أعلن فريق علمي دولي تحقيق إنجاز في مجال الفيزياء الفلكية بالتقاط أول صورة على الإطلاق لثقب أسود باستخدام شبكة عالمية من أجهزة التليسكوب مما يتيح فرصة لفهم أفضل لهذه الوحوش السماوية التي تتمتع بقوة جاذبية هائلة لا يفلت منها أي جسم أو ضوء.

وأجرى هذا البحث مشروع (إيفنت هورايزون تليسكوب) وهو مشروع دولي مشترك بدأ عام 2012 في محاولة لرصد بيئة الثقب الأسود باستخدام شبكة عالمية من أجهزة التليسكوب المتمركزة على الأرض.

يعتقد العلماء أن في كل مجرة كبيرة من مجرات الكون يوجد ثقب أسود هائل – منطقة تعمل على التهام أي شيء بما في ذلك الضوء- الأمر الذي جعل العديد من العلماء أن يُطلقوا على الثقب الأسود اسم ” منطقة اللاعودة”.

ويمكن تعريف الثقوب السوداء بأنها منطقة في الفضاء ذات كتلة كبيرةٍ في حجم صغير. كما أن أي مادةٍ موجودة داخل الثقب الأسود تكون معرضة للانضغاط تحت تأثير جاذبيتها الخاصة. مما يعمل على زيادة كثافة المادة ” الجسم” نتيجة لتداخل بين جسيمات الذرات وانعدام الفراغ بين الجزئيات. ينتج عن ذلك قوة جاذبية خارقة لها القدرة على جذب أي جسم يمر بالقرب من الثقب مهما بلغت سرعة ذلك الجسم.

الأمر الذي دفع العديد من العلماء أن يسعوا لتعرف أكثر على طبيعة هذه الثقوب ودراستها لسنواتٍ طويلة عبر محاولة التقاط صور لهذه الكتل ” المميتة” باستخدام الكاميرا، لكن هذه العملية كانت مستحيلة نظرًا لانعدام الضوء داخلها.

حتى الآن فإن فهمنا للثقوب السوداء قائم على النماذج والأداءات التي يتم انتاجها عن طريق العلماء والفنانين. على الرغم من عدم قدرة العلماء على رؤية الثقب الأسود إلا أن لديهم القدرة على اكتشاف النجوم والغازات التي تدور حولها عبر موجات الراديو التي يمكن التقاطها بواسطة تلسكوب عالي القدرة. وهذا بدوره هو ما شكل تصورنا عن طبيعة الثقب الأسود بأنه كرة مظلمة محاطة بحلقة متوهجة ذات شكل هلالي مضيئ.

كما وتعود أبرز النظريات المتعلقة بالثقوب السوداء للعالم الفيزيائي ألبرت آينشتاين و العالم ستفين هوكينغ – قبل وفاته عام 2018 حيث افترض هوكينغ ” أن الثقوب السوداء ليست سوداء كما تم توضيحها عبر النماذج التوضيحية” نظرًا لأن هناك بعض الجسيمات داخل الثقب الأسود قد يكون لها قدرة على الإفلات منه.

ووفقًا للنظرية النسبية العامة لآينشتاين فإن الثقب الأسود ضخم للغاية يتحرك بسرعة هائلة بشكل يعمل على تشويه الزمكان ( الحيز المكاني الزمني) ، الأمر الذي يضمن عدم خروج أو حركة أية جزيئات نتيجة لقوة الجاذبية بينها. كما وتعمل هذه القوى على تكوين ظلًا فريدًا ذو شكل دائرة مثالية- أي أن السطح المظلم فيها موجود في منتصفها.

كما أنه من المتوقع أن يكشف العلماء عن أول صورة لثقب الأسود في مشروع عالمي أطلق عليه

( Event Horizon Telescope: EHT)، وهو أول حدث من نوعه للكشف عن أول صورة للثقبٍ أسود فائق الكتلة 10- ابريل القادم. وتأتي هذه الصور نتيجة لعمليات رصدٍ استمرت على مدار عامين.

يعتمد مشروع (EHT) على مجموعة من البيانات التي يتم الحصول عليها من خلال شبكة عالمية من التلسكوبات مهمتها العمل على جمع المعلومات حول الثقوب السوداء منذ عام 2006م.

وتعتبر الثقوب السوداء فائقة الكتلة  (Supermassive)، مثل الثقوب السوداء الأخرى لكن هذه الثقوب تتكون نتيجة لتساقط النجوم على بعضها البعض في نهاية دورة حياتها. أما عن حجمها فيقدر بالمتوسط بأنه أكبر بملايين المرات من الشمس.

وسيتم الكشف خلال المؤتمر (EHT) عن احدى صور لثقبين أسودين فائقا الكتلة،(Sagittarius A)  من مجرة درب التبانة أو من مجرة مسييه 87 (Virgo) المجاورة، حيث يُقدر أن هذا الثقب الأسود أضخم بأربعة ملايين مرة من الشمس ويبعد حوالي 26,000-سنة ضوئية عن الأرض. كما تعتبر مجرة مسييه 87 أكبر ب3.5 مليار مرة من الشمس وتبعد حوالي 54 مليون سنة ضوئية عن الأرض.

وصرح عالم الفيزياء الفلكية بجامعة أكسفورد; جوزفين بيترز (Josephine Peters) لصحيفة بيزنس انسايدر (Business insider): ” مع اقتراب سحابة الغاز من الثقب الأسود فإن سرعتها تزداد بشكل متسارع و ترتفع درجة حرارتها، كما أنها تتوهج بشكل أكثر ” لمعانًا” بحيث تصبح هذه السحابة أكثر سرعة وحرارةً مما يجعلها تقترب بشكل كافٍ نحو الثقب الأسود والذي بدوره يعمل على سحبها على شكل قوس رفيع”

على الرغم من كون الثقوب السوداء ليست قريبة بالشكل الذي يسبب خطرًا على الأرض إلا أنها تشكل احدى أعظم أسرار العلوم حيث أن تحديد كيف تبدو بشكل حقيقي هي خطوة غير مسبوقة نحو فهم طبيعة الكون أجمع.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل الصور التي سيتم عرضها ستوافق وتؤكد على فرضيات آينشتاين وهوكينج أم أنها ستخالف جميع هذه الافتراضات؟