بثّ الرعب في قلوب المدنيّين الأبرياء والأطفال والنساء وتهديد الأمن والسلام يعدّ من القضايا العالمية التي تهمّ البشرية. والأمن من أهم ما تهدف المؤسسات الدينية والسياسية إلى تحقيقه، لذا اعتمده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10/ديسمبر 1948)، وعملت الدُول على تكريسه، فإن حق الأمن والسلام ثلث المحاور التي أُسست حقوق الإنسان العالمي عليها، إلى جانب الحرية والعدالة، وذلك من أجل تحقيق الكرامة الإنسانية، وقد نصت المادة الثالثة (3) من بنود حقوق الإنسان على تكريس حق سلامة الفرد، واهتمت المادة السادسة والعشرين (26) ببناء التربية ومناهج التعليم عليه. وإن توفير الأمن ورعايته بين الشعوب متأصل في فطر البشر الطبيعية، ومبادؤه تتجلى عبر نداءات الأديان عموماً ودعوة الإسلام خاصة قبل هذا الإعلان العالمي؛ “الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”، و”رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا”، و”مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ “، وما مقاصد الشريعة الكبرى – من حفظ دين، ونفس، ومال، ونسب، وعقل إلا من أجل تحقيق الأمن من وجوه! وفي إطار هذه المعاني يمكن النظر إلى قرار تجفيف منابع الإرهاب كآلية لتوفير الامن والاستقرار الإنساني.

فما حقيقة تجفيف منابع الإرهاب وما موقف المسلم من ذلك؟

خلفية تاريخية لـ تجفيف منابع الإرهاب

قبل اتخاذ أي فكر ديني يتعلق بـ”تجفيف منابع الإرهاب” يجدر بنا استعراض الخلفية التاريخة لأنشطته. ولعل الاهتمام العالمي بمصطلح تجفيف منابع الإرهاب يرجع إلى ما قبل أحداث سبتمبر، وإرهاصاتها، وما تبع ذلك من إجراءات فعلية وصادقة بتشكيل لجنة مكافحة الإرهاب، فقد بدأ الأمر باعتبار “منظمة تنظيم القاعدة” منظمة إرهابية محظورة، وإن التعامل المباشر معها تعد جريمة، ودعت إلى ضرورة تسليم زعيمها.

تجفيف منابع الإرهاب يرجع إلى ما قبل أحداث سبتمبر، وإرهاصاتها، وما تبع ذلك من إجراءات فعلية وصادقة بتشكيل لجنة مكافحة الإرهاب

يتضح ذلك في قرار مجلس الأمن 1267 (1999). وعقب 11 سبتمبر اتخذ مجلس الأمن قراره 1373 (2001)، يدعو فيه إلى العمل على توقيف كل السبل التي تؤدي إلى منع التمويل عنى مسمى “الجماعات الإرهابية” وتشدد على ضرورة تعاون الدول في سبيل تحقيق ذلك بكل السبل الممكنة من التجارات والمعاملات المالية  المباشرة وغير المباشرة. وتبعت ذلك قرارات كثيرة تؤيد ذلك وتسانده، منها قرار رقم 1483 (2003)، وقرار 1989 (2011) المؤكد لما سبق. وقرار 2161 (2014)، بتاريخ 17 حزيران/يونيه 2140، وقرار رقم 2170 وذلك في 15 أغسطس (2014)، وقرار رقم 2199 المتخذ في  12 فبراير (2015)، تحت الفصل السابع. وغير ذلك من القرارات؛ المؤكدة لتجفيف منابع التمويل.

“تجفيف منابع الإرهاب” ومعاداة الإسلام

يذكر هنا مقولة: “ليس كل مسلم إرهابيا، لكن كل إرهابي مسلم” وذلك أن كثيرا مما يلقب إعلاميا وسياسيا بــ “منظمات، وجماعات إرهابية” إسلامية التوجّه، يذكر على سبيل المثال كتائب عبد الله عزام، والقاعدة، وجماعة أبو سياف، والمرابطون، وحركة الشباب المجاهدين، وأنصار الشريعة، وحركة حماس، وحركة الحهاد الإسلامي، وحزب الله، وجبهة النصرة،، وبوكو حرام، وداعش..

