* لوكسون تشيبار

 

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، في المادة 19 على أن : ” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق  حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.

ويؤكد الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، في المادة 19، على حق كل شخص في إبداء الرأي دون تدخل، وفي الحصول على المعلومات والأفكار بجميع أنواعها وتلقيها ونقلها، بصرف النظر عن الحدود، سواء شفويا أو خطيا أو مطبوعا، في شكل فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها.

وحرية التعبير مقبولة الآن باعتبارها واحدة من أهم حقوق الإنسان الأساسية في القرن الحادي والعشرين في ظل نظام ديمقراطي يعود إلى القرن العشرين، وينبغي أن تكون الوسيلة المستخدمة خالية من أي شكل من أشكال التدخل، من أجل التمتع بحرية التعبير على النحو المنصوص عليه في المادة 19.

أنشأت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مارس 1993 مكتب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير، من أجل إعمال مبدأ الحق في حرية التعبير وحرية وسائط الإعلام على الصعيد الدولي وتبعه تعيين المقرر الخاص الأول بعد ذلك بوقت قصير.

وأعقب ذلك الإجراء بأربع سنوات إنشاء مكتب الممثل المعني بحرية وسائط الإعلام التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في نوفمبر 1997. في حين أن لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان عينت مقررا خاصا يعنى بحرية التعبير في منظمة الدول الأمريكية في أكتوبر 1997.

وقد اضطلعت الآليات الدولية والإقليمية لتعزيز وحماية حقوق التعبير الحر بدور قيادي في وضع أفضل المعايير والممارسات من خلال اجتماعاتها السنوية.

وشملت هذه الاجتماعات التي بدأت في عام 1999 جميع القضايا ذات الصلة والناشئة والمؤثرة على ممارسة حرية التعبير، وحذرت بياناتها في نوفمبر عام 2000 من تهديدين لحرية الإعلام هما : الاعتداء على الصحفيين وغيرهم ممن يمارسون حقهم في حرية التعبير، وإساءة استخدام قوانين التشهير والقذف المقيدة .

وأولى الاجتماع المشترك الذي عقد في الفترة من 19 إلى 20 نوفمبر 2001، عقب الهجمات الإرهابية التي وقعت في سبتمبر 2001، اهتماما خاصاً لشبكة الإنترنت أكد على :

الحق في حرية التعبير ينطبق على الإنترنت، كما هو الحال بالنسبة لوسائط الاتصال الأخرى.

ينبغي للمجتمع الدولي، فضلا عن الحكومات الوطنية، أن تشجع بنشاط الدخول الشامل إلى الإنترنت، بما في ذلك من خلال دعم إنشاء مراكز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

ينبغي على الدول ألا تعتمد قواعد منفصلة تحد من محتوى الإنترنت.

وكان ذلك بداية لوضع البيئة القانونية والتنظيمية الدولية التي شكلت حرية التعبير على شبكة الإنترنت.

وأكدت المجموعة في اجتماعها المشترك الذي عقد في 21 ديسمبر 2005 “ضرورة التطبيق الصارم للضمانات الدولية لحرية التعبير على شبكة الإنترنت” وأخذت علما “بالمناقشة الجارية بشأن إدارة الإنترنت والنقاشات التي أثيرت حول تدخل الحكومة على الإنترنت “.

وأشاروا إلى أن “أنظمة الرقابة التي لا يسيطر عليها المستعمل النهائي – سواء فرضتها الحكومة أو مزود الخدمات التجارية – هي شكل من أشكال الرقابة المسبقة ولا يمكن تبريرها. وينبغي ألا يسمح بتوزيع منتجات نظام الرقابة المصممة للمستعملين النهائيين إلا عندما توفر هذه المنتجات معلومات واضحة للمستعملين النهائيين عن كيفية عملها ومخاطرها المحتملة من حيث الرقابة الشاملة على الجميع “.

وقد اعتمد الإعلان المشترك بشأن حرية التعبير والإنترنت في 1يونيو 2011 مبادئ عامة بشأن كيفية إدارة الإنترنت، وجدد تأكيده عن مواقف أخرى سبق اعتمادها، بما في ذلك ما يتعلق بالمسؤولية عن تصفية المحتوى وعرقلة الوصول والوساطة والمسؤولية المدنية والجنائية. كما قدمت مبادئ توجيهية بشأن حياد الشبكة، مشيرة إلى أنه ينبغي ألا يكون هناك “تمييز في معاملة بيانات الإنترنت وحركة البيانات، استنادا إلى الجهاز والمحتوى والمؤلف والمنشأ أو وجهة المحتوى أو الخدمة أو التطبيق”.

