في اليوم العالمي للغة العربية نحاول أن ننظر إلى قوة اللغة العربية رغم تفريط أبنائها فيها.فإنك لو سرت من أفغانستان في أواسط آسيا وحتى المحيط الأطلسي غربًا لوجدت عجبًا.

فاللغة العربية حاضرة إما باللسان أو بالأحرف.فأفغانستان تكتب لغتها البشتونية بالأحرف العربية.وباكستان تكتب لغتها الأردية بالأحرف العربية.وإيران تكتب لغتها الفارسية بالأحرف العربية.والأكراد يكتبون لغتهم الكردية بالأحرف العربية.

ثم من الأحواز العربية وحتى المحيط الأطلسي نجد اللسان العربي بلهجاته المتعددة.

ورغم أن الدولة التركية الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك استغنت عن الحرف العربي واستخدمت الحرف اللاتيني إلا أن اللغة التركية ما زالت تزخر بالكلمات العربية، وبنيتها اللغوية متوائمة مع اللغة العربية ولا تنافر بينهما من حيث الجذور والمفردات والتراكيب والمعاني.

وكل هذا يعني أن الحرف العربي واللسان العربي حاضر بقوة بين ملايين البشر رغم اختلاف أجناسهم وأعراقهم.وقد طوعت هذه الأجناس غير العربية الحرف العربي ليتلاءم مع المخارج الصوتية للغاتهم، وعاشت العربية بحرفها معهم قرونًا متطاولة، واستوعبت معانيهم وأصواتهم.

وأصبح الحرف العربي من مفردات هوية هذه الشعوب، والتي حاربت من أجل الحفاظ عليها، وبذلت النفس والنفيس. وأصبحت عروبة النسب أخت عروبة اللسان، ولا يفرق بينهما فارق، فمن تكلم بالعربية فهو عربي.

وقد كان العرب المسلمون هم الذين نشروا العربية جنبًا إلى جنب مع الإسلام، ثم قام المسلمون من غير العرب بالحفاظ عليها والتمكين لها، وجعلوها لسانهم مختارين راضين، بل أصبح سدنة العربية من العجم مثل: سيبويه والذي قيل عنه: “إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر، الفارسي، ثم البصري.

وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه”، وابن جني الذي “كان أبوه مملوكًا روميًّا لسليمان بن فهد الموصلي”.

وإذا فات مسلمو القرون الأولى عروبة اللسان فإنه لم يفتهم عروبة حروف لغاتهم.

وقد اعتز العرب المسلمون الأولون بلغتهم فنشروها في الآفاق، يقول ابن تيمية: “كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية، عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم.

وهكذا كانت خراسان قديمًا، ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم.

ولا ريب أن هذا مكروه، وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة، ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب عليه”.

ونريد أن نسلّط الضوء على دولة اتخذت من العربية لسانًا لها، وإن كانت لا تعدّ من الدول العربية، وليست عضوًا في جامعة الدول العربية، إنها دولة تشاد.

تلك الدولة التي تتماس مع دول عربية من شمالها وشرقها، فتحدها ليبيا من الشمال، والسودان من الشرق، وجمهورية إفريقيا الوسطى من الجنوب، والكاميرون ونيجيريا من الجنوب الغربي، والنيجر من الغرب.

خارطة تشاد
خارطة تشاد

واللغات الرسمية في تشاد هي العربية والفرنسية، وهو ما ينص عليه الدستور. واللغة العربية أكثر اللغات انتشارًا في الشمال، كما أن معظم السكان مسلمون. والقنوات الفضائية للدولة تبث أخبارها بالعربية، وشريط أخبارها يكتب باللغة العربية.

يقول الأستاذ الدكتور يحيى عثمان جبر “في تشاد اليوم أخلاط من العرب، قدموا من السودان وليبيا، ولا سيما إبان الغزو الإيطالي لليبيا، حين اضطر كثير من الليبيين إلى الفرار من بطش الطليان، ومنهم من قدم من غرب إفريقية.

ومن أشهر قبائل تشاد: الفور والزغاوة، وهما تنتشران في الصحراء الواسعة التي تمتد بين السودان وتشاد من شمال البلاد إلى موقع متقدم نحو الجنوب.

وهناك قبائل المسيرية وعرب المحاميد والمساليت، وهذه الأخيرة أبلت بلاء حسنًا في مقارعة الفرنسيين عام 1911م حين تقدمت قواتهم من تشاد شرقًا نحو السودان. ومن القبائل العربية الخالصة: القرعان، وأولاد علي وأولاد سليمان والقذاذفة، وهم من أصول ليبية.

ولا ننسى أن نُذكّر بما كان للأزهر والحركة السنوسية والطرق الصوفية كـ: التيجانية والميرغنية من دور في إدخال العرب والعربية إلى تشاد.

والعربية تلقى رعاية من الرئيس مباشرة فمثلاً: في الفترة ما بين 18 إلى 24 ديسمبر 2013م نظم الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية في تشاد تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية السيد/ إدريس ديبي إتنو الأسبوع الوطني الأول للغة العربية في جمهورية تشاد، والذي تزامن مع اليوم العالمي للغة العربية.

تقرير عن اللغة العربية في تشاد

وفي سنة 2010م وفي قمة سرت العربية طُرح أمر انضمام تشاد لجامعة الدول العربية، وقد أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى أن هناك دولتين من دول الجوار العربي الإفريقي لديهما كل الشروط لأن تصبحا عضوًا في جامعة الدول العربية وهما تشاد وإريتريا.

وقال موسى في المؤتمر الصحفي السنوي بمقر الجامعة العربية: “إن هاتين الدولتين يجب ضمهما للجامعة في إطار مقترح لإنشاء رابطة دول الجوار العربي، مشيرًا إلى أن اللغة العربية في تشاد هي اللغة الرسمية، وتجاور الدول العربية جغرافيًّا، ولهذا سيقوم بزيارتها قريبًا لتفعيل ما تم الاتفاق عليه في القمة العربية في (سرت)؛ لاتخاذ الإجراءات الخاصة بضم تشاد إلى الجامعة العربية، على أن يكون ضم إريتريا للجامعة في وقت تالٍ لتشاد”.

ورغم ذلك لم تنضم تشاد للجامعة العربية. والعجيب أن العرب كأنهم يعرضون عمن يرغب فيهم. ولعل العرب وجامعتهم وأنظمتهم يهتمون بمثل هذه البلدان، وهو من الأمن القومي للمنطقة، وتقوية وتدعيم لهم وللغتهم وهويتهم.