معيار التفرقة بين النمو التطوري للمؤسسات والتضخم السرطاني لها هو مدى تحقق الفاعلية فيها. فكما أن النمو الصحي لخلايا الأجسام يزيد من قدرتها على أداء وظائفها بكفاءة، أما الأورام السرطانية فتعيقها من أداء وظائفها بكفاءة أو تضعف كفاءتها؛ فإن التضخم السرطاني في المؤسسات يعيقها من تحقيق الفاعلية في أدائها أو يضعف فاعليتها.

والفاعلية المؤسسية لها عناصر تقاس بها، فإن كان النمو المؤسسي متضمناً لتلك العناصر كان النمو تطورياً وإلا كان تضخماً سرطانياً على حساب الفاعلية.

وعناصر الفاعلية أربعة عناصر مترابطة: تحقيق أهداف نوعية، بجودة عالية، وبطرق إبداعية، واستثمار رشيد للموارد. فأساس الفاعلية تحقيق أهداف نوعية بحسب طبيعة المؤسسة والغرض من وجودها وحجم مواردها. فإن كانت المؤسسة لا تحقق إلا أهدافاً بسيطة لا تتسق مع طبيعتها أو لا تلبي الغرض من وجودها أو لا تتناسب مع ضخامة الموارد التي تستنزفها، فهذا يدل على انعدام الفاعلية فيها أو ضعفها.

فمجرد تحقيق أهداف بسيطة لا يسوغ استنزاف موارد ضخمة وإلا كان ذلك هدراً للموارد وإسرافاً مؤسسياً يتعارض مع الاستثمار الرشيد للموارد والذي هو عنصر مهم من عناصر الفاعلية، والإسراف المؤسسي أفحش من الإسراف الفردي لأنه إسراف بالمال العام. كما أن عدم اتساق الأهداف مع طبيعة المؤسسة أو عدم تلبيتها للغرض من وجودها يخل بالعنصر الأول من الفاعلية ألا وهو نوعية الأهداف. فعلى سبيل المثال؛ إذا كانت مؤسسة تعليمية ضخمة بمواردها كجامعة لا تحقق إلا أهدافاً بسيطة مثل نقل معارف، ومهارات من جيل إلى جيل، مما يمكن تحقيقه في مراكز تدريب متواضعة في إمكانياتها، تصبح هذه المؤسسة غير فاعلة ومسرفة لمواردها بل لا مسوغ لوجودها لأنها غير ملبية للغرض الأساس من نشأتها، أو غير محققة للأهداف النوعية المتسقة مع طبيعتها، ولو تضخمت في برامجها وأعداد المنتسبين إليها، فإن هذا التضخم في مثل هذه الحالة يعد تضخماً سرطانياً.

ونوعية الأهداف المحققة للعنصر الأول من عناصر الفاعلية المؤسسية تقاس بمعايير متعارف عليها في أدبيات القيادة؛ من أهمها مدى استجابتها للحاجات والتحديات التي من أجلها أنشئت المؤسسة أصلاً، ومدى استجابتها للحاجات والتحديات المستجدة المسوغة لبقائها، فإن لم تتحقق الاستجابة المطلوبة انعدمت الفاعلية، وبالتالي لم يعد لبقاء المؤسسة مسوغاً ما لم تتدارك ذلك بتطوير أهدافها تطويراً مستجيباً للحاجات والتحديات استجابةً وافيةً.

ولا يكفي للحكم بفاعلية مؤسسة ما مجرد أن تدعي بأن أهدافها نوعية، ما لم تحققها بجودة عالية والتي هي عنصر حيوي آخر من عناصر الفاعلية. والجودة كما تعرف في أدبيات الإدارة المؤسسية تعني باختصار الرفع المستمر من كفاءة منتجات المؤسسة المحققة لأهدافها النوعية مع الاستمرار في الاستثمار الرشيد لمواردها. وعليه؛ فإن المؤسسة الملتزمة بالجودة هي التي تنتج منتجات أو تقدم خدمات ذات كفاءة عالية مع استثمار رشيد للموارد. وهذا يتطلب أن يعمل موظفو المؤسسة بكفاءة، وأن تسعى إدارة المؤسسة لضمان تحقق الكفاءة في الأداء والمنتج وتطويرها باستمرار، وتلك هي المهمة الأساس للإدارة الفاعلة، وإلا كانت إدارة تسييرية.

وتحقيق ذلك كله يتطلب أن ترسخ المؤسسة ثقافة الإبداع والذي هو أحد العناصر الأساسية للفاعلية المؤسسية كذلك. والمقصود بترسيخ ثقافة الإبداع هو أن تكون المؤسسة محفزة وراعية بشكل منتظم ومتواصل لعملية توظيف قوة التخيل – التي هي من أعظم القوى التي تميز الإنسان – في التعاطي مع المشكلات والتحديات المستجدة وتقديم بدائل لحلول مبتكرة ناجعة وتحويلها إلى ممارسات قائمة، كما يقول الخبير الدولي في الابتكار والإبداع السير كين روبنسون.

وبذلك ترتبط وتكتمل العناصر الأساسية الأربعة للفاعلية المؤسسية. وبتحقيقها جميعاً في أي مؤسسة تنمو المؤسسة نمواً تطورياً، وبذلك تتميز عن المؤسسات التي تعاني من التضخم السرطاني الخاوي. ولا علاج ناجع للتضخم السرطاني في أي مؤسسة إلا بالسعي إلى تحقيق الفاعلية المؤسسية.

ولذا؛ فإن السعي لتحقيق الفاعلية واجب إداري ومطلب مؤسسي، وهو قبل ذلك مقصد ديني ومطلب شرعي حيث إنه يدخل ضمن مقصد الإحسان ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا))، “إن الله كتب الإحسان على كل شيء”، وقيمة الإتقان “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.