عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر المحرم، وهو من الأيام المعظمة في الأديان السماوية خاصة في اليهودية والإسلام، فهو من أيام الله التي لها شأن عظيم. وتأتي أهمية هذا اليوم أنه يربط الإنسان بالزمن والتاريخ والحضارة والقبلة، في زمن نعيش فيه يراد انسلاخ البشرية عن تاريخها أيا كان تاريخها، وعن دينها، أيا كان دينها، حتى تكون البشرية مسخا، فكان من مقاصد التذكير بهذا اليوم إعادة الناس إلى إنسانيتهم وتاريخهم وحضارتهم.

يعد يوم عاشوراء من الأيام المقدسة في اليهودية، فهم يعتقدون أنه اليوم الذي بدأت فيه الخليقة، وهو اليوم العاشر من شهر ” تشري” العبري، ويسمى عندهم ” يوم عاشوراء أو كيبور” أي يوم الكفارة، فهو عندهم الصوم الواجب وما عداه من الأيام فصيامه مستحب.

وطريقة صيام اليهود ليوم عاشوراء أن يبدأ الصيام قبل غروب الشمس بنحو ربع ساعة إلى ما بعد غروب شمس اليوم التالي بنحو ربع ساعة، فهو قرابة 25 ساعة.

عاشوراء في الإسلام

يستحب صيام يوم عاشوراء، وقد وردت فيه عدة أحاديث ، فقد روي ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء ” (رواه مسلم)، وقال  صلى الله عليه وسلم : ” صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ” (رواه مسلم) ، وفي رواية ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع . قال ابن عباس : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم) .

وروى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس قوله “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان”.

مراتب صيام عاشوراء:

ذكر العلماء لصوم يوم عاشوراء مراتب:
الأول: الاقتصار على صيام يوم عاشوراء.
الثاني: صيام يومي التاسع والعاشر، كما ورد في الحديث.
الثالث: وزاد بعضهم الحادي عشر.
ومن الأحكام التي ذكرها بعض الفقهاء التوسعة على العيال في مثل هذا اليوم، ووردت فيه أحاديث ضعيفة، و قال ابن عيينة : قد جربناه منذ خمسين سنة أو ستين فما رأينا إلا خيرا( كشاف القناع 2 / 339 ط دار الفكر)
أما ما عدا ذلك من الاحتفال والاكتحال والاختضاب في هذا اليوم، فقد نص الفقهاء أنه بدعة، ولا يشرع فيه إلا الصيام لمن شاء.

الحكمة من صوم يوم عاشوراء:

ورد في حكمة صوم يوم عاشوراء ما أخرجه البخاري عن ابن عباس أنه قال “قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه”.

التواصل الحضاري:

من مظاهر التواصل الحضاري في يوم عاشوراء ما يلي:

أولا- أنه يوم معظم عند أصحاب الأديان من اليهودية والإسلام بل حتى في الجاهلية، فقد كانت قريش تصوم يوم عاشوراء، كما ورد في أكثر  من حديث، منها:

ما روته عائشة – رضي الله عنها- قالت: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، فلما جاء الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من شاء صام ومن شاء تركه” رواه مسلم.

وهذا الملمح الحضاري في الإسلام هو أنه جاء دينا متميزا عن غيره من الأديان وخاتما لكل الأديان، إلا أنه لم يأت ليلغي كل شيء عند غيره، فهو دين جاء – كما قال الطاهر بن عاشور رحمه الله- من مقاصده :( التقرير والتغيير)، يعني أنه جاء ليقر ما عند الغير من محامد، ويغير ما عند الغير من مفاسد.

ومن معالم الوصل الحضاري هو إقرار ما كانت تفعله اليهود من صوم هذا اليوم؛ لأن الله نجا موسى عليه السلام في هذا اليوم، فرغم حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود، إلا أنه أشاد بفعلهم، وفعل فعلهم، وفيه من التواصل الحضاري في الإسلام ما قيل: الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها.

وحين يرى الغير المسلمون يفعلون فعلهم؛ لأنه فعل حسن، فهو من أساليب الدعوة إلى الله تعالى، وهو تواصل بين أصحاب الأديان والأمم والحضارات.

ومن التواصل الحضاري قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” فأنا أحق بموسى منكم”، فهذا يدل على التواصل بين أصحاب الأديان، واعتراف الإسلام بنبي الله موسى – عليه السلام- وما جاء به من شريعة الله تعالى وكتابه التوراه قبل التحريف، وفيه احترام الأديان الأخرى، ولو خالفناها، مما يساهم في التواصل الحضاري بين أتباعها.