• الاهتمام بالبيئة جزء لا يتجزأ من “التنمية المستدامة”
  • الدول العربية تشترك في العديد من الخصائص والتهديدات المناخية
  • الدول الصناعية الكبرى لا تلتزم بالاتفاقيات البيئية العالمية
  • المدرسة هي القناة الأساسية لتكريس “التربية البيئية”
  • البيئة تحتاج إلى منظومة متكاملة تنطلق من التنشئة الصحيحة

تؤكد الأكاديمية الجزائرية د.منال سخري، المتخصصة في شئون البيئة والتنمية المستدامة، أن الاهتمام بالبيئة أصبح ضرورة ملحة، ويمثل قاسمًا عالميًا مشتركًا؛ لأن الأضرار التي تنتج عن إهمال البيئة تتخطى الحواجز السياسية والجغرافية. كما أشارت الدكتورة منال سخري، في حوار “إسلام أون لاين” معها، إلى أن “البيئة” تحتاج إلى منظومة متكاملة؛ تنطلق من التنشئة الصحيحة في الأسرة والمدرسة، مرورًا بدور تنظيمات المجتمع المدني والإعلام البيئي، وصولاً إلى تهيئة المناخ المؤسساتي والقانوني.. فإلى الحوار:

‏دكتورة منا سخري نود في البداية أن نتعرف على مسيرتكم العلمية.

د.منال سخري: بداية أشكركم على دعوتكم الطيبة، والتي سمحت لي بأخذ مساحة بين طيات هذا الموقع الغني عن التعريف “إسلام أون لاين”.

أعتبر نفسي خريجة المدرسة والجامعة الجزائرية؛ حيث إن مسيرتي العلمية المتواضعة بدأت بنيلي شهادة البكالوريا شعبة الآداب والعلوم الإنسانية، ثم توجهي لدراسة فرع “العلوم السياسية” حيث نلت شهادة الليسانس بتفوق سنة 2009، بعدها اتجهت لإكمال الدراسات العليا، والتي توجت بشهادة الماجستير تخصص السياسات المقارنة (الأولى على الدفعة) بكلية العلوم السياسية جامعة قسنطينة3 (الجزائر) سنة 2013، بعدها تحصلت على شهادة دكتوراه علوم بتقدير “مشرف جدا” تخصص تنظيمات سياسية وإدارية سنة 2020 بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة باتنة01 (الجزائر).

أشغل حاليًا منصب أستاذة محاضرة قسم-أ- بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة2 (الجزائر)، وكنت المسؤولة عن أول ندوة وطنية للحوكمة البيئية في الجزائر سنة 2017. وقد شاركت بالعديد من الأوراق العلمية في مختلف الملتقيات العلمية الوطنية والدولية، والتي تصب بشكل خاص حول موضوع البيئة والحوكمة، كما أنني عضو مراجع ومساعد محرر بدوريات علمية وطنية ودولية.

بعض مؤلفات الأكاديمية الجزائرية منال سخري

أما عن مؤلفاتي فقد ‏صدر لي أول مؤلف علمي بعنوان “السياسة البيئية في الجزائر بين المحددات الداخلية والمقتضيات الدولية” سنة 2017. بعدها عملت على إشراف وتحرير كتابين ضمَّا دراسات خضراء/ بيئية، لثلة من الأساتذة والباحثين من مختلف الجامعات الجزائرية، في جزئين؛ الأول سنة 2019 بعنوان: “دراسات بيئية- رؤى واستراتيجيات”. والكتاب الثاني: “دراسات بيئية- قضايا معاصرة” سنة 2021، بعدها عملت على كتاب ثنائي تحت عنوان: “الحوكمة المحلية في الجزائر- النماذج المحلية المنتخبة نموذجًا”، والذي رأى النور سنة 2022.

مفهوم البيئة قد يبدو فضفاضًا.. نود توضيحه.

