يأتي رمضان هذا العام ليس كأي رمضان مضى، إنه بعد جولة مصارعة مع كورونا وأخواتها، بعد تعطيل المصالح والمساجد والمؤسسات، بعد أن خضع العالم أجمع لجملة من الإجراءات والاحترازات طالت الجميع بلا استثناء، اكتوى الجميع بنارها، وها هو ذا يفيق منها بعد فترة طويلة؛ كان وما زال لها بقايا أثر على روح الإنسان ونفسه، وعلى المجتمع المحلي والعالمي.

يجيء رمضان هذا العام وقد أصيب النفوس والأرواح بسبب نكبة كورونا، والعيش في حياة منعزلة، حياة قائدها ورئيسها العالم الافتراضي، حيث عاش الرجال والنساء والشباب والفتيات والأطفال في بيوتهم مع التلفاز والهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب؛ ليترك أثرا سلبيا على نفوس البشر.

يجيء رمضان هذا العام متنفسا للصالحين، ومرتعا للصائمين، ورحمة للمتعبين؛ كي يخففوا عنهم تلك الآلام التي خلفتها الحروب والأزمات، يأتي رمضان ضيفا مباركا على الفرد والأسرة والمجتمع، بل وعلى العالم أجمع، كما أخرج النسائي بسنده عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أتاكم شهر رمضان؛ شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها؛ فقد حرم. صححه الألباني.

وإذا كان الإنسان لم يستطع أن يكبح شرور نفسه؛ ففي صيام رمضان كبح للشهوة الحيوانية في الإنسان، وارتقاء بروحه؛ كي يعود سيرته الأولى من الفطرة النقية.

يجيء رمضان ليظهر معادن الخير في الناس، من إفطار الصائمين، وإطعام الجائعين، ومعاونة المحتاجين، ومد يد الخير للناس أجمعين؛ حتى يكون الشهر بركة مباركا فيه للعالمين.

يجيء رمضان ليظهر المعادن النقية، ويبرز العطاء الإنساني في عون الآخرين، كما ورد في الحديث: “من فطر صائما كان له مثل أجره”.

يجيء رمضان ليحمي الإنسان والبشرية من الشرور الداخلية والخارجية، وهذا ماورد في الحديث الصحيح: ” الصيام جنة“، فهو وقاية من كل أذى.

إن رمضان هذا العام مثل النهر الذي ينتظره الناس يغتسلون فيه ويتطهرون ببركاته من الأدران التي علقت بهم والأوساخ التي لصقت بأبدانهم وأرواحهم؛ فيسبحون في خيره، وينهلون من معين بركته؛ كي يرجعوا – كما كانوا على فطرتهم- أكثر نقاء وعطاء وحبا ووفاء، فهو بحق شهر العطاء الوفير.