مع توسع المالية الإسلامية وانتشارها ومع ما حققته هذه المنظومة من استقطاب سريع وواسع لقطاعات كبيرة من المستثمرين وما أظهرته من صلابة تجاه الأزمات المالية العالمية ، تحاول البنوك والمؤسسات المالية الغربية صياغة سياسة احتواء لهذا التوسع ، حيث ظهرت دراسات واسعة من جامعات عريقة في بريطانيا وليسكزمبورغ و فرنسا ودول أخرى تحاول رسم صورة عن منظومة المالية الإسلامية وعن محددات سرعة انتشارها.

 

كما ناقشت الندوات و المؤتمرات والأوراق البحثية ميكانيزما المواجهة والإحتواء لهذه المنظومة، تجسيدا لهذا التوجه قامت العديد من البنوك في الغرب بفتح نوافذ خاصة بالمعاملات الإسلامية ، كما أدرجت بعض الجامعات والمعاهد المتخصصة برامج خاصة بالمالية الإسلامية في مناهجها التعليمية.

هذه الاستراتيجيات مكنت البنوك الغربية من الاستفادة من المنظومة الجديدة عبر ادراجها ضمن الخدمات المصرفية وبالتالي الحد من تداعيات تحول المستثمرين إلى خدمات المالية الإسلامية بعد ما حققته هذه المنظومة من نجاح وهو نجاح دفع بالمتظاهرين في شارع وول ستريت لرفع لافتات تحمل عبارة “Lets Try the Way of Islam in Banking”.

وتعني هذه العبارة دعونا نجرب طريقة الإسلام في تسيير البنوك وهي عبارة تعكس مستوى الامتعاض من المنظومة المالية التقليدية. تركز هذه المقالة على استراتيجيات الاحتواء التى تقوم بها البنوك الغربية للمالية الإسلامية وإلى أي حد انتشرت هذه المنظومة في الغرب حتى اصبحت منافس قوي للمنظومة المصرفية التقليدية.

بريطانيا تتربع على سوق الصكوك

تعتبر بريطانيا من الدول الأوربية التى حققت انجازا كبيرا في سياسة احتواء المالية الإسلامية حيث يرى المراقبون والمهتمون بهذا المجال أن التمويل الإسلامي يعزز مكانة بريطانيا كمركز مالي عالمي، وتشير التقارير المالية إلى أن لندن تحمل لقب الريادة عالميا في مجال تداول العملات. سياسات الحكومة البريطانية والقطاع الخاص في احتواء المالية الإسلامية جعل من لندن إحدى المراكز الريادية للتمويل الإسلامي خارج العالم الالعالم الإسلامي.

ويبلغ إجمالي أصول المؤسسات المالية العاملة في لندن والتى تقدم خدمات التمويل الإسلامي 5 مليارات دولار وهو ما يجعل لندن مركز استقطاب قوى للاستثمارات التى تستهدف قطاع المالية الإسلامية. تشير التقارير المالية بأن أكثر من عشرون بنكا في بريطانيا تقدم خدمات المالية الإسلامية من خلال نوافذ محدد خاصة بهذه المنظومة، ومن ضمن هذه البنوك توجد خمس بنوك موافقة للشريعة بشكل كامل من بينها بنك الريان حيث يوفر هذا المصرف خدمات لأكثر من 85000 عميل في بريطانيا.

ويعتبر هذا المصرف أكبر مزود للتمويل العقاري الإسلامي في بريطانيا. مكنت هذه السياسة التى انتهجت بريطانيا تجاه المالية الإسلامية من جذب الاستثمارات التى تستهدف الصكوك و غيرها من الخدمات المالية الإسلامية وبالتالي نجحت في الحصول على حصة مهمة من سوق المالية الإسلامية وإن كان ذلك على حساب بعض الدول الإسلامية.

فرنسا قوانين تظيمية وخطوات تطويرية

شكلت أزمة 2008 المالية صدمة للنظام المصرفي في أوربا وأمريكا ، خلال هذه الأزمة بدأت العديد من الدول الأوربية في دراسات خيارات أخرى لتجنب هذه الأزمات المقلقة والتي أصبحت تتفاقم بشكل دوري مسببة مشاكل اقتصادية ومالية لهذه الدول، في مطلع هذه الأزمة صدر التقرير الفرنسي Jouini-Pastré الذي أشار إلى أن فرنسا قد أدركت أخيرا إمكانات مهمة للإستفادة من إنشاء سوق للمالية الإسلامية.

في نفس العام و في مؤتمر عقد في باريس حول التمويل الإسلامي ، هتفت وزيرة الاقتصاد الفرنسية آنذاك ، كريستين لاجارد قائلة: “نود أن نجعل باريس سوقًا أفضل للتمويل الإسلامي ، لا سيما في ظل هذه الأزمة ، وهذا التقلب في السوق المالي العالمي” كانت لاجادر تجسد اقترحات تقرير Jouini-Pastré الذي طالب بإصلاحات تشمل : زيادة الدعاية للمالية الإسلامية في الإعلام الفرنسي ، وصياغة القوانين للازمة لأدوات التمويل الإسلامي ،من هذه القوانين قانون خاص بمؤشر البورصة للصناديق الإسلامية التي أنشأتها NYSE Euronext على غرار مؤشر S&P  الأمريكي الخاص بسوق المال الإسلامي.

ومن ضمن ستراتيجية فرنسا في تطوير المالية الإسلامية : إنشاء سوق ثانوي للصكوك ، تطوير التأمين الإسلامي مع منتجات مثل التكافل وإعادة التكافل ، مما يسهل على المؤسسات المالية الدولية الحصول على التراخيص المصرفية هذا بالإضافة إلى تدريس التمويل الإسلامي في الجامعات الفرنسية.

ستستفيد البنوك والمؤسسات المالية الغربية من سياسة الإحتواء هذه عبر توفير خيارات خدمات المالية الإسلامية لزبنائها وهو ما يحد من انتقال الزبناء من هذه البنوك إلى المصارف الإسلامية خاصة بعد أن أثبتت هذه المنظومة صلابتها في مواجهة الأزمات وما تتميز به من خصائص تتعلق بمخاطر الاستثمار و سهولة و مرونة العمل هذه المنظومة.

ويجري الاعتقاد بأن سبب نجاح الغرب في استقطاب المالية الإسلامية بشكل أصبح يزاحم الدول الإسلامية  يعود لمجموعة من العوامل تتميز بها الدول الغربية من هذه العوامل : التطور التكنلوجي، الكفاءة الإدارية ، كفاءة المنظومة القضائية ، دعم الابتكارات ، تطور القطاع المالي ، هذه العوامل ساهمت في احتواء المالية الإسلامية في الغرب وأدت إلى هجرة الكثير من الاستثمارات الإسلامية إلى هذه الدول.

هناك خطوات مهمة تحتاجها الدول الإسلامية لتطوير هذا النظام المالي وتوطين الاستثمارات في هذه الدول من ضمن هذه الخطوات : تطوير المنظومة التعليمية، والقضائية و دعم التكنلوجيا وإدخالها إلى المؤسسات المصرفية لتسهيل الخدمات وكفائتها.