ومن هنا يقرأ بعض علماء المسلمين الغيورين على دينهم؛ أن شعار “تجفيف منابع الإرهاب” ليس إلا حملة صليبية عدائية جديدة من الغرب للإسلام! وأن هذه الحملة ليست موضوعية ولا منصفة، ولا تبغي الحق! بل هو شعار عدائي قائم على الحقد الغربي لآثار انتشار الإسلام ونجاح الدعوة الإسلامية، علاوة على خوف الغرب من الإسلام، لذا لجؤوا إلى المحاربة السياسية الباردة. وقد تطرق إلى ذلك جون إسبوزيتو في كتابه التهديد الإسلامي – خرافة أم حقيقة؟! وعرض فيه تنبيهات بعض المستشرقين على ضرورة التصدي للإسلام إذ عليه إقبال شديد من العالم الغربي، وتعرض كذلك للموقف المقابل الذي ينادي أن الإسلام لا يشكل خطرا أو تهديدا للوجود الغربي وأنظمته. واستنتج من هذا التصرف فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب أن شعار تجفيف منابع الإرهاب شعار ذو سلاحين! (مقال: حرب على الإرهاب أم حرب على الإسلام؟).

الخطاب الديني المعاصر وتهمة الإسلام

بناء على قائمة المنظمات الإرهابية التي تُتَّهَم بقتل الأبرياء وإشاعة الفوضى والرعب والإرهاب بين صفوف المدنيين، يصعب توجيه الأصابع إلى دين غير الإسلام، أو الإشارة في وقتنا الحالي إلى جماعة دينية مسلحة ومنظمة تسعى إلى تحقيق أيديولويجة دينية غير دين الإسلام، مع إشكالات في الصهيونية طبعا. لعل موقف الإسلام من الاستعمار ودوره في المقاومة ووضع بعض المجتمعات الإسلامية من الظلم والاضطهاد والاستبداد قد يبرر وجود جماعات مسلحة، شأن أي دولة مدنية أخرى كما يعبر غراهام فولر؛ في كتابه “العالم بدون الإسلام”. إذ اعتبر عرضه للإسلام عرضا موضوعيا ومنطقيا، ويرى أن ما مرّ به المجتمع الإسلامي من اضطهاد وظلم واستعمار كفيل بخلق مواقف مسلحة نتيجة ردة فعل، وهذه المواقف لا بد لها من نظرة أيديولوجية تقوي موقفها وتساعد على إيجاد روابط صلة.

شعار “تجفيف منابع الإرهاب” ليس إلا حملة صليبية عدائية جديدة من الغرب للإسلام

كما لا يمكن أن يستبعد دور الحداثة والمعاصرة، أو التراث والتجديد في تنوع الخطاب الديني الإسلامي، وبخاصة الجانب المتعلق بالإسلام وعلاقته بالآخر. فهناك مسائل فكرية كثيرة في التراث تتنوع مواقف المسلمين في تفسيرها داخل الخطاب الإسلامي المعاصر، إلا أن لهذه المواقف تبعات خطيرة، مثل تباين المواقف في حقيقة الجهاد في الإسلام، والعلاقة بين المسلم والكافر، وتقسيم الدار بين دار إسلام ودار حرب، وقضية الولاء والبراء، وكراهية غير المسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وموضوع حرية الاعتقاد، وكذا حقيقة نظام الحكم في الإسلام. وقد يتسم أحد المواقف تجاه هذه القضايا بالتشدد والإرهاب، في حين يوصف الموقف الآخر بالمياعة ومداهنة الغرب، ويترتب على ذلكما ما يترتب! يذكر في هذا ما صنفه القرضاوي في إطار “خطابنا الديني في عصر العولمة.

أخيرا في ظل تصنيف هذه الفئات بالإرهاب علناً، نجد أن بعض المسلمين يعتبر هذه العملية مسرحية سياسية ضحيتها تشويه صورة الإسلام، وترى طائفة أخرى أنهم يمثلهم الخوارج: حسن النية وسذاجة التفكير، فلا يكفّرون، بينما يميل بعض المسلمين إليهم ويتموا لهم النصر إما لذاتهم أو لأنهم الخيار الوحيد لتغيير الموجود، ومن هنا وقف البعض مع حزب الله لما كان له دور، ويقف البعض مع داعش والنصرة للإطاحة بالنظام القائم، وأشادو ابدورهم في ليبيا.