هو محمد بن علي بن آدم بن موسى الأثيوبي نزيل مكة المكرمة، سليل أسرة العلم، عظيم الذكاء، ضنين بالوقت، دؤوب نشيط في العلم تعليما وتأليفا وتحقيقا، طويل النفس، نموذج مميز لأهل العصر، كانت له جولة واسعة في التأصيل، دخل عمق العلم متنقلا من فن إلى فن حتى صار بارعا في كثير من علوم الدين لا سيما الحديث والفقه والأصول واللغة.

كان الشيخ محمد يجمع الزهد والحلم والأناة وحسن الخلق كما شهد له بذلك من عايشه، وكان مولوده عام 1366هـ في أثيوبيا، وتوفي في مكة المكرمة من شهر صفر عام 1442ه، وكانت جنازته جنازة مشهودة رحمه الله تعالى وتقبله في الصالحين.

تراثه العلمي

افتقدت المكتبات الإسلامية كاتبا عزيزا، ومؤلفا كبيرا، ومحققا جليلا، وشخصية موسوعية، ولقد كان الشيخ محمد غزير الانتاجات وزعيما من زعماء المكتبات في نشر الكتب القيمة، فقلمه يكتب النثر ويكتب النظم بلغة الكتاب والسنة الفصيحة في شتى المجالات التى تخدم الدين.

ويمكن تقسيم آثاره العلمية إلى قسمين: قسم في فنون مختلفة، وقسم في الحديث الشريف.

القسم الأول: كتاباته في غير الحديث

 ومما خلفه قلم الشيخ من الفنون العلمية الآتية:

1-العقيدة: حيث نظم بعض مسائل العقيدة في منظومة ألفية التوحيد، المسماة “الدرة المضية في نظم توحيد رب البرية” في 1002 بيتا، تطرق فيها إلى ذكر أهم مبادئ العقيدة وملحقاتها ونواقضها.

2-أصول الفقه: حرر الشيخ في الأصول كتابه “الجليس الصالح النافع بتوضيح معاني الكوكب الساطع.” وهذا السفر النفيس، شرح لكتاب الكوكب الساطع (نظم جمع الجوامع للسيوطي) والذي يعتبر عند أهل الأصول من أشمل المنظومات الأصولية وأنفسها وعمدتها، فقام الشيخ بشرحه وتوضيح مشكله وضبط ألفاظه ليكون عونا لمن يريد حفظه.

وله في الأصول أيضا: كتاب “التحفة المرضية في نظم المسائل الأصولية على طريقة أهل السنة السَّنِية” وهي منظومة أصولية سنية صافية، خرجت من بنان الشيخ، وناهزت هذه المنظومة 3074 بيتا أورد فيها “جل المسائل الأصولية التي يحتاجها طالب علم الأصول، على طريقة أهل السنة والحديث، بعيدا عن آراء وأقوال المبتدعة والمتكلمين”[1] “وقد تميز هذا النظم المبارك بكونه سلسا عذبا سهلا رائقا، بعيدا عن منهج الكلام الذي جعل من علم الأصول فنا معقدا، لما أدخلوا فيه من المسائل التي ليست منه، والمخالفة لكلام السلف رحمهم الله” وللشيخ شرح وجيز على هذا النظم أسماه: “المنحة المرضية”[2]

3- اللغة العربية: يعد الشيخ من رموز أهل اللغة الناضجين البارزين، وحسبك أن تقلب صفحات من أي كتابه لترى مدى رسوخ قلمه في العربية ونفاذ بصيرته وتمكنه فيها، ومن مؤلفاته التى تشهد له في الباب كتابه:” البهجة المرضية فى نظم المتممة الآجرومية  لتقريب المسائل النحوية” وهذه المنظومة التى بلغ عدد أبياتها 762 بيتا، تعتبر “من أكثر المختصرات نفعا في علم النحو، وقد حوت أكثر أبواب ألفية ابن مالك رحمه الله، إلى جانب كونها دقيقة العبارة سهلة المأخذ لطلاب النحو
وله أيضا في اللغة كتاب “فتح الكريم اللطيف شرح أرجوزة التصريف” وهو شرح مفيد، وضبط مهم لأبيات منظومة (أرجوزة التصريف)، حاوية 770 بيتا، للشيخ عبد الباسط بن محمد البورني المناسي.

