ألم تجد نفسك أحياناً كثيرة من بعد أن يضغط شعور الحزن والألم أو الأسى والقهر على النفس لأي سبب كان، وقد تبادر إلى ذهنك أمرٌ يدفعك إلى الشعور بأنك الوحيد الذي يعيش هذا الألم أو الأسى أو ما شابه من مشاعر وأحاسيس ومواقف، وتنسى ولو لبرهة من الزمن أن هناك سبعة آلاف مليون إنسان على هذه الأرض، وربما عشرة ملايين منهم يشعرون بما تشعر به وفي ذات الوقت، ويتألمون كما تتألم، أو ربما يتهيأ لهم أمرٌ شبيه بما أنت عليه.

إن كنت فقيراً فهناك من هم أفقر منك، وإن كنت ضعيفاً فهناك من هم أضعف منك، وإن كنت حزيناً متألماً فاعلم أن هناك الكثير ممن هم يتألمون أكثر منك.. ولكن إن كنت قوياً وغنياً وسليماً وذا عقل تستخدمه فاعلم أن هنالك أيضاً ودوماً من هو أقدر وأغنى وأحكم منك..

ما يعني أنه كما يوجد من هو أفضل منك، هناك أيضاً من هو أتعس منك، وهذه هي الحياة، تناقضات وتفاوتات وقدرات، وهكذا البشر بل هكذا هي الحياة. الشاهد مما سبق من القول أن هناك حقيقة واضحة دائماً نتناساها أو ربما ننساها في زحمة الحياة الدنيا، وتلكم الحقيقة هي أنك لست الوحيد في هذا العالم أو الحياة الذي يعاني فقط أو يتألم أو يشعر بالظلم أو يمرض أو يتكدر، أو غير ذلك من سلبيات ومآسٍ وقساوة من العيش عميقة..

وأقول إنك لست الوحيد بل لن تكون الوحيد الفقير أو المظلوم أو المتألم والمتكدر، لأنه لو صح رأيك أو زعمك بأنك الوحيد فعلاً، فلن تصل بك الأمور إلى ما تشعر به الآن؟! أتدري لماذا؟

 إليك الإجابة.. لو كان كل من على الأرض يعيش حياة هادئة هانئة عنده ما يتمناه، لا قسوة فيها أو ظلم أو كدر، فلن تجد أحدهم يأتي ليظلمك أو يقسو عليك أو يضرك بشيء، إلا من به خلل في تكوينه النفسي أساساً، وهذا بالطبع ليس قاعدة يمكن أن نبني الأحكام عليها وفق تصرفاته، ولكن الحقيقة والأصل أن الإنسان لا يظلم غيره ما لم يجد الدافع إلى ذلك، بل لماذا يفعل ذلك ويظلم مثلاً، وهو يعيش تلك الحياة التي نطمح إليها جميعاً؟ أو هكذا الأصل أو الفطرة السليمة. مع ذلك كله، ربما تقول: هناك من تتوفر فيهم كل تلك الصفات التي ذكرتها ولكن مع ذلك يتلذذون بتعذيب الآخرين وتكدير صفو حياتهم.. ها هنا لا أقول لا ولن أعارضك، بل سأقول لك نعم، هذه قصة أخرى أتفق معك عليها.. لكن لنتعمق بعض الشيء هنا.

إن مآسينا ومشاكلنا ومظالمنا كلها إنما هي نتاج لأمراض نفسية متغلغلة في نفوس البعض الذي يتلذذ بتعذيب الآخرين، رغم عدم وجود دوافع قوية تؤدي بهم إلى ممارسة ذلكم النوع من الفعل مع الآخرين.. أمراض الحقد والحسد والبغضاء واللؤم والغدر وغيرها كثير.. إنها هي الأمراض التي تتسبب في أن يكون هناك ظالم وقاسٍ ومتجبر وفاحش عنيد. ولو أن القلوب صافية لا غل فيها ولا حسد ولا حقد، والعقول متفرغة للتنمية والإنتاج وخير البشر، لم تكن لتجد ضحايا لأولئك الظلمة والمتجبرين والمجرمين. من هنا أريد أن أصل بكم إلى حقيقة دنيوية، كثيراً ما نغفل أو نتغافل عنها أحياناً، مفادها أن هذه الدنيا هي دار كد وكدر، وتعب ونصب، وإعياء وعدم استقرار، وأن حياة هذه صفاتها ومظاهرها، فلا عجب أن تجد فيها مرضى قلوب ومرضى عقول، لا همَّ لديهم سوى إلحاق الضرر بالآخرين والانتعاش على حساب كدر الآخرين.. لكن بالمقابل يعلمنا ديننا أن الصبر والتصابر ها هنا هما العلاج الطبيعي لمثل هذه المشاعر إن كنت أحد الذين يستشعرونها ويحملونها..

فلا تنتظر يوماً أن تكون أو تعيش بلا كدر ولا تعب ولا ألم، ولكن كلما صبرت وتصابرت، اشتد إيمانك وقويت إرادتك، وفهمت حقيقة الحياة الدنيا التي ما هي إلا قنطرة لحياة أخروية نتمنى كسب خيرها ونعيمها. تلك الحياة التي بكل تأكيد لن تكون فيها أي من تلك التي تعانيها أو عانيتها من ذي قبل.. حياة نعيم خالدة، حيث رضوان من الله على من يعيشها يومئذ.. ولمثل ذلك ندعو { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون }.