قبل نحو أسبوع خرج الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ بتصريح مثير على صفحته الرسمية، يقر فيه بشكل غير مباشر بوجود مشاكل في الشبكة الاجتماعية، وأن إستراتيجية الشركة لهذا العام ستركز على حلها، في إطار سعيها لمكافحة “الإثارة” و”الأخبار المضللة”. فلماذا قررت فيسبوك القيام بهذا التغيير؟ وما الذي تعنيه هذه التغييرات للمستخدمين؟ وما أثر ذلك على الشركات الإعلامية والإعلانية وعلى فيسبوك نفسه الذي لا يمكن أن يستغني عن أهم مصدر لعائداته المالية؟

بحسب “زوكربيرغ”، فإن شبكة فيسبوك بدأت كوسيلة لتسهيل التواصل بين المستخدمين حول العالم بنيّة تقوية الروابط الاجتماعية قدر الإمكان، لكن وبسبب ازدياد عدد الصفحات العامة وحسابات الشركات التي أصبحت تستغل وجود أكثر من ملياري شخص على الشبكة الاجتماعية، بدأت المشاركات العامة باحتلال المراتب الأولى في صفحة آخر الأخبار (News Feed) الخاصة بالمستخدم، وهو ما يجعل تفاعله مع الشبكة غير شخصي.

ولذلك قرر مؤسس فيسبوك إحداث بعض التغييرات التي ستحدث تدريجيا، وتبدأ بتطوير خوارزميات للحد أولا من المشاركات التي تنشرها الصفحات العامة والشركات، فاسحة المجال أمام مشاركات أصدقاء المستخدم وأفراد عائلته للظهور قبل أي شيء، لتعزيز التواصل بين المستخدم وأصدقائه، والعودة بفيسبوك إلى الجذور التي بني عليها.

ثم أعلن بعد ذلك عن الخطوة الثانية التي تتمثل بإعطاء الأولوية لمشاركات وسائل الإعلام “الجديرة بالثقة” بالظهور في صفحة آخر الأخبار، بحيث تكون الأفضلية “للأخبار ذات الجودة العالية” على المصادر الأقل جدارة، وستستعين الشركة باستطلاعات الرأي لتحديد ترتيب وسائل الإعلام من حيث الثقة، في إطار سعيها لمكافحة “الإثارة” و”الأخبار المضللة”.

الأسباب الظاهرة والخفية

الشيء الظاهر هو أن فيسبوك -وفقا لكلام زوكربيرغ- تريد العودة إلى جذورها الأساسية وهي ربط الناس ببعضهم، لا ربطهم بالشركات والمؤسسات، وجعل الموقع تجربة أكثر وضوحا وإيجابية من خلال التركيز أكثر على التفاعل مع الأصدقاء وأفراد الأسرة، بدلا من نشر أخبار ناشرين يحاولون رفع نسبة زيارات مواقعهم، أو شركات تحاول استقطاب مزيد من المستهلكين لمنتجاتها.

أما الأسباب الأخرى لهذا التغيير فهي كثيرة، فمثلا قد يكون خطوة أخرى لتطهير سمعة الشركة أنها حاضنة للأخبار المزيفة وتساعد في نشر القصص المضللة، وهي الانتقادات التي رافقتها خلال انتخابات الرئاسة الأميركية في 2016. فمع نهاية هذه الانتخابات تمت مواجهة فيسبوك، ومن خلفه المؤسس بالعديد والكثير من الاتهامات والتشكيك في نوعية الأخبار التي يتم تداولها على موقع فيسبوك، وأتت الضربة الكُبرى المؤثرة على مصداقية مارك ومنصته، بعد الكشف عن عملية روسية محتملة أنفقت قرابة 100,000 دولار على آلاف الإعلانات التي تروج للرسائل الاجتماعية والسياسية المثيرة للانقسام خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية.

وهناك سبب آخر قوي، وهو أن فيسبوك ربما ستتحرك نحو محاسبة المعلنين أكثر كي يصلوا إلى صفحة آخر الأخبار للمستخدمين وبالتالي تحقيق أرباح أكثر، فالتغيير سيعني أن من غير المرجح أن يجد المعلنون طريقهم إلى المستخدمين كالسابق ما لم يدفعوا لفيسبوك.

ومن الأسباب الأخرى المهمة، انخفاض “المشاركة العضوية” -وهي مشاركة المستخدمين لمحتوى عن حياتهم الخاصة، بدلا من مجرد مشاركة روابط لشبكة الإنترنت أو مقاطع فيديو أو صور أنتجها آخرون. وهذا أمر يقلق فيسبوك بصورة مباشرة لأن الناس إن لم ينشروا شيئا عن حياتهم الخاصة، فإنها لن تتمكن من استخدام تلك المعلومات لبيع الإعلانات.

ما الذي يعنيه التغيير للمستخدم؟

ببساطة، إذا كنت تستخدم فيسبوك للتواصل مع الأصدقاء والعائلة فمن المحتمل أن يكون هذا التغيير جيدا، حيث لن تشاهد منشورات الشركات والمؤسسات بنفس الزخم الذي تشاهده الآن، لكنه لن يمنع مثلا ظهور مشاركات قريب أو صديق لك لم ترغب في ظهورها، خاصة إذا أعجب بمنشوراته أو علق عليها أصدقاء آخرون.

أما إذا كنت تفضل مشاهدة منشورات الأخبار كالسابق، فيمكنك القيام بذلك من خلال التوجه إلى الصفحة التي تتبعها والنقر على “متابعة” ثم “مشاهدة أولا”، وسيدفع ذلك منشورات تلك الصفحة إلى قمة صفحة آخر الأخبار.

