ما يقع في ” سوق الحب السوداء” التي تدخلها فتياتنا اليوم وتخرج منها بصفقة خاسرة وقلب مجروح.

كانت جدتها توصيها دائما وتقول: إياك أن تكوني رخيصة،  فالرجل يحتقر ما تصل إليه يده بسهولة، لكي ينال قلبك لا بد أن يكون رجلا، ولكي تتأكدي أنه رجل لا بد أن يتقدم لبيت أهلك، ويجلب لك ما تستحقين من مهر ومتاع، ويحفظ لك كرامتك بين أسرتك وأهلك وصديقاتك، فإذا لم يكن قادرا على هذا، فلا تمكنيه من أن ينال قلبك، فقلبك غال لا يستحقه إلا الأكفاء.

إن الحب شيء عجيب، ولو ذهبنا نعرفه ونذكر اختلاف الفلاسفة والعلماء في تفسيره لطال بنا الحديث، ولخرجنا عن مقصد هذا الكتاب، ولكن يكفينا منه في هذا المقام، أنه تلك الطاقة الكهرو اجتماعية التي تمسك قطع المجتمع بعضه إلى بعض، فهذه الطاقة هي التي تربط الأبوين بأبنائهما، وتربط الزوجين ببعضهما، وتربط الأصدقاء بالأصدقاء، فهو المادة التي تشد الناس بعضهم إلى بعض، فإذا قوي في المجتمع زاد تماسكه وإذا ضعف انهارت العلاقات.

لقد كان هذا الحب في الماضي طاقة قوية تحرك الشاب إلى العمل والجد من أجل أن ينال امرأة يعيش معها تجربة الحب، وحيث إنه لم يكن له في ذلك المجتمع المحافظ أن ينال ما يريد إلا عن طريق الزواج، فإنه كان يبذل كل جهده من أجل أن يثبت كفاءته وينال احتراما يؤهله لحشد من يحتاج دعمهم من أهله وعشيرته كي يتقدموا لخطبة تلك الفتاة التي يتوق إليها، وهكذا تكون الشهوة محركا قويا يدفعه للجد والاجتهاد، فإذا نظرت إلى ذلك المجتمع وجدت شبابه جادين مقبلين على ما يقبل عليه الرجال، آخذين في مظاهر النضج والرشد، كي ينال الاحترام اللازم الذي يجعله محل ثقة أهل العروسة.

أما اليوم فقد بنيت المعادلة هكذا: الزواج مسؤولية كبيرة، ولن تقدر عليها إلا في عقدك الثالث أو الرابع، ولكن لا بأس بالتعارف من أجل الزواج يوما ما، ثم يكمل الشيطان المشهد…

هذا في أنبل الصور، أما الصورة الأغلب، فهي هكذا: الزواج مسؤولية كبيرة، لا داعي لها، فمد يدك إلى ما حولك، وبادر الزمن كي تنال أقصى ما تقدر عليه من الشهوة المغلفة بالحب والرومنسية.

وهكذا تتحول تلك الطاقة الكهرواجتماعية إلى قوة إفساد بعد أن كانت قوة إصلاح، وتصبح محركة نحو الزنا بعد أن كانت محركة نحو الزواج،  وسببا في تشتيت المجتمع وتفتيت عناصره، بعد أن كانت سببا في تلاحمه وصلابته، ومن هنا تدرك عظم جرم الزاني وعظم العقوبة التي سلطها الله عليه في الدنيا والآخرة.

قلبكِ ثمين

هناك قلوب معروضة على أرصفة الشوارع مستعملة مهترئة، يقلبها المارة يمينا وشمالا، يساومونها بأخبس الأثمنة، هذه القلوب التي تستجدي الحب بما تطلي من مساحيق التقبيح الجميلة، هي قلوب تستحق الشفقة، إنها فارغة من حب الله، تشعر أنها وحيدة في هذا العالم القاسي، هذا العالم الذي ذاقت  منه مرارات متتالية بسبب الطلاقات المعنوية الكثيرة التي عاشتها، والتي تركت ثقوبا في تلك القلوب حتى أصبحت لا تمسك بداخلها حبا، ولا تستطيع التشبث بشيء، إنها قلوب مزقها خذلان الحبيب، أو تاجر الحب في السوق السوداء.

تجار الحب في هذه السوق السوداء يجيدون عرض أنفسهم، يضعون مساحيق ربما ليس على وجوههم لكن على شعورهم وعلى مظهرهم العام،

تجده شابا في غاية الأناقة والنظافة واللمعان، لكن ليس عنده شيء غير ذلك اللمعان، فهو متشكل على هيئة فخ، من أجل إيقاع قلب جديد، بعد أن يكون قد تعب من القلب القديم، لقد استعمله بما يكفي، وقد أحس أنه بدأ يتعلق به، ويطالبه بلوازم الحب، وهو لا يقدر على تلك اللوازم، إنه يريد الحب فقط، أو الجنس فقط، أو قل يريد الثمرة ولا يريد الشجرة، فليس عنده مكان يغرسها فيه.

استحضري هذه الصورة جيدا، فذلك الشاب الوسيم في تلك السيارة، ليس لديه غرض فيك، بل في تلك الشهوة التي تمثلينها بالنسبة إليه، إنه جذاب جدا، لكنه تافه جدا، إنه لامع جدا، لكنه لمعان فقط،لمعان يختفي بسرعة، لمعان ممتلئ لؤما، وكل ما يضمنه لك: قهوة ومطعم وليال معدودات من بالونات الحب، ثم يختفي.

إن الرجل لا يؤثر فيه كثرة العلاقات، ولا تغيير العشيقات،لأن قلب الرجل غير محتاج إلى الحب، فالرجل مادي والمرأة عاطفية، هكذا  خلقهما الله،

لذلك فإن الخاسر الوحيد في سوق الحب السوداء هي تلك المسكينة التي تقتات على كلمتين جميلتين، فلا تُعرّضي قلبك للسرقة، ولا تجعليه متاحا للصوص، ولا تمكني هواة ركوب أمواج الحب من ممارسة هوايتهم فيك، فهم مجرد باحثين عن المتعة.

قلبك لن يتحمل كثيرا من صدمات الحب، لأن كل صدمة هي طلاق معنوي بالنسبة إليه، قلبك أهم من مالك، فلا تودعيه إلا عند بنك معتمد.

الحمل خارج الرحم

إن الحب نطفة معنوية تحتاج لرحم تعلق فيه،حتى تتغذى وتكبر وتتكون أطوارا إلى أن تصير شيئا صلبا قادرا على تحمل كل أعباء الحياة وتقلباتها، إن الحبال الواثقة التي تربط بها الأسرة ضمن عقد الزواج،هي المكان الوحيد الذي يضمن رحما مستقرا يوفر بيئة مثالية للحب كي ينمو ويستقر، وإن كل حب خارج الزواج فهو حمل خارج الرحم، إما أن يقتل المرأة أو يسقط في أحسن الأحوال.

الحب تلك النفخة الربانية التي تربط بين روحين، لا ينبغي أن تطلب بما يغضب الله، لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لم ير للمتحابين مثل الزواج،لأنه هو المكان الأمثل لينشأ حب طويل الأمل، ثابت الأركان.

إن مغامرة الحب خارج الزواج تخلٍّ عن ذلك العهد العظيم الذي أخذه الله على المرأة المسلمة في قوله تعالى: { يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم } الممتحنة : 12