وثمة كتب أخرى للشيخ في فنون أخرى تعرب عن قيمة شخصيته العلمية ومدى اتساع مداركه البحثية، إلا أن الطابع البارز في اهتمام الشيخ العلمي هو علم الحديث، ومن ثم اشتهر بلقب “المحدث” فنعم اللقب.

القسم الثاني: كتاباته في الحديث

وأما ما يتصل بقسم الحديث من تراثه العلمي، فإنه يأتى كاتالي:  

أولا: بصماته الطاهرة في كتب السنة النبوية

استنار الشيخ محمد بسيرة السلف في الإخلاص للعلم والانقطاع إلى خدمة السنة النبوية، وجمع بين اللسان والقلم في مجهود فردي ضخم حتى شيبته كتب الحديثوعلومه، ولم يزل في الكتابة حتى أعوام حياته الأخيرة، فاستطاع بحول الله تعالى أن يخرج للأمة شروحا حديثية مباركة في ساحات مكتبة كتب السنة، والتى نالت إعجاب كثيرين من أئمة السنة المعاصرين، ووصلت قمة الإعزاز والتقدير لدى عامة طلبة العلم والباحثين، وهي شروح تعد بحق موسوعات ثمينة لفهم كثير من متون أحاديث الكتب الستة، ومن تلكم الشروح:

  • شرح سنن النسائي المسمى “ذخيرة العقبى في شرح المجتبى”، ولطالما سمعنا مشايخنا يقولون: شرح سنن النسائى دين على الأمة لم يوف بعد، فجاء هذا الشرح المطول ليؤدى هذا الدين وخاصة من ناحية المتون وتراجم رجال الكتاب، وقد مكث الشيخ في تأليفه خمس عشرة سنة، وفيه البسط وإطالة النفس في تحرير المسائل من بداية الكتاب إلى النهاية على السواء تأسيا بطريقة ابن حجر في الفتح، وخرج الكتاب في أكثر من أربعين مجلدا ضخما، حاملا في طياته كنوزا من الدرر والفوائد المتنوعة.

وقد سئل الشيخ المحدث عبدالمحسن العباد عن أفضل شرح لسنن الإمام النسائي فقال: شرح الشيخ محمد علي آدم الأثيوبي- شفاه الله. وبنحو هذا القول جنح الشيخ الألباني والشيخ المقبل الوادعي والشيخ الفوزان وغيرهم.

  • شرح صحيح مسلم المسمى “البحر المحيط الثجاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج” طُبع في 45 مجلدا، ولاقى رواجا كبيرا – كسابقه- نظرا لقيمته العلمية، وعبارته ماتعة، علما بأنه شرح مقدمة صحيح مسلم قبل شرحه للكتاب في مجلدين مستقلين أسماه “قرة عين المحتاج شرح مقدمة صحيح مسلم بن الحجاج” ناقش فيه القضايا الحديثية.
  • شرح ابن ماجه الموسوم بــــ”مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه” في أربعة أجزاء، وهو شرح متميز لأبواب السنة في مقدمة كتاب سنن ابن ماجه، حيث وصل الشيخ إلى شرح حديث “(266)  بَابُ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ” ولم يكمل شرح الكتاب.
  • شرح جامع الترمذي الذى سماه:” إتحاف الطالب الأحوذي بشرح جامع الإمام الترمذي” وأودعه في 18 مجلدا ولم يكمله، وهو آخر عمل الشيخ مع حرصه الشديد على إتمامه. يقول أحد طلابه: آخر ما لقيته كان يبكي ويتحسَّر من اعتلال صحَّته وقوَّته، ويقول: لن أستطيع إكمالَ شرح جامع الترمذيِّ.[3] كتب الله له أجر النية وإنه ولي ذلك والقادر عليه.

ثانيا: يده البيضاء في علم الحديث

كان الشيخ محمد بارا لعلوم الحديث ومفيدا فيها، وله مشاركة طيبة في كثير من أقسامها، ومن ذلك:

1-المصطلح: له “كتاب إسعاف ذوي الوطر وكتاب البحر المحيط الأزخر” هما كتابان في شرح نظم الدرر ألفية السيوطي، سلك في الكتاب الأول مسلك الاختصار في الشرح، وفي الثانى توسع في الشرح إلا أنه لم يتمه.

وله “منظومة عمدة المحتاط في معرفة من رُمي من الثقات بالاختلاط” في 130 بيتا، ثم قام بشرحه في كتابه ” عدة أولي الاغتباط في شرح عمدة المحتاط في معرفة من رمي من الثقات بالاختلاط”.