د.منال سخري: بهذه الحالة علينا الرجوع للأصل اللغوي للبيئة في اللغة العربية، والذي يعود إلى الجذر “بوأ”، وهو يؤخذ منه الفعل الماضي: أباء وباء، والاسم: البيئة. كما يعبر بالبيئة عن الحالة؛ حالة التبؤة وهي الاسم من التبؤ، فيقال باءت بيئته سوء أي بحال سوء، ويقال باء بالفشل، كما يقال عن البيئة أيضًا المحيط، فيقال ابن بيئته. والبيئة الاجتماعية بمعنى الحالة، ومنه يقال وإنه لَحَسَنُ الَبَيْئَة.

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} (يوسف: 56).

أما اصطلاحًا فقد تعددت التعريفات في استخدامها، ويمكن أن نتبنى التعريف الذي قدمه مؤتمر ستوكهولم: “البيئة ما تخبرنا به حاسة السمع، البصر، الشم، اللمس والذوق؛ سواء كان هذا من صنع الطبيعة أو من صنع الإنسان”. وعليه فالبيئة قسمان؛ “البيئة الطبيعية”: كل ما يحيط بنا من ماء بحار، هواء… أي التي لم يتدخل الإنسان في وجودها. و”بيئة مشيَّدة”: تتمثل في مختلف المظاهر التي قام الإنسان بتشييدها؛ كالطرق، والمؤسسات، والمنشآت المختلفة.

الاهتمام بالبيئة.. هل هو حاجة ضرورية؟ وما أهميته وجدواه؟

د.منال سخري:مما لاشك فيه أن البيئة هي بيت الإنسان في أي بقعة وجد على هذا الكوكب الأزرق.. هي ما نتنفسه من هواء، وما ننعم به من بحار، جبال، سهول، صحارٍ.. هي ما تلبي حاجات ومتطلبات الإنسان من مأوى وملبس وغذاء ودواء.. هي ما تُسَخّر للإنسان الطاقات المختلفة سواء كانت متجددة أو غير متجددة، حتى إن مسعى الإنسان من عقود مضت لم ينجح إلى غاية يومنا هذا بإيجاد كوكب آخر مهيأ بنظامه البيئي صالح للحياة، كما هو الشأن بكوكبنا.

ولهذا، فالحفاظ على البيئة هو أمر واجب، وضرورة قصوى؛ فهناك علاقة تأثير وتأثر بين الإنسان وبيئته، فالعديد من الدراسات والبحوث التي أجريت بهذا الصدد أثبتت أن مصدر العديد من الأمراض التي تصيب البشر البيئة التي يتواجد بها؛ فالبيئة الصحية هي “البيئة الآمنة”، ليس فقط للإنسان، ولكن للحيوات النباتية والحيوانية.

باختصار، البيئة هي الحياة؛ وبقدر الاهتمام والسعي للحفاظ عليها، بقدر ما يتمتع الإنسان بخيراتها وبجودتها.. شريطة أن يكون تعامله مستدامًا.

‏ما أهم معوقات الاهتمام بالبيئة؟

د.منال سخري: غياب الوعي البيئي/ الأخضر هو أصعب معركة تواجه الاهتمام بالقضايا البيئية.. وهو الدور الذي يتشاركه مختلف قنوات التوعية لبلورة هذا الوعي؛ من الأسرة إلى المدرسة وصولاً للتشريعات البيئية.. كما أن عدم وضوح التشريعات وتطبيقها يسهم بالتدهور البيئي وترسيم الممارسات السلبية/ غير الصديقة للبيئة، كالاستغلال الجائر واستنزاف الموارد الطبيعية.. أيضًا اعتبار البيئة قضية ثانوية وعاملاً معرقلاً لتحقيق التنمية الاقتصادية؛ مما يجعلها تتذيل ترتيب الأولويات.

الباحثة الجزائرية الدكتورة منال سخري

قضية الفقر كذلك، تُعتبر تهديدًا للبيئة والتنمية المستدامة.. فكيف لك أن تقنع فردًا لا يملك قوت يومه، أن يصون رأس ماله الطبيعي (بيئته) بشكل مستدام..!

