لغة التسامح لا بد أن يتعلمها الطفل منذ نعومة أظفاره حتى نصل إلى المستويات الإنمائية الراقية بالطفل والتي تجعله يتجه إلى الآخر ودودًا متسامحًا، والسؤال الآن: كيف يتم تعليم الطفل فن التسامح؟

للإجابة عن هذا السؤال المهم، نهيب بالآباء والأمهات الاهتمام بالأمور الآتية:

1- الاهتمام بلغة الحوار على اعتبار أن لغة الحوار هي حجر الزاوية في تعليم الطفل التسامح؛ لأنها بداية المعرفة واستخدام الألفاظ وتوظيف المعاني حتى تتكون لدى المستمع إليه علاقة حميمة.

2- لابد أن نجنب الأطفال التنافس البغيض والمعايرة الكاذبة والصَلَف المُزَيَّف، فإذا كان التنافس شريفًا وموضوعيًّا فإنه يَخلق جوًّا من الألفة وتبادل الخبرة، وإذا كان التنافس يعتمد على وأد قدرات الآخرين وتحقيق المكاسب الفردية دون النظر إلى الزملاء، فإن الطفل يحتاج إلى أن يتعلم فَنَّ التسامح من خلال التنافس الموضوعي، ذلك الذي يدفعه إلى الاعتراف بقدرات الآخرين وتهنئة المتميزين وإعطاء كل ذي حق حقه، ذلك هو التسامح المطلوب الذي يجعل صاحبه يرتقي دائمًا من الأنانية البغيضة إلى العطاء السامي الذي يجعله ينظر إلى الآخر بمودة وألفة واحترام.

3- على الآباء والأمهات أن يُعَرِّفُوا الطفل بقدراته دون أن يقلِّلوا من شأنها أو يبالغوا في مدحها، فتقدير الطفل لابد أن يكون سليمًا، ولابد وأن يُلَقَّن عيوبه قبل مميزاته، ويتعلم منذ نعومة أظافره كيف يتقبل النقد دون مجاملة؛ لأن المدح والإطراء دون مُسَوِّغ موضوعي يدفع الطفل إلى الغرور والصلف، فقد يرى في نفسه كفاءة تعلو على الآخرين فيظن وهمًا أنه أفضل منهم، فيعاملهم بقسوة لا تعرف المودة ولا يرى التسامح طريقًا إليها.

4- لابد أن نعلمه كيف يحرص على الأصدقاء، على اعتبار أن تشجيع الصداقات الوفية المخلصة من شأنه أن يكون شبكة من العلاقات الاجتماعية التي يتكون نسيجها من الأصدقاء، فهم أولئك الذين يقدمون له العون ويساعدونه في حل مشكلاته، ولابد أن يعرف أنه يحتاج إلى أن يجمع أكبر قدر ممكن من القلوب الصافية الودودة والصديقة؛ ويحتاج إلى أن يتعلم وهو يمارس هذا السلوك الخُلُقي أن يجاهد وينتقي، ولن يتم له ذلك إلا على أرْضِيَّة من التسامح الجميل؛ فالتسامح هو الذي يصنع الأصدقاء والأبرار.

5- يحتاج الطفل إلى أن نغرس فيه حب العدالة في المعاملة؛ لأن الحب والعدالة قيمتان فعليتان تمثلان بدورهما موقعين أخلاقيَّيْن يتخذهما الإنسان نحو أشباهه من الناس.فإذا كان الحب يسعى إلى تحقيق الوصال بين الناس بعضهم وبعض، فإن العدالة بدورها تهتم بحقوق الآخرين ومطالبهم المشروعة.

6- من الخطأ أن نُعَلِّم الطفل أن التسامح هو تجاوز عن الحقوق أو هو انسحاب من مواقف العمل الجاد، فالتسامح ليس مجرد عاطفة تدفع أصحابها إلى الانسحاب كما يظن البعض، ولكن التسامح يمثل طاقة مُنْتِجة تدفع صاحبها إلى العمل والإنتاج، فالتسامح يُدَعِّم التعاون ويغرس الفضيلة الودودة، ومن هنا يكون دافعًا للعمل والإنجاز ومشجعًا للإرادة ومعترفًا بقدرات الآخرين.

وجدير بالذكر أن تجربة التسامح السامية لا تعرف الأنانية أو إضاعة الوقت أو إخضاع الغير، أو الرغبة في الامتلاك، فكل هذه المظاهر لابد أن يتجنبها الطفل في تنشئته؛ لأنها تعبر عن المرض النفسي الذي لا يرمز إلى المودَّة أو يؤدي إلى إيجابية العلاقات الإنسانية.

وإذا كنا نسعى نحو تدعيم فن التسامح في معاملات الطفل للآخرين فإن هذا السعي المستمر يهدف إلى تدعيم السلوك الطَّيِّب المُشْبِع بالقيم، وهذا السعي يعتمد على مجموعة من المحاور ينبغي على كل أب وكل أم الاهتمام بتغذيتها، وهذه المحاور هي:

محور يتعلق بحرية الطفل : تُعَدُّ حرية الطفل من أهم المحاور التي تدعِّم سلوك التسامح عند الطفل، وهذه الحرية تتمشى مع طبيعة الطفل التي تكره التسلط والحتمية، ولكن حرية الطفل وتلقائيته تدفع كل أب وكل أم أن يحترما تصرفاته وأن يعملا على تنقيتها وتنميتها، بحيث يتعود تحمل المسئولية، تحصينًا له من الوقوع في الخطأ؛ لأن الحرية تضبطها المسئولية وتَحُدُّ من جموحها مجموعة من القيم التي من شأنها أن تهذب سلوكه وتضبطه.

محور يتعلق بتوظيف إرادة الطفل : يحتاج الطفل إلى أن يتعلم كيف يوظف إرادته في التقاط أهمية وضرورة التسامح في حياته، وبقدر ما يتحصل من معانٍ عن أهمية التسامح في تدعيم العلاقات الإنسانية بقدر ما يتجه بإرادته إلى فعل كل ما من شأنه أن يدفعه إلى الأمام ويحقق له التقدم والنمو السليم.

محور يتعلق بمعنى الحياة : وعلينا أخيرًا أن ننتبه إلى ضرورة أن نُدعِّم في الطفل قيمة الحياة التي يعيشها من خلال التواصل الودود والمحبة المتبادلة، وأن الحياة تحتاج إلى مجموعة القيم التي ترتفع بصاحبها عن أدران الماديات، ويلعب فيها التسامح دورًا مهمًّا في تأصيل العلاقات الإنسانية، وأن الحياة تحتاج إلى النظرة الواقعية للأمور تلك التي تعتمد بدورها على توظيف الطاقات البشرية والمهارات، والخروج إلى الحياة بكل ما هو مفيد، ويُعَبِّر عن الطابع البشري الذي يُشعِر الطفل بالمعنى الخصب للحياة، وما ينطوي عليه من إنجاز ينعكس على رؤيته في المستقبل، تلك الرؤية التي تستند إلى التسامح الذي يشكل الحياة “بوَعْي المُتَقَبِّل وصَبْر المُقْتَنع”.