وكذا وضع كتاب “الجوهر النفيس في نظم أسماء ومراتب الموصوفين بالتدليس” وهو عبارة عن منظومة مكومة من 118 بيتا.

2- علم العلل: له ألفية علل الحديث اسمها “شافية الغلل بمهمات علم العلل” أصلها من كتاب علل الترمذي وشرح ابن رجب مع إضافة الشيخ. ثم شرح هذه الألفية في كتابه “مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل”.

3- الجرح والتعديل: له منظومة ماتعة في 700 بيتا، الموسومة بـــ “إتحاف النبيل بمهمات علم الجرح والتعديل” ثم وضع عليه الشرح أسماه “إيضاح السبيل شرح إتحاف النبيل بمهمات علم الجرح والتعديل” وله أيضا “منظومة تذكرة الطالبين في بيان الموضوع وأصناف الوضاعين” أورد فيها 150 بيتا، ثم شرحها في كتابه:” الجليس الأمين شرح تذكرة الطالبين في بيان الموضوع وأصناف الوضاعين”. وفي موقع الشيخ الرسمي المزيد عن تراثه العلمي.


من معالم ومميزات كتبه

  1. التأنى والدقة في التأليف، فمثلا: كتابه “ذخيرة العقبى…” هو حصيلة 15 عاما، وكتابه “البحر المحيط التجاج…” هو جهد وثمرة 9 أعوام.
  2. حسن ترتيب الأبواب مع حسن عرض الفصول على المسائل المنطوية على أبحاث متنوعة وعناصر فرعية وأفكار متلاحقة، مما تعطى كتب الشيخ الوحدة الموضوعية.
  3. الشرح الوافي للمقاصد، الحافل بالفوائد،مع جزالة الأسلوب ونصاعة التعبير اللغوي وقوة البيان، وما من كلمة أو نقطة غامضة أو مشكلة ترد أثناء الشرح إلا ووفاها الشيخ حقها من البيان والتوضيح السديد.
  4. بروز شخصية الشيخ الفقهية عند سرد أقوال الفقهاء وترتيبها وتأليف بينها، أو ترجيح بين الآراء دون التقيد بمذهب معين بل عمدته الدليل.
  5. التزام الأمانة العلمية في نقل الآراء والأقوال، وقد كان الشيخ غالبا ما يصف نفسه بـ (الجامع) إشارة إلى كثرة نقوله.
  6. إيراد المسائل العقدية وفق الكتاب والسنة، وما ثبت عن أئمة السلف.
  7. أكثر كتب الشيخ مصبوغة بالصبغة الحديثية.

ثم إن كثيرا من كتب الشيخ ما تكون دراسة فيها مواسعة ومطاولة، مما يجدر أن توصف بالمراجع العلمية.

هذا، وإن كتب الشيخ الحديثية تكسب الطالب ملكة علمية أصيلة يستطع بها على الفهم والفحص، وتمكنه خبرة ودراية بالمنهج السديد في شرح الأحاديث وتوضيح ألفاظها وبيان مقاصدها وتجلية فوائدها، وتبصره الطريقة المثلى في أهلية دراسة الأسانيد وتراجم الرجال وضبط الأسماء وغير ذلك مما تؤسس له منهجية التأصيل، وتُكون شخصيته العلمية، ولكن الأمر مرهونا بالجد والجلد والصبر والتحمل.

يقول الشيخ رحمه الله في وصيته:” فيا أيها الطالب اللبيب، والراغب الأريب، اعلم -أسعدك الله تعالى- أنَّ هذا العلم بطيئ اللزام، بعيد المرام، لا يُرى في المنام، ولا ينال بالأوهام ولا يُورث عن الأباء والأجداد والأعمام، ولا يناله كسلان ولا يُوفَّقَه نومان ولا يُلقَّاه من قطع نهاره بالاجتماع، وليله بالجماع، وإنما يُعطاه من بذل كلّه في سبيل الطلب، ولم يبال لما يناله من كدّ وتعب .[4]


[1]  ينظر: موقع الشيخ العلامة المحدث محمد بن علي آدم الإتيوبي الولوي

[2] المصدر السابق

[3] –  ترجمة الشيخ محمد علي الإيتوبى، مركز السلف للبحوث والدراسات

[4] – الفوائد السمية : ١٤/٢