الإنتشار العالمي للإنترنت وفعاليته، فضلا عن قدرته النسبية وإمكانية الوصول إليه مقارنة بمنصات الاتصال الأخرى، يعني أنه يلعب دوراً رئيسياً في تحقيق عالمية حرية التعبير. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، تعززت التطورات التكنولوجية في مجال الهواتف النقالة، مما زاد من إنتاج المحتوى ومشاركته من خلال الهواتف الذكية، وجعل وسائل التواصل الاجتماعي مصدر المعلومات المفضل للشباب.

وتشمل وسائل الاعلام الاجتماعية مواقع مثل الفيسبوك وتويتر ومواقع مشاركة الفيديو مثل يوتيوب. إلى جانب المشاركة عبر الإنترنت لحالة المستخدم ومعلوماته الشخصية، وتشمل وسائل التواصل الاجتماعي أيضا المدونات والمنتديات وأي جانب من جوانب الوجود التفاعلي، والذي يسمح للأفراد القدرة على الانخراط في المحادثات،  ويفتح نقاشا حول مقالة إخبارية أو تعليقا على حدث معين.

وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي أيضا للتعبئة الاجتماعية دعما لقضايا معينة وتمكن الجماعات من المشاركة فيما بينها بشأن قضايا المصالح المشتركة. ومن خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للسياسين أيضا الحصول على دعم لسياساتهم ومواقفهم مباشرة دون الحاجة إلى وسائط الإعلام التقليدية التي يشعرون في معظم الحالات بأنها لا توفر لهم التغطية المناسبة أو الكافية.

وقد أتاح استخدام الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية التعبئة لقضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع تشجيع زيادة الاتصالات وتقاسم المعلومات، مما يعزز الشفافية والمساءلة.

وربما كانت المخاوف الأمنية هي الدافع الأساسي لكثير من الحكومات في السعي إلى زيادة السيطرة على الإنترنت. وتشمل هذه الرغبة في التعرف على مستخدمي الإنترنت، وحماية المستهلكين من رسائل الاختراق، والحد من الأنشطة الإجرامية ووقف انتهاكات الأمن القومي. وعقب الهجمات الإرهابية التي وقعت في سبتمبر 2001، أصدرت معظم الحكومات قوانين الأمن الالكتروني التي توفر الإطار القانوني لرصد اتصالات الإنترنت، على أساس الأمن القومي.

الأمن القومي هو هدف مهم جداً لمعظم الحكومات في البيئة التي تربط المصالح الأمنية الوطنية لأولئك من دعاة حرية التعبير. وتتطلب الدبلوماسية الأجنبية السرية، ويمكن أن يسبب التعرض للمعلومات حرجا كبيرا، كما اتضح من الإفراج عن المراسلات الدبلوماسية من قبل ويكيليكس في عام 2010. الشركات التي تسعى إلى القيام بأعمال تجارية عالمية على الإنترنت تضطر إلى فهم كيفية الامتثال للقوانين واللوائح والعادات المحلية والوطنية التي تختلف عبر الولايات القضائية. وبذلك، فإن الدفاع عن المبادئ المتعلقة بحرية التعبير أو التضحية بها أو تكييفها يشكل جانباً حاسماً من قرارات الأعمال ذات القضايا القانونية والتجارية والأخلاقية المتعددة.

ومن المعروف أن بعض الدول حظرت الوصول إلى مواقع معينة أو محتوى محدد باستخدام تقنيات المنع و الرقابة، كما حجبت بعض الحكومات بعض تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي خلال أحداث محددة مثل اجراء انتخابات أو استفتاءات أو احتجاجات.

ولحسن الحظ، فإن معظم هذه الحالات تلقت أحكاماً قضائية مناسبة عندما اتخذ المتضررون من الحظر إجراءات قانونية. إن اتخاذ إجراءات قانونية يمثل إشكالية حيث أنه من الصعب جدا تحديد من الذي أمر بالضبط والذين نفذو الحجب لأن الحكومات في بعض الأحيان تلجأ الى استخدام وكلاء مثل مقدمي خدمة الإنترنت أو أولئك المسؤولين عن بوابات الإنترنت.

إن البيئة القانونية والتنظيمية لحرية التعبير على شبكة الإنترنت منصوص عليها بوضوح في الإعلانات والاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية، ولكن من الصعب جدا تنفيذه على المستوى الوطني بسبب استخدام الحكومات في كثير من الأحيان ” الأمن الوطني” كغطاء لانتهاك حقوق التعبير الحر لمواطنيها.


* لوكسون تشيبار من معهد الإعلام في جنوب أفريقيا قدم هذه الورقة خلال ورشة عمل عن حرية الإعلام وعالمية الإنترنت ضمن الورش المصاحبة لمؤتمر: “حرية التعبير: نحو مواجهة المخاطر”  والذي عقد في قطر في الفترة من 23 حتى 25 يوليو 2017