ويمكن القول إن الوعي البيئي بالتهديدات والصدمات البيئية، وحده، غير كافٍ.. فلابد من اتخاذ الخطوات/ السياسات، والالتزام بها وتجسيدها على أرض الواقع؛ حتى نترجم الاهتمام بالقضايا البيئية.

ما المقصود بـ”التنمية المستدامة”؟ وماعلاقتها بالاهتمام بالبيئة؟

د.منال سخري: سؤال وجيه، التقدم الحضاري وما صاحبه من النمو الاقتصادي المتسارع، أسهم في تدهور البيئة؛ فكان لابد من البحث عن حلول لتحقيق التنمية الاقتصادية- دون الإضرار بالبيئة- وضمان تمتع الأجيال الحاضرة واللاحقة على قدر من العدالة والمساواة؛ فكان مفهوم “التنمية المستدامة”؛ والذي يقوم على العديد من الأبعاد، منها البعد البيئي؛ والذي يركز على الاستخدام الأمثل والمستديم للموارد الطبيعية مع ضمان تلبية الحاجات المختلفة.

و”التنمية المستدامة” هي التنمية التي تلبي الاحتياجات الحالية دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية احتياجاتهم. فكما يتمتع الجيل الحاضر بالموارد المتاحة، لابد أن تضمن سياساته وممارساته حق الأجيال المستقبلية بهذه الموارد، كما أشار المبدأ الرابع من مؤتمر ريو دي جانيرو 1992 أنه لا يمكن التفكير في تحقيق التنمية بعيدًا عن البيئة؛ فلابد أن تشكل جزءًا لايتجزأ منها.. لذا، كان على الدول ربط سياساتها المختلفة بـ”التنمية المستدامة”.

‏كيف ترون الواقع العربي فيما يتصل بالاهتمام بالبيئة؟

د.منال سخري: هنالك تباين في الاهتمام بالبيئة بالدول العربية سواء على المستوى الرسمي أو الوطني؛ لكن يبقى أن دول العالم العربي تشترك في العديد من الخصائص والتهديدات المناخية، منها ظاهرة التصحر، ومشكلة ندرة المياه.

وبالنظر إلى أن العالم متجه نحو الانتقال الطاقوي لتبني اقتصاديات الطاقات المتجددة؛ فالدول العربية تعتبر مصدرًا أساسيًّا للعديد من الطاقات، كالشمس، والرياح.. وأعتقد أن المستقبل سيكشف لنا دول عربية رائدة في الاقتصاد الأخضر؛ الأمر الذي يتطلب صيانة البيئة وضمان استدامتها للاستفادة من مواردها.

ماذا عن الاهتمام الدولي؟

د.منال سخري: لابد من الإشارة لنقطة أساسية، وهي أن المشكلات البيئية لا تعترف بالحدود السياسية أو الجغرافية للدول؛ ما يجعلها ملزمة بالتعاون للتصدي للصدمات المناخية/ البيئية، والتي أصبحت تشكل تهديدًا أمنيًا لهذا التعاون، كان منذ القدم في شكل معاهدات دولية لمواجهة المشكلات البيئية، كما حدث سنة 1889 اتفاقية بيرن للحياة النباتية ومنع انتشار نوع من القمل يعرف بالفلكر، كذلك توقيع معاهدة حماية الطيور المفيدة للزراعة، سنة 1902.. إلا أن مؤتمر ستوكهولم 1972 يعتبر الترجمة الحقيقة لتزايد الوعي العالمي بالقضايا البيئية، ومنه توالت العديد من المؤتمرات، مثل: جوهنسبورغ، ريو دي جانيرو، قمة الأرض، وصولاً إلى كوب27 بشرم الشيخ 2022، لكن الإشكال الذي يطرح هو قضية الالتزام العالمي؛ فقمة المناخ الأخيرة كسابقاتها لم تنجح في الوصول لاتفاق عالمي للحد من الانبعاثات الحرارية، بالرغم من وجود وعي عالمي بالتهديدات المناخية؛ لأن الأمر يتعلق باقتصاديات الدول الكبرى.

