في تشاد مليون حافظ للقرآن الكريم… نفرح بهذا العدد من الحفاظ حين يتحولون إلى مليون عامل يخرجون بلدهم من فضاء الفقر.

القرآن أقام حضارة الإيمان والعمران، هو هدى وشفاء والرسول رحمة، وكل هذا نقيض الفقر والجهل والمرض التي هي منتجات التخلف والاستبداد، ونحن نعيش في تناقض واضح مع المنهج القرآني حين اعتمدنا القراءة المجردة لكتاب الله أي ركزنا على الجانب التعبدي البحت (وهو مطلوب من غير شك) ولم ننتبه إلى أن هذه القراءة ليست عملا لأن أجر العبادة لا ينفصل عن وظيفتها، والقراءة النموذجية وسيلة إلى غاية، والغاية هي الفهم  والعمل.

على قارئ الكتاب الكريم أن يسأل نفسه: ما جدوى ما قرأت؟ هل سمَت نفسي؟ هل استقمت؟ فهناك أقوام “يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم” وهناك من “يقرأ القرآن والقرآن يلعنه”، وما فائدة صاحب ختمة لا يسقط منها حرفأ وقد أسقط العمل بها؟

إن القرآن رسالة نقرؤها لنفهم مضمونها، وما أبعد قراءة التحرك عن قراءة التبرك، ألم يقل الله تعالى ” يتلونه حق تلاوته” ؟ المطلوب إذًا هو حق التلاوة أو التلاوة الحق، أي معالجة الخلل التربوي في التركيز على الحفظ والقراءة وإهمال الفهم والعمل.

تريدون أمثلة حية؟ التلاوة الحقة تقتضي من القارئ ما يلي: إن كان غاضبا عفا، وإن كان ذا حقد صفح، وإن خاملا نشط، وإن كان غافلا أدرك ارتباط الدنيا بالآخرة…هكذا ينتج المولّد (القرآن) الطاقة (العمل) …المشكلة تكمن في فهم الإسلام أي طبيعة تركيب المولّد وطريقة تشغيله، وهذا هو التناول المقاصدي لكتاب الله وسنة رسوله، هو ليس قفزا على النصوص بل عودة إلى الجذور وغوص في النصوص، ويجب أن نقرّ أن كثيرا من المدارس الدينية رهبانية تحصر الإسلام في جانب المناسك وحده  في حين أن الوحي المنزل يحرر الناس من العبودية لأي صنم مهما كان شكله ويجعل الإنسان مسؤولا ويربيه على تقدير الحياة حين يعطي لها معناها وللموت معناه فيكون صاحب صلة دائمة بالله يقدس قيم الحق والخير والجمال أي ينمي علاقته بالله وبالناس ويبني الحضارة.

هذه هي المعجزة القرآنية، منهج صنع جيلا فريدا وبنى حضارة تجمع بين الربانية والإنسانية، بين التفوق الأخلاقي والعمراني، ومعلوم أن تغيير العقول والأفهام والقلوب والنفوس أعظم إعجازا من قلب العصا حية، كما أن إحياء أمة من موت الشرك والجهل والرذيلة إلى أمة فاتحة منتصرة عادلة أعظم من إحياء بعض الموتى…نحن اليوم أمام هذا التحدي الضخم ، والحلّ ليس في المعجزة الحسية (العصا) ولكن في التعامل الحي مع القرآن لتتوالى معجزاته في الآفاق والنفس وتستوي على حياة الأمة الروحية والمدنية.

هكذا، ولأن التحدي كبير يفضل بعض المسلمين شد القرآن إلى مستواهم بدل الارتفاع إلى مستواه، لهذا نلاحظ أن الإيمان الخاوي يتأقلم مع الاستبداد والظلم والفساد بل يسوّغ كل هذا بمسوغات دينية، وهذا هو بالضبط الإيمان الرهباني الذي جاء القرآن على أنقاضه، القرآن تتلازم عنده قراءة التبرك وقراءة التحرك، والمسلم يقرأ ليفهم ويفهم ليعمل، حينئذ يتحقق السموّ الروحي والسموّ الحياتي، وأي إخلال بأحد الشقيْن يفسد المعادلة القرآنية كلها، القلب المقفل ينتج الثقافة الشكلية التي يستريح إليها الدراويش، والعقل الطاغي ينفلت من أحكام القرآن ولا ينضبط عمله بضوابط الوحي، وكل هذا فتنة لأنه “قسمة ضيزى”.