تعد الدكتورة فاطمة نصيف من أبرز الشخصيات الدعوية النسائية في السعودية، قضت نصف قرن في الدعوة وخدمة ‫القرآن، واحدة من أهم الشخصيات التي برزت في مجال التعليم والعمل الخيري، حيث ساهمت في الكثير من الإنجازات والأعمال التي حققت من خلالها شهرة كبيرة في كافة أرجاء المملكة والوطن العربي ككل.

الدكتورة فاطمة نصيف التي أُعلن عن وفاتها أمس – رحمة الله عليها – شخصية سعودية بارزة في النشاط النسوي والدعوي، عبر أنشطة وملتقيات دعوية في البداية قبل أن تتصدر المشهد الدعوي النسوي في السعودية، فكان لها فضل كبير في تعليم النساء. حيث كانت أول من بدأ دروسا دينية ومحاضرات علمية لنساء جدة، ثم أسست أول مدرسة للبنات في المملكة العربية السعودية وأسست أيضا جمعية للقرآن الكريم.

قضت فاطمة نصيف أكثر من نصف عمرها في الدعوة وتحفيظ القرآن والعمل التطوعي والخيري. وقدمت الكثير من الخدمات للمجتمع النسوي السعودي، وللمجتمع بكل فئاته، فكانت من خير ما أنجبت المملكة العربية السعودية، وأثبتت للعالم أن المرأة المسلمة وبالأخص المرأة السعودية لم تكن يوما مكبلة أو مهمشة، وأن دورها لا يقل عن دور الرجل في  الدعوة إلى الله وتحفيظ القرآن الكريم ودأبها الكبير في مجال البحوث الإسلامية.

الإعلان عن وفاة هذه السيدة الفاضلة، أثار حالة من الحزن على رحيلها، وبشكل خاص من قبل طالباتها، وكذا الطالبات اللواتي تخرجن على يدها من مختلف الجامعات السعودية. وكانت وسائل إعلامية عدة وشخصيات بارزة قد نعت الفقيدة، مثمنة دورها الكبير في الدعوة إلى الله ومساهماتها في الحركة النسوية السعودية، ودورها الكبير في العمل الخيري والحياة الاجتماعية في المملكة. فمن هي الداعية فاطمة نصيف؟

من هي الداعية فاطمة نصيف؟

الدكتورة فاطمة نصيف هي شقيقة العالم الجيولوجي السعودي الدكتور عبدالله نصيف، مدير مؤسسة عبدالله بن عمر نصيف الخيرية في مدينة جدة. اسمها فاطمة نصيف بنت عمر نصيف، متزوجة وأم لـ 6 أطفال وجدة لـ 11 حفيدا. وهي شخصية سعودية معروفة في المملكة وفي كثير من الدول العربية والإسلامية، ولدت عام 1944 ميلادي في محافظة جدة في المملكة العربية السعودية، وتوفيت أمس الثلاثاء 31 يناير من هذا العام 2023، عن عمر ناهز الـ 80 سنة، عاشت في مدينة جدة وتدرجت في المراحل الدراسية بتدرج عمرها. ثم دخلت الجامعة وتخرجت منها ونالت درجة الدكتوراة في الكتاب والسنة من جامعة أم القرى في مدينة مكة المكرمة من (كلية الشريعة) عام 1982.
فاطمة نصيف واحدة من أبرز الشخصيات النسائية العاملة في خدمة الدعوة في شبه الجزيرة العربية، وهي من نسل منزل قديم في الدعوة والعلوم، فضلا عن كونها واحدة من النساء القلائل اللواتي فهمن دور المرأة كما يريد الإسلام.
تميزت الدكتورة فاطمة بوسطيتها وحسن تعاملها حتى مع أصعب الشخصيات فكسبت محبة الجميع واحترام حتى من قد يخالفها، كما تميزت بالاجتهاد، فقد تدربت بصحبة والدها عمر وجدها الباحث المعروف محمد حسين نصيف، الذي كان مرجعا علميا وسياسيا وموطنا لزوار جدة البارزين من العلماء وكبار الشخصيات والسياسيين. وهو ما يطلق عليه في علم الاجتماع بمنزل الأسرة (الممتدة) منزل العائلة الكبير، وكان جدها رحمه الله من محبي العلم، وكان هذا المنزل يستقبل العلماء من كل الأقطار الإسلامية بعائلاتهم على مدار السنة.