‏ما موقف الدول الصناعية الكبرى بشأن إجراءات المحافظة على البيئة؟

د.منال سخري: كما سبق وأن أشرت، وجود الوعي العالمي بالتهديدات البيئية لم تترجمه صرامة والتزام دولي؛ فالدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، لا تلتزم بالاتفاقيات العالمية، ولطالما سجل التاريخ انسحاب هذه القوى أو غيابها عن المحافل البيئية/ الخضراء؛ كما حدث بالقمة الأخيرة (كوب27) وغيرها من القمم.

وللأسف، فهذه الدول مسؤولة عن النسب الأعلى لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتي تعتبر السبب الرئيسي للتغيرات المناخية، الذي تدفع تكاليفه باقي الدول، لاسيما النامية.

هل البيئة تحتاج تربية أخلاقية، أم تشريعات، أم كلا الأمرين؟

د.منال سخري: تحتاج البيئة إلى منظومة متكاملة تنطلق من غرس القيم/ التنشئة الصحيحة للسلوكيات الصديقة للبيئة، وهي المهمة المنوطة بالعديد من الفواعل؛ بدءًا من الأسرة إلى المدرسة،كذلك دور تنظيمات المجتمع المدني والإعلام البيئي من جهة، ومن جهة أخرى تهيئة المناخ المؤسساتي والقانوني.. لكن وجود ترسانة من القوانين، ليس معيارًا كافيًا لقياس الاهتمام بالبيئة.

أعتقد أن البيئة بحاجة لتنمية روح المسؤولية والانتماء لها؛ لنصل لمرحلة يدرك الفرد فيها أنه مرتبط ليس بجدران بيته فقط، ولا محيط سيارته؛ وإنما بكل مكان يتواجد فيه. يبقى أن سلوكيات الفرد إزاء البيئة تترجم وعيه وتحضره وانتماءه.

‏وما دور المناهج التعليم في غرس الاهتمام بالبيئة؟

د.منال سخري: سؤال مهم، تعتبر المدارس القناة الأساسية لتكريس “التربية البيئية”، من خلال برامجها ومناهجها التعليمية؛ لذا كان لزامًا أن تراعي هذه الأخيرة تنمية قدرات المتعلم وتوسيع مداركه بالتهديدات البيئية، لتنشئة جيل واعٍ بالتغيرات/ الصدمات المناخية، ومسؤول تجاه بيئته ومحيطه، من خلال تشجيع حملات النظافة، التشجير، النوادي البيئية/ الخضراء..كما أنني أقترح استحداث مادة/ مقياس خاص بالبيئة بالأطوار التعليمية؛ والذي تختلف محتوياتها وفقًا لكل مرحلة تعليمية؛ فعالم اليوم عالم بيئة وطاقة، فلابد أن ننشئ جيلاً يتعايش مع هذه التحديات.

“قضايا البيئة” تمثل قاسمًا مشتركًا بين الدول، وتشكِّل إحدى مسائل الحوار الحضاري.. كيف ترون ذلك؟

د.منال سخري: نعم.. فباعتبارنا بشرًا، نحن نحيا على كوكب واحد (الكوكب الأزرق) يمثل موروثنا المشترك ومصدر رزقنا وأمننا ورفاهيتنا.. كما أننا نتقاسم التهديدات والصدمات المناخية بعيدًا عن الحدود السياسية لدولنا؛ فما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا لمواجهة مختلف التحديات العالمية، التي تهدد أمننا الإنساني وتحقيق العدالة البيئية.

كما نأمل أن الانتقال الطاقوي سيفضي لتوجه الدول، لاسيما الصناعية الكبرى، لصداقة البيئة، والتزامها بمختلف المعاهدات والمواثيق البيئية.. تبقى قضية البيئة هي قضية إرادة عالمية.