وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية في أغسطس عام 2017م، فإنه يلقى ما يقارب 800000 شخص حتفه كل عام بسبب الانتحار.

وفي مقابل كل حالة انتحار هناك الكثير من الناس الذين يحاولون الانتحار كل عام وتمثل محاولة الانتحار السابقة أهم عامل خطر لعموم السكان.

ويعتبر الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15و 29 عاما.

وتستأثر البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بنحو 78% من حالات الانتحار في العالم.

و يعتبر ابتلاع المبيدات، والشنق والأسلحة النارية من بين الأساليب الأكثر شيوعا للانتحار على مستوى العالم.ا.هـ

ورغم فداحة العدد الذي يقترب من مليون شخص إذا عرفنا أن هناك أعدادا من المنتحرين لا تسجل حالاتهم  في منظمة الصحة العالمية، نجد أن هناك من يرى أن الانتحار ( حرية شخصية)، وأن القول بمنع الانتحار سواء كان ذلك بتشريع ديني، أو تشريع قانوني هو مصادرة للحريات.

معنى حرية الإنسان

وهذا سؤال يرجع إلى سؤال فلسفي كبير، هل الإنسان يملك نفسه؟ وما مدى حرية الإنسان تجاه نفسه؟

فالإنسان حر فيما يملك، ويكتسب، فهو مثلا حر التصرف في ماله، وفي ملكه، يتصرف فيه بالبيع والشراء والهبة والإجارة والوقف وغير ذلك.

والسبب في ذلك أن الملك الذي آل إليه إنما جاء بسبب الكسب والكد والتعب الذي تحصل به من خلاله على ماله، فله أن يتصرف فيه.

وبناء على هذه القاعدة، نتساءل: هل الإنسان هو الذي أوجد نفسه، ووهب لنفسه الحياة؟ والإجابة: لا.

فالله تعالى هو واهب الحياة للإنسان، كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1] بل الإنسان كله هبة الله تعالى، ولذلك جُعل حق إنهاء الحياة لمالك الحياة وليس لمن وهبت له الحياة، كما قال سبحانه {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا } [آل عمران: 145].

فليس من الحرية أن يعتدي الإنسان على شيء هو لا يمتلكه، بل هذا يعد نوعا من التعدي، ولذا قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

وقد عرف عن العقلاء أن من قتل غيره فقد اعتدى على ما لا يحق له، والنتيجة واحدة، سواء قتل نفسه أو قتله غيره، فالنتيجة واحدة، وهو اعتداء يعاقب عليه الشرع والقانون.

ثم إنهاء الإنسان حياته من تلقاء نفسه هو نوع من العقاب والعذاب، ولهذا قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

الحياة هبة الله

ثم الاستعجال بالانتحار هو رفض لهدية الملك سبحانه وتعالى وهبته للإنسان، وإن كان من سوء الأدب مع ملوك الدنيا أن ترد هباتهم وهداياهم، فمن سوء الأدب مع الله تعالى أن ترد هبته الحياة لعبده، فيردها على الله بقتل نفسه.

ثم الإنسان يعيش في الدنيا في ضيافة الله تعالى، فكيف يرفض العبد ضيافة مولاه؟!

ثم إن الله تعالى خلق الـإنسان في هذه الحياة ليطيعه فيما أمر بالفعل، ويطيعه فيما نهى بالترك، وأن يستمتع بالحياة وما فيها من نعيم الله تعالى، فالله تعالى لم يخلقنا لأجل أن نموت، بل لأجل أن نعيش، ثم هو سبحانه وتعالى الذي قدر الآجال؛ فلنترك ما لله لله.

مخالفة للفطرة

ثم إن حب إنهاء الحياة مخالف لفطرة الإنسان، فالإنسان بطبعه لا يحب الموت، ولا يفكر فيه، بل كثير من الناس لا يحبون الحديث عن الموت، فهذه فطرة، ولذلك جاء في الصحيح أن موسى عليه السلام فقأ عين ملك الموت، وعلل ملك الموت أن موسى يحب الحياة، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت”.

ولقد رأينا الناس تدفع كل ما لديها حتى تبقي الإنسان تحت أجهزة الإنعاش، وهم يعلمون أن قريبهم سيموت بعد رفع الأجهزة فورا، وما ذاك إلا حب الحياة لمن نحب، فنفضل أن يبقى على قيد الحياة ولو جثة هامدة أفضل من أن يقال إنه مات، فما بال المرء يقتل نفسه، فيعصي ربه، ويخذل نفسه، ويحزن أقاربه؟!

الإسلام دين الحياة

إن من الخطأ أن يتصور أن الإسلام يدعو إلى الموت، أو أن الحياة شيء ذميم كما يصوره بعض كلام العلماء الذي هو من قبيل مقامات الأحوال، التي لا تتعدى أصحابها، ولا تعبر عن هدي الإسلام في التعامل مع الحياة، فالحياة الدنيا قنطرة إلى الآخرة، ولا يدخل الجنة من المؤمنين أحد إلا عبر الحياة الدنيا بطاعته لله تعالى.

وقد ورد في الحديث:” خيركم من طال عمره، وحسن عمله”. فجعل طول العمر مع حسن العمل في الحياة من الخير الذي ينعم الله تعالى به على عباده، فالحياة نعمة الله لخلقه.

الانتحار هدم للشريعة

ومن يقبل على الانتحار هو يهدم أصلا من أصول تلك الشريعة، وهو حفظ  النفس، فيهدر ما أوجب الله حفظه، ويخالف بذلك أمر ربه.

الوقاية والعلاج

والإقبال على الانتحار هو نوع من الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان، والواجب أن يتداوى الإنسان من ذلك المرض، وذلك من خلال تشخيص حالته، ومعرفة سبب انتحاره، وأن يعالج أولا بالإيمان بالله تعالى والتمسك بدينه، ثم بما قد يصفه الأطباء ومعاونة أقاربه وأصدقائه ومساعدته، ولهذا كان حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الأصدقاء الصالحين؛ لأنهم يرشدون أصدقاءهم لما فيه نفعهم، ويبذلون كل ما يملكون في سبيل تلك الصحبة الصالحة، وقد ورد في الحديث:” المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.

إن خطر الانتحار لا يتوقف عند الشخص نفسه، بل يتعداه إلى المجتمع من الأهل والأقارب، ثم هو بذلك الفعل ينشر سوءه على الناس، فربما يتجرأ بعض من كان يتخوف أن ينتحر، فإذا رأى غيره ينتحر؛ سهل عليه الانتحار، ولهذا كانت الجرائم المعلنة أشد جرما عند الله تعالى من الجرائم التي تفعل في السر، وقد قال الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } [النساء: 148] .