رعب في المؤسسات الأعلامية

وفقا للتغييرات سيبدأ المستخدم بمشاهدة محتوى عام أقل من الشركات أو العلامات التجارية أو وسائل الإعلام، وسيترتب على ذلك أن يشهد مثل هؤلاء الناشرين انخفاضا ملحوظا في عدد المستخدمين الذين يشاهدون مشاركاتهم على فيسبوك.

وكمثال على ذلك فإن بعض الصحفيين في غواتيمالا -وهي من الدول التي اختبرت فيها التغييرات الجديدة- ذكروا أن نسبة قراءة منشوراتهم انخفضت إلى النصف بين عشية وضحاها، نتيجة لاختفائها عن معظم صفحات آخر الأخبار في فيسبوك.

لكن هذا “الضرر” لن يصيب الجميع، وذلك لأن الناشرين الأكثر تضررا سيكونون أولئك الذين بنوا إستراتيجيتهم حول فيسبوك ويعتمدون على منصته لتوليد حركة إلى صفحاتهم الرسمية ولتحقيق معظم أو حتى كامل عائداتهم، في حين أن المؤسسات الإعلامية التي تملك قاعدة مستخدمين صلبة وتتحكم بمنصاتها الخاصة ستجد سهولة في ركوب موجة التغيير هذه.

لكن المؤسسات الأعلامية والإعلانية أصابها الرعب من التغييرات الجديدة التى أعلنتها إدارة “فيسبوك”، وقرأ خبراء الإعلام الرقمي في هذه التغييرات على خوارزميته وطريقة عرضه للأخبار، إشارات قوية باتجاه ما وُصف بأنه دورة جديدة من دورات التغيير الجوهري في محتوى الإعلام الحديث، يحاول فيسبوك أن يصنعها بتدرج سريع.

مجلة “Inc” وصفت أن التغييرات التي أقدمت عليها “فيسبوك” بـ”هرمجدون“، في إشارة إلى أن ما حدث بالغ الضخامة والأهمية وله آثار كارثية، خصوصاً على وسائل الإعلام والعلامات التجارية والمبدعين الذي يعتمدون على الصفحات من أجل الترويج للمحتوى.

صحيفة “نيويورك تايمز” وفي تقييمها للانعكاسات التي ستتركها الرؤية التي طرحها زوكربيرغ على الصحف والمواقع الإخبارية، أشارت إلى أن تغييرات جوهرية ستحدث في سياسات التحرير والإعلان بهذه المنابر الإعلامية، كونها جميعًا أضحت ومنذ عدة سنوات مدمجة في الفيسبوك، وبقية وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتمد عليها في انتشارها وبالتالي في مواردها الإعلانية.

ونسبت الصحيفة، إلى  خبراء في الإعلام الرقمي قناعتهم بأن التحديث كبير للغاية، وسوف يؤثر على جميع الصفحات في الموقع وتحديدًا لأي مستخدم يتصفح فيسبوك كل يوم بين منشوراته وأخباره الجديدة.

وقالت “لورا هازارد أوين” من جامعة هارفارد، إنني “أعتقد أن هذا التغيير مهم جدًا، ومن شأنه أن يؤثر بشكل خاص على وسائل الإعلام.. سنلاحظ ظهورًا أقل لمنشورات وسائل الإعلام”.

ويرى خبراء آخرون، أن هذا التحديث سيساهم في عرض محتويات الأقارب والأصدقاء بشكل أكبر، على عكس منشورات صفحات الشركات والعلامات التجارية وكذلك وسائل الإعلام.

وذكر الخبير “ايه موسيري”، أن الصفحات في فيسبوك التابعة للصحف والفضائيات والشركات التجارية سوف تعاني من تغيير كبير، وسيكون هنالك نسبة مشاهدات أقل من السابق بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى أن قدرة هذه الصفحات على الوصول إلى المستخدم سوف تقل أيضًا. وتشير التقديرات كما عرضتها نيويورك تايمز، إلى أن الناشرين هم أكثر المتضررين من هذا التغير، حيث إنه وبشكل تدريجي قد لا تجد أي رابط خبري أثناء تصفحك فيسبوك.

هل يمكن مكافحة الأخبار الكاذبة؟

الإعلانات هي المورد الرئيسي لفيسبوك في الاستمرار. لذلك، لا يعتقد الكثيرون أنّ مارك يمكنه العيش والحياة والاستمرار بدون هذا المورد الهام، فالجميع أصبح تواجده على فيسبوك ضرورةً لا يقبل النقاش لما يوفره من وصول سريع وعملي لأكثر من ملياري شخص من مستخدمي المنصة، فهل هنالك موقع يتوفر فيه هذا العدد من المستخدمين؟!

حديث مارك عن أنّ هدفه جعل المنصة أكثر اجتماعيةً، ما هو إلّا تكتيك تم اتباعه لصرف الأنظار عن الاتهامات التي أصبحت تهطل كالمطر على المنصة في تغذيته للأخبار الكاذبة من الانتخابات الأمريكية، إلى انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، إلى ثوراتنا العربية التي كان الفيسبوك العامل المؤثر في انطلاقها.

لذلك، فإنّ مارك قد مل وتعب من هذه الاتهامات حول منصته. وأراد إشراك مستخدمي الموقع في صناعة الحدث ورفع يده كُليًا عن تأثير منصته في هذه الجانب، أمّا عن الإعلانات فلا تعتقد عزيزي القارئ أنّها ستنقطع عن صفحتك الرئيسية، فخوارزمية المنصة لن ولم تنقطع عن بث الإعلانات لك، وستجد أنّ أرباح الشركة في الربع القادم أكثر مما يتخيله مارك نفسه، ففي النهاية فيسبوك أثبت بمرور الأيام أنّها مجرد شركة إعلانية حتى وإنت تظاهرت بأنّها منصة للتواصل الاجتماعي.