يراود كثير من المسلمين شعور متناقض، فرحة؛ بمناسبة عيد الفطر المبارك، وحزن؛ للاعتداءات على المسجد الأقصى وقطاع غزة و الأراضي المحتلة عام 1948م، ولا ندري، هل نفرح أم نحزن، بل كيف نفرح بعيدنا وهذا الحزن يملؤنا بسبب ما يحصل في فلسطين ومقدساتنا ؟

على أن الفرح والحزن من الأحوال التي يصاب بها جميع الناس،  والمسلم يجمع بين الفرح بما يفرحه من طاعة الله، أو حصول خير له، ويحزن لