غزنة التابعة للسامانيين واستولى عليها، وأقام بها إمارة مستقلة.

واستطاعت الدولة الغزنوية أن تصل إلى أوجها في عهد بن سبكتكين محمود الغزنوي الذي فتح مناطق شاسعة بدافع الجهاد ونشر الإسلام، فضم إلى دولته إقليم البنجا، كما استطاع أن يزيل ملك السامانيين وهزمهم في مرو سنة 389 هجرية، فلقب بلقب السلطان، وضمَّ محمود إلى دولته أقاليم الدولة البويهية حتى وصل إلى وسط الهند واعترفت به الخلافة العباسية سلطانًا مستقلًا ولقبه الخليفة العباسي يمين الدولة فأسس بذلك دولة سنيَّة قويَّة وأخضع بلاد الغور وبلاد وما وراء النهر واستولى على قاعدة الدولة البويهيَّة في أصبهان فاتسعت رقعة الدولة الغزنوية فضمت البنجاب وولايات هندية عدّة في وادي نهر الغانج وأقسامًا من السّند وأفغانستان، بما فيها غزنة وسجستان وخراسان وفارس حتى طخارستان.

ولما توفي الب تكين في سنة 352هــ= 963م خلفه في حكم إمارة غزنة ابنه أبو اسحاق إبراهيم، ولكن أبو اسحاق سرعان ما توفي دون أن يترك وريثًا يعقبه في حكم غزنة فحكمها بلكاتكين أحد مماليكه سنة 359هـ= 969م، ولكن أهل غزنة خلعوه وعينوا بدله سبكتكين لما عرفوه من عقله ودينه وصرامته، وكان تعيينه سنة 366هـ= 976م.

استطاع سبكتكين بحسن سياسته وبعد همته اكتساب محبة الرعية وأمراء البلاد المجاورة، ولم يلبث الخليفة العباسي أن اعترف بحكومته فاصطبغ حكمه بالصبغة الشرعية فأصبح سبكتكين المؤسس الحقيقي للدولة الغزنوية (366هـ= 976م/ 582هـ= 1186م).

من ألب تكين إلى سبكتكين

ويقول الأستاذ علي الصلابي في مقال له أن سبكتكين ولى مُنذ أول الأمر وجهه شطر الأقاليم الهندية، فتمكن وعظم، وأخذ يغير على أطراف الهند، وافتتح قلاعاً، وتمت لهُ ملاحم مع الهنود، واشتبك مع أحد ملوكهم ويدعى جيبال في حروب طاحنة، واستطاع سبكتكين أن يلحق به الهزيمة سنة (369 هـ) ، وأجبره على طلب الصلح على مال يؤديه وبلاد يسلمهما وخمسين فيلاً يحملها إليه، فاستقر ذلكَ ورهن عنده جماعة من أهله على تسليم البلاد، وسير معه سبكتكين من يتسلمها، فلما أبعد جيبال ملك الهند قبض على من معه من المسلمين، وجعلهم عنده عوضاً عن رهائنه، فلما سمع سبكتكين بذلك.. سار نحو الهند فأخرب كل ما مر عليه من بلادهم، وقصد (لمغان) ، وهي من أحسن قلاعهم فافتتحها عنوة، وهد بيوت الأصنام، وأقام فيها شعائر الإسلام.

وعلى الرغم من استقلاله الفعلي إلا أنه ظل يظهر الولاء للسامانيين، وكان يعترف لهم بالسيادة، ويشن الحروب ويفتح البلاد باسمهم، ولم يكتف سبكتكين بحكم غزنة، بل أخذ يوسع ممتلكاته ويُكَّون له دولة واسعة مترامية الأطراف حتى امتد سلطانه إلى ناحية الهند وسيطر على الكثير من المعاقل والحصون هناك، وبعد ملك دام عشرين سنة تقريبًا توفي سبكتكين في سنة 387هـ= 997م.

عهد سبكتكين بالملك من بعده لابنه الصغير إسماعيل، وكان أخيه محمود غائبًا عن العاصمة فقدم إليها ودارت بينه وبين أخيه مناوشات انتهت بتغلب محمود وقبضه على ناصية الحكم بعد نحو سبعة أشهر من وفاة أبيه، ولكنه كان كريمًا مع أخيه فعامله معاملة حسنة كريمة.

حكم السلطان محمود الغزنوي

يقول الصلابي إن سيرة السلطان محمود الغزنوي، ودولته السنية تستحق أن يفرد فيها دراسة خاصة بهما، وندعو طلاب العلم، والمهتمين بالتاريخ الإسلامي وفق منهج أهل السنة، والجماعة القيام بهذا الواجب لسد ثغرة في المكتبة الإسلامية، ويوضح أهمية الالتزام والسنة.

ويضيف أنه من المؤسف حقاً ألا يعرف كثير من المثقفين، وخريجي الجامعات شيئاً عن هذا السلطان السني العظيم، ومملكته في بلاد الأفغان، وما كان عليهِ من حب للعمل، وتقرّب إلى الله بحمل راية الدعوة، وبث روح الجهاد، والاستشهاد في جنده، ونشر السنة، وقمع البدع، وما كان يتحلى به من قيم إسلامية مثلى كان لها أعمق الأثر في ازدهار مملكته، والتفاف الناس حوله في محبة وتفان ووفاء.

وقد قضى السلطان محمود الغزنوي الفترة الأولى من حكمه في تثبيت أركان دولته وتوسيع رقعتها، فتوجه لمحاربة من حوله من الأمراء، وتمكن من القضاء على الدولة السامانية في عام 389هـ= 999م بعدما رأى الضعف يدب في أوصالها، وألغى اسم السامانيين من الخطبة وأقام الدعوة للخليفة العباسي القادر بالله الذي أنعم عليه بلقب يمين الدولة وأمين الملة، ثم تصدى للدولة البويهية وانتزع منها بعض البلاد.

بعد أنَّ استقرت الأحوال للسلطان محمود الغزنوي واستتب له الحكم، وأقرته الخلافة العباسية على ما تحت يده من بلاد تطلّع إلى بسط سيطرته على بلاد الهند ومد نفوذه إليها ونشر الإسلام بين أهلها، فأعلن الجهاد في سبيل الله، وتعددت حملاته على الهند حتى بلغت أكثر من سبع عشرة غزوة، وظل يحارب دون فتور نحوًا من سبع وعشرين سنة، بدأت من عام 391هـ= 1000م وحتى عام 417هـ= 1026م، وبهذه الحملات خضع له شمال شبه القارة الهندية، وبذلك اتسعت أملاك الدولة الغزنوية وعظمت هيبتها.

رغم كل اهتماماته العسكرية لم يهمل السلطان محمود الجانب الثقافي، بل اهتم بالعلوم والآداب وبذل الأموال وقدم الهدايا للعلماء والفقهاء والأدباء، حيث أنَّه كان من خيرة قادة وزعماء الإسلام وسلطانًا محبًا للعلم ذا مروءة ويقظة طاهر العقيدة، أخذ على عاتقه نشر الإسلام، قال عنه ابن الأثير: كان عاقلًا، دينًا، خيرًا، عنده علم ومعرفة، وقصده العلماء من أقطار البلاد، وكان يكرمهم، ويقبل عليهم، ويعظمهم، ويحسن إليهم، وكان عادلًا، كثير الإحسان إلى رعيته والرفق بهم، كثير الغزوات، ملازما للجهاد.

توفي السلطان محمود الغزنوي سنة 421هـ، وكان قبل وفاته قد عهد بولاية العهد إلى ابنه محمد، ولم يعهد بها إلى ابنه الكبير مسعود، وهذا ما أدى إلى نزاع وصراعات بين الأخوين، حيث تولى محمد الحكم ولكنه لم يستمر فيه سوى شهور وأزاحه أخيه مسعود وتولى مكانه سنة 422هـ، واستقرت الأمور للسلطان مسعود في غزنة، وأرسل إليه الخليفة العباسي تقليدًا بالحكم، وواصل السلطان مسعود سياسة أبيه في المحافظة على أملاك الدولة الغزنوية، كما ضم إليها المزيد من الأراضي الهندية، وظل السلطان مسعود في حكم الدولة الغزنوية حتى قتل سنة 433هـ= 1041م.

جاء بعد السلطان مسعود ابنه مودود وسار سيرة أبيه في التوسع بأرض الهند، وتوالى الملوك الغزنويون على عرش الدولة الغزنوية من بعده، ولكن تناحرهم فيما بينهم أضعفهم وجعل البلاد التي فتحوها تتمرد عليهم، كما أطمع فيهم من حولهم، فأخذت عوامل الانحلال والضعف تنال من الدولة حتى أنهكت قواها، ولم تعد تستطيع المقاومة حتى سقطت في سنة 555هـ= 1160م واستولى السلاجقة على ممتلكاتها في خراسان، كما قضى الغوريون على ملكها في الهند وأقاموا على أنقاضها الدولة الغورية.

