توقّفت “مكتبة قطر الوطنية” في السابع من مارس 2019 م عند “دور المرأة في فنون الكتب في العالم الإسلامي” من خلال فعاليات تخلّلتها مداخلات ومحاضرات لمختصين ومختصات في مجالات فنية وبحثية متعددة، استكشفت موهبة المرأة وتأثيرها في الفنون الإسلامية على مر التاريخ.

ولأن هذه الفعاليات تزامنت مع اليوم العالمي للمرأة، فقد ركزت في مجملها على إبراز الجوانب الخفية التي برعت فيها المرأة وأظهرت قدراتها الإبداعية والخلاقة في مجال الفنون وتحديدا إبداعها في مجال فنون صناعة الكتب وإنتاجها، مثل فن الخط العربي والزخرفة ورسم المنمنمات.

وشكّلت فنون الكتاب أحد أبرز مجالات الفنون الإسلامية. ورغم كثرة الأبحاث حول نشأة فنون الكتاب وتطورها بصفة عامة، إلا أن دور المرأة في تطور هذا الفن الإسلامي لا زال غير معروف بشكل كبير، بل أن نساء اشتهرن في فن الرسم والخط والنسخ وساهمن في تقديم فنون راقية عبر التاريخ لكنهن اليوم شبه منسيات وقلّما يجري التوقف عند أخبارهن وإضافاتهن، وليس هذا إلا جزءاً من تهميش المرأة في المرويات التاريخية بالعموم.

فنانات منسيات في البلاط المغولي

وقالت الباحثة الدكتورة “ماهرين شيدا رازفي” أن البلاط المغولي من أهم البلاطات في جنوب شرق آسيا، خرج منه مجموعة من الفنانين الماهرين تجاوزت شهرتهم حدود الدولة، لكن لا أحد يذكر في التاريخ أن هؤلاء لم يكونوا كلهم رجالا، بل كان بينهم نساء أبدعن في فنون الرسم والتخطيط والزخرفة، وتركن لوحات خالدة في التاريخ.

وفي محاضرة بعنوان “فنانات وخطاطات مغمورات في البلاط المغولي”،سلطت ماهرين الضوء على فنانات عملن في البلاط المغولي و شاركن في ورش  مختلفة وأنجزن أعمالا خاصة صورت عدة أحداث وتقاليد ومناسبات في المجتمع المغولي خاصة أثناء حكم الملك “جيهانغير” في القرن السادس عشر، وذكرت ماهرين  أن من بين هؤلاء النسوة الفنانات: نديرة بانو،ورقية بانو، وصحيفة بانو، وأكدت أن معظمهن فنانات من عائلات مرموقة حيث لم يكن من الممكن تصنيفهن في المقام العالي إذا لم يكن من عائلات معروفة، اكتسبن مهارات فائقة في الرسم والخط، لأن رعاية هذه المخطوطات ليس بالأمر السهل، وتضيف أن البلاط المغولي كان يولي أهمية واسعة لممارسة الفنون، وتثقيف النساء وتعليمهن كان من أولويات السياسة المغولية، كما أن هؤلاء الفنانات لم يكن سلبيات بل كن يشاركن في نقاشات ونشاطات البلاط، وكن قويات وصبورات جدا وإلا لما استطعن انتاج كل تلك الأعمال الفنية.

خطاطات في دار الخلافة العثمانية

وكانت الباحثة صبيحة غول أوغلو تناولت موضوع “المكتبات وكتب الأدعية والنساء في دار الخلافة العثمانية”. وسلطت الضوء على المخطوطات التي كانت بحوزة النساء في عهد السلاطين الأتراك مثل السلطان سليمان والسلطان مراد. ومن خطاطات العصر العثماني أسماء بنت أحمد آغا، وناهدة، وسلمى خانوم، والشريفة عائشة، وبعض أمهات السلاطين مثل درة خانوم أم السلطان محمود خان التي خطت مصحفاً يوجد اليوم في المدينة المنورة.

أما أهم عمل قدمته امرأة في الخط في العصر العثماني، فكان المصحف الذي نسخته الشريفة الحافظة زليخة السعدية، وزركشته بزخارف نباتية غريبة وملونة ومذهبة، ولكل صفحة إطار عريض مذهب محاط بخط أزرق دقيق، وأسماء السور مذهبة، وللأشكال الزخرفية رؤوس وذيول ملونة.

وأكدت صبيحة غول أن أغلب تلك التحف واللوحات والمخطوطات مسجلة كجزء من وقف لدى الدولة، ومنها مقتنيات دينية تعود إلى عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضي الله عنها.

كما عرضت خديجة الغواص فيلم قصير بعنوان “رحلة النور”، وألقت الأكاديمية ماريكا ساردار ورقة بعنوان “المرأة المغولية راعية للمخطوطات: حمیدہ بانو بيجم نموذجا”، فيما ألقت الباحثة أنيتا شودري ورقة حول “الرحلة الشخصية لامرأة مع الزخارف الإسلامية”، واختتمت الجلسات الباحثة فيدا أحمد بمداخلة تناولت فيها “استلهام التقاليد”.

استذكار فنون النساء في التاريخ الإسلامي

وكانت هذه المحاضرات مناسبة لاستذكار سير وتواريخ وفنون خطّاطات من مشرق ومغرب التاريخ الإسلامي، فقد عرفت الحضارة الإسلامية خطّاطات في العراق، وحلب، والمغرب العربي، والأندلس، وتركيا وغيرها.

ومن أبرز خطّاطات العصر العباسي فاطمة بنت الحسن بن علي العطار الشهيرة بأم الفضل البغدادية الكاتبة، كتبت بالخط المنسوب وزاد الخطّاطون على خطّها بعدما قلّدوها، والرضا بنت الفتح وعُرفت بكثرة ما نسخت من الكتب، وكذلك حافظة خاتون بنت محمد سعيد أفندي.

أما خطّاطات المغرب العربي فاشتهرت منهن فاطمة الحاضنة، والتونسية دُرَّة الكاتبة التي حقّقت شهرة واسعة، ومن أهم أعمالها مصحف الحاضنة.

ومن خطاطات الأندلس لبنى بنت عبد المولى كاتبة الخليفة المستنصر بالله، وراضية، وست نسيم، والنُضَّار، وفرنية كاتبة للخليفة الأندلسي الناصر لدين الله، وسيدة العبدرية، وعائشة القرطبية. أما أشهر خطاطات حلب فيذكر التاريخ فاطمة بنت قريمزان الحلبية، وبوران بنت محمد بن الشحنة.