نشأتها وحياتها العلمية

تعد الدكتورة فاطمة نصيف واحدة من الشخصيات التي حققت شهرة كبيرة ضمن مجال عملها الأكاديمي، حيث تمكنت من مناقشة العديد من البحوث والرسائل العلمية، وفي ذات الوقت أشرفت على الكثير من البحوث المختلفة.

تمكنت الدكتورة فاطمة نصيف من الحصول على درجة الدكتوراه في تخصص السنة والكتاب خلال عام 1403 هجري من كلية الشريعة، كما حصلت على الكثير من الشهادات العلمية، وقد تم تعيينها في منصب مشرفة قسم الطالبات داخل جامعة الملك عبد العزيز في محافظة جدة.

كان لدى جدها أكبر مكتبة خاصة تعرف بمكتبة الشيخ محمد نصيف، وكان والدها رحمه الله في أول حياته العملية مديرا للمدرسة السعودية، وهي أول مدرسة حكومية افتتحت في جدة للبنين.

أما والدتها – رحمها الله – فقد تلقت العلم الشرعي على يد والدها العلامة والداعية الإسلامي المعروف شرف الدين كتبي، الذي أسس أول مطبعة للكتب الإسلامية باللغة العربية في مدينة بومباي بالهند.

وكانت الدكتورة فاطمة ترافق والدتها في مسيرتها في العمل الدعوي والتعليمي منذ أن كانت في الخامسة من عمرها؛ فأحبت العلم والكتب والعلماء ومجالسهم وذكر الله، فنشأت في بيت علم وفضل.

قصتها مع التخصص في الجامعات

تخرجت فاطمة من قسم العلوم بالمدرسة الثانوية وأرادت إكمال تعليمها في أي كلية علمية، لكن لم يكن لديها خيار آخر، حيث لم تكن هناك جامعة للبنات في بلدها. لم يكن لديها خيار سوى الالتحاق بقسم التاريخ، وعندما أنهت دراستها وتخرجت من الكلية، بدأت جامعة أم القرى في مكة قبول الطلاب المنتسبين إلى كلية الشريعة، لذلك التحقت بالجامعة مرة أخرى وكانت سعيدة بهذا الانتقال، لأنها أرادت زيادة معلوماتها الدينية من مراجعها وتعليمها بطريقة أكاديمية مشروعة.

بعد حصولها على شهادة التخرج في الجامعة بقسم التاريخ وبالطبع كانت متزوجة ولديها أبناء.. تقول فاطمة نصيف تساءلت: “خلال 4سنوات درست هذه الكتب عن تاريخ العرب والغرب وما فيهما من أحداث وخلافه.. ولم أتمكن بعد من دراسة القرآن كما ينبغي لمسلمة”.

واصلت فاطمة تسلق سلم العلوم حتى حصلت على أعلى الدرجات العلمية، بما في ذلك درجة البكالوريوس، في التاريخ من جامعة الرياض سابقا والملك سعود حاليا، والشريعة من كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز في مكة المكرمة أم القرى حاليا.

أهم إنجازات فاطمة نصيف

حصلت فاطمة نصيف على درجة الماجستير في الكتاب والسنة من كلية الشريعة عام (1400هـ) من جامعة مكة المكرمة أم القرى، وحصلت على درجة الدكتوراه في الكتاب والسنة من كلية الشريعة عام 1403هـ من جامعة مكة المكرمة أم القرى.

عملت كمشرفة عامة على قسم الطالبات بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة لمدة 4 سنوات ، ثم عينت أستاذة في قسم الدراسات الإسلامية لمدة 5 سنوات ، ثم تمت ترقيتها إلى أستاذ مساعد وأستاذ مشارك ، ودرست في الجامعة لمدة 19 عاما.

