تعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة إحدى ركائز الاقتصادات المعاصرة، حيث تسهم هذه المشاريع في تحقيق عدة ميزات اقتصادية، منها تخفيف حدة البطالة، زيادة النشاط الاقتصادي، تحسين القوة التنافسية وتطوير الصادرات.

تختلف تعريفات هذه المشاريع حسب الدول وتعرف بناء على ركيزتين أساسيتين هما: عدد الموظفين في المشروع و رأسمال المشروع. وتتغير تعريفات المشاريع الصغيرة والمتوسطة حسب تطور الاقتصادات وتوسعها ففي الصين مر تعريف هذه المشاريع بثلاثة تعديلات منذ 1949.  ويعتبر تصنيف المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الصين أكثر تعقيدا، حيث يشمل نوعية النشاط الاقتصادي وحجم المداخيل، و قد تم تقنين هذه الشروط من خلال القانون. SME Promotion Law of China (2003)

ساهمت في تطور هذا النوع من المشاريع في دول شرق آسيا مجموعة من العوامل من بينها: خلق الإطار القانوني والتنظيمي الصلب، الدعم الحكومي من خلال استراتيجيات التكامل بين مختلف قطاعات الدولة وهذه المشاريع، الإصلاحات الضريبية وكفاءة الإدارة.

سنركز خلال هذا المقال على تجربة هذه المشاريع في دول شرق آسيا وخاصة: الصين، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية، وكيف ساهمت هذه المشاريع في دعم اقتصادات هذه الدول، وشكلت رافدا قويا للسيولة وكابحا للبطالة وزيادةً للقوة التنافسية.

التجربة الصينية 

ظهرت المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الصين كسياسة وطنية لمحاربة البطالة، خاصة في المناطق الريفية، وقدمت الحكومة الصينية دعما كبيرا لأصحاب هذه المشاريع التي تحولت فيما بعد إلى إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الصيني المعاصر.

خلال العقود الثلاثة الماضية شهدت المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الصين عدة تحولات، فمن مرحلة الإهمال وغياب الدعم الحكومي لهذه المشاريع “The Fringes” إلى مرحلة لعب الدور التكاملي للاقتصاد “Supplement وصولا إلى مرحلة العنصر الهام والرئيسي فى الاقتصاد “Important Component”، وأصبحت المشاريع الصغيرة والمتوسطة في هذه المرحلة محركا أساسيا لنمو الاقتصاد الصيني.

حسب التقارير الصينية الحديثة تسهم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بـ59% من الدخل القومي للصين، وهي نسبة كبيرة مقارنة بالدول المجاورة للصين كاليابان والهند وغيرها من دول المنطقة.

تسهم أيضا هذه المشاريع بـ50% من مداخيل الضرائب، وتشكل نسبة 68% من مجموع التجارة الخارجية للصين، وفي مجال البطالة تستقطب هذه المشاريع أيضا 75% من العمالة في المناطق الحضرية.

وشكلت الطفرة التكنولوجية دفعا كبيرا لهذه المشاريع فـ80% من المنتجات الجديدة في الصين تصدر من مشاريع صغيرة أو متوسطة. وفِي مجال الاختراعات تسيطر هذه المشاريع على 65% من براءة الإختراعات في الصين.
تجربة الصين مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة تجربة غنية وثرية بالدروس، يمكن الاستفادة منها كثيرا، خاصة فيما يتعلق بالجانب التنظيمي و جانب الدعم الحكومي، سواء من خلال ضبط السياسات الخاصة بهذه المشاريع بما في ذلك السياسات الضريبية وكفاءة الإدارة أو ما يتعلق بالسياسات التوجيهية التى تقدمها مراكز البحث الحكومية لأصحاب هذه المشاريع.

تجربة هونغ كونغ

هونغ كونغ أحد المراكز المالية العالمية تتميز باقتصادها المفتوح، حققت هونغ كونغ نجاحات مالية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وكان للمشاريع الصغيرة والمتوسطة دور ريادي في تحقيق هذا النجاح.

ركزت السلطات على تأسيس إطار قانوني وتنظيمي قوي لعمل هذه المشروعات وخلقت الظروف الملائمة لنموها وتوسعها، كما منحت أصحاب هذه المشاريع الأمل في تحويل مشاريعهم من أفكار على الورق إلى مؤسسات واقعية تسهم في عملية التنمية من خلال امتصاص البطالة وتحقيق عوائد مالية على الاقتصاد.

ونتيجة لموقعها الجغرافي المتميز تختلف هونغ كونغ عن نظيراتها من الدول الآسيوية، في كونها منطقة عالمية للتجارة الحرة حيث تتربع على المركز 12 ضمن الدول الأكثر صادرات في العالم، شكلت هذه الميزة دفعا قويا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة فزادت القوة التنافسية وانتشرت الأفكار الإبداعية لأصحاب هذه المشاريع لخلق مزيد من الابتكارات وإدخال مزيد من التحسينات لاستقطاب الموردين الخارجيين.

أوضحت بيانات آخر تقرير نشره قسم التجارة والصناعة في هونغ كونغ أن عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة بلغ 330,000 مشروع وتسيطر هذه المشاريع على 98% من الأعمال التجارية، وتستقطب 45% من مجموع القوى العاملة في القطاع الخاص.

تعمل السلطات في هونغ كونغ بشكل مستمر على تطوير أداء المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال ما تقدمه من دعم في مجالات التنظيم والتوجيه، حيث توفر السلطات المعلومات اللازمة لأصحاب هذه المشاريع، وتقدم لهم دورات تدريبية مكثفة في الإدارة والتسويق فهم واجهة اقتصادية قوية للاقتصاد ومصدر هام من مصادر الدخل الأجنبي.

 

تجربة كوريا الجنوبية

حسب مؤشر بلومبرغ الخاص بالابتكارات Bloomberg Innovation Index فإن الاقتصاد الكوري الجنوبي يتربع على المركز الأول لأكثر اقتصادات العالم ابتكارا للعام 2016، وينمو الاقتصاد الكوري بشكل متسارع خلال السنوات العشر الأخيرة محققا مراكز متقدمة بين اقتصادات دول آسيا.

ورغم امتلاك كوريا الجنوبية لشركات عريقة وضخمة مثل سامسونغ وأل جي وغيرها، إلا أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشهد نموا كبيرا وتحقق أرباحا ضخمة نتيجة لسيطرة هذه المشاريع على نسبة كبيرة من اقتصاد البلد.

حسب تقارير 2012 الخاصة بالاقتصاد الكوري الجنوبي، يوجد ما يقارب 3,351,404 مشروع صغير ومتوسط، حيث تشكل هذه النسبة 99%من الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية في كوريا، وتستقطب هذه المشروعات 87.7% من مجموع اليد العاملة في البلاد.

ولدعم هذه المشاريع قامت الحكومة الكورية بإطلاق 17 مركزا للابداع الاقتصادي والابتكارات والهدف من هذه المراكز هو تقديم المساعدات اللازمة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويشمل مجال تدخلها توفير المعلومات وتقديم الإرشادات.

تشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في دول شرق آسيا عاملا مهما من عوامل زيادة الإنتاجية الاقتصادية، وتحقق هذه المشاريع العديد من الأهداف الاقتصادية، منها امتصاص البطالة، ودعم الإنتاجية والإبداع، إضافة إلى ما تحققه هذه المشروعات من دخل معتبر يسهم في الدخل القومي لهذه البلدان، ومما أسهم في نجاح تجربة هذه المشاريع الاهتمام والدعم الحكومي الموفر لها سواء من حيث التنظيم والتقنين أو من حيث الإرشادات والتوجيه.