الدين والثقافة واللغة في الدولة الغزنوية

كان من المعلوم أن الشعب الغزنوي مرتبط بدين حاكمه، وقد كانوا تابعين للدولة العباسية في الداخل والخارج، ومن بعد جلوس محمود الغزنوي على العرش وارتباطه إلى حد كبير بالخليفة العباسي أبو القادر، وحصوله على عدة ألقاب منه، بدأت العقيدة السنية في الانتشار في جميع أنحاء الدولة أمام تراجع العقيدة الشيعية. بالإضافة إلى أن الغزنويين قاموا بتطبيق تقاليد السامانيين في اللقاءات الدبلوماسية التي عُقدت مع العباسيين، وقاموا بعمل استقبال أكثر فخامة من ممثلي الدول الأخرى، وأصبحوا جديرين بالاحترام. وبالإضافة إلى قراءة الخُطبة باسم الخليفة العباسي والسلطان الغزنوي، تم استخدام اسم الخليفة بجانب السلطان على النقود التي تُصك.

ولم تكن الدولة الغزنوية دولة إيرانية من الناحية الثقافية، ولكن كانت تُرى على أنها دولة تركية دخلها التفريس، (أصبحت فارسية). وقد أثرت الدولة الغزنوية في الدول الإسلامية التي أتت بعدها من الناحية الثقافية والفنية. وقد شُوهدت أثار النجاح والتجديد في الهندسة حتى في إمارات الأناضول. وقد أنشئت العديد من المدراس في فترة الغزنويين بالقرب من نيسابور. وقد أُسست كذلك العديد من المكتبات. بالإضافة إلى إنشاء السلطان محمود مدرسة كبيرة في المكتبة التي كانت بجوار مسجده. وكذلك تأسيس مدرسة دار العلوم. ومتحف يضم الأشياء النادرة والفريدة من نوعها والتحف القديمة.

وقد تأثر السلاجقة من جانب وكذلك إمبراطورية مغول الهند بالهندسة والزينة والرسوم التي واجهها السلطان محمود في الهند. وقد حول السلطان محمود العاصمة غزنة في عهدة إلى مركز للثقافة، فقد أنشئ فيها المستشفيات، والمدارس، والمكتبات، والحدائق والقصور والكباري والمساجد. وأهم أثر بقى من الغزنوين حتى يومنا هذا هو قصر لشكري بازار في أفغانستان، كما وجدت بقايا وأثار مساجد تعود للغزنويين في مدينة غزنة في السنوات الأخيرة. كما اهتموا أيضا بفن الكتابة فقد بلغ الخط الكوفي درجة النضج في عهد السلطان إبراهيم (1059-1099). وقدأثر الفن الغزنوي على الدولة السلجوقية والهند.

وكانت اللغة الرسمية للدولة الغزنوية هي اللغة الفارسية، إلا أن الجيش كان يستعمل اللغة التركية. وقد كانت الثقافة الغزنوية مثل الثقافة السامانية مُقتبسة من الثقافة الإيرانية. وقد قام الغزنويون بدعم الأدب الفارسي أيضًا. وقد كان في القصر الغزنوي الأدباء الفارسيين الكبار الذين تركوا أثارًا عظيمة. فقد كان في القصر الغزنوي أبو قاسم الفردوسي صاحب كتاب شاهنامه، وكذلك العالم أبو الريحان البيروني. وكانت فترة الغزنويين أحد ألمع فترات الأدب الفارسي.

وقد كانت للقوة التي تملكها الدولة الغزنوية أثرٌ كبير في الإنتاج المعرفي للأداب والعلوم. وقد بلغت الأعمال التي قام بها العالم أبو الريحان البيروني في الفلك والرياضيات والذي أسره الغزنويون ذروتها في فترة العشر سنوات التي أمضاها في العاصمة غزنة.

وقد لعب الغزنويون أهم دور لنشر الإسلام إلى داخل الهند،  ويعتقد بعض المؤرخيين أن الغزنويين هم من أسسوا الدولتين المنفصلتين الآن الهند وباكستان.

ويعتقد المؤرخ محمد فؤاد كوبريلي أن تلك الدولة لم تعتمد على القوة العسكرية فقط في نشر الإسلام، وأنها خلقت نقطة ارتكاز وقوة عظيمة بنشرها الإسلام حتى البنجاب، وبفعلهم هذا أعدوا أرض خصبة للمسلمين والدول الإسلامية القادمة من بعدهم.