أنشأت فاطمة قسم الدراسات الإسلامية، كلية الاقتصاد المنزلي، كما تمكنت من الوصول بقسم الطالبات إلى الاستقلال المالي والمهني، تقلدت العديد من الوظائف التي تخدم الفتاة السعودية، وحضرت العديد من المؤتمرات الإسلامية داخل وخارج المملكة. كما تمكنت الدكتورة فاطمة نصيف من تحقيق الكثير من الإنجازات في مسيرتها العلمية والمهنية، وقدمت إنجازات هامة في الدولة، من أهمها ما يلي:

  1. العمل على إنشاء كلية الاقتصاد المنزلي.
  2. العمل على إنشاء قسم الدراسات الإسلامية.
  3. الحصول على الدراسات العليا في كلية العلوم.
  4. العمل على إنشاء مصلى يتسع لنحو 500 طالبة.
  5. الحصول على الاسقلال المالي والوظيفي بواسطة قسم الطالبات.
  6. العمل على إنجاز الخطة الخمسينية لأجل التنمية داخل جامعة الملك عبد العزيز في مدينة جدة.

الجوائز التي حصلت عليها

تعد الدكتورة الداعية نصيف هي أول امرأة سعودية تحصل على جائزة (رائدة العمل النسوي والثقافي والخيري في المملكة) التي حصلت عليها من منتدى أثنينية عبد المقصود خوجة. وهي أول سعودية تحصل جائزة الشباب العالمية من أجل خدمة العمل الإسلامي عام 2010، وهي الجائزة التي تسلمتها في البحرين في حفل رعاه ملك البحرين.

نالت الدكتورة  فاطمة جائزة الشخصية الأكثر تميزًا في العمل التطوعي، حصلت عليها من كلية (دار الحكمة) في عام 1428هـ في مدينة جدة.

كما نالت الفقيدة جائزة الدعوة والتعليم والشباب في نشاطها في العمل الدعوي في عام 1430هـ.

نشاطها  العلمي والأكاديمي

مثلما كان للدكتورة فاطمة نصيف دور في إنشاء قسم الدراسات الإسلامية وكلية الاقتصاد المنزلي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وعضو هيئة تدريس فيها لمدة 19 عاماً، فقد ناقشت الدكتورة وأشرفت على العديد من الرسائل والبحوث العلمية، وتركت أثرها وبصمتها في نفوس أجيال من الخريجات في مختلف التخصصات.

كما شغلت منصب الرئيس للجنة النسائية بهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وكان للدكتورة فاطمة دورها في المشاركة في المؤتمرات المحلية والاقليمية والدولية الخاصة بالمرأة أو قضايا الأسرة أو الاعجاز العلمي.. وهي تتمتع بعضوية العديد من اللجان والهيئات العالمية والاستشارية وترأس حالياً اللجنة النسائية بهيئة الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنّة منذ عام 1424ه.


مؤلفات فاطمة نصيف

عرف عن الداعية فاطمة نصيف – رحمها الله – عطاؤها الكبير في الدعوة والبحوث الإسلامية، حيث تبنت بصورة كبيرة قضايا المرأة في العالم الإسلامي وصدر لها مجموعة من الكتب منها “حقوق المرأة وواجباتها في الكتاب والسنة” الذي تم طباعته بالإنجليزية والفرنسية والروسية والبنغالية.
ومن أبرز مؤلفات الدكتورة فاطمة عمر نصيف ما يلي:
حقوق المرأة وواجباتها في ضوء الكتاب والسنة (مترجم لعدة لغات)
1- الأسرة المسلمة في زمن العولمة
2- ملخص الإفرازات الطبيعية عند المرأة بين الطهارة والنجاسة (مترجم لعدة لغات)
3- طاعون العصر بين رؤية البشر وهداية السماء
4- الحماية الربانية في الإخلاص والمعوذتين
5- الكفاءة في النكاح
6- لنحيا بالقرآن

الدكتورة فاطمة نصيف من الشخصيات التي حباها الله حضورا إنسانيا دافئا يضيء المكان ويحدث تجاوبا مع حديثها، ذلك أن مصداقيتها وإخلاصها وحرصها على القيام بالدور المنوط بكل مسلم ومسلمة هي الهاجس والهدف عندها دائما..

وقد كانت هذه بعض الإضاءات البسيطة في السيرة الذاتية للداعية فاطمة نصيف، التي طالما عمدت إلى إخفائها و اختصارها.. فهناك العديد من الأمور التي كانت تقوم بها ولا تحفل بالحديث عنها. فجزاها الله خيرا على ما قامت به من عمل دعوي واجتماعي لخدمة الدين ثم المرأة والمجتمع وجعله الله في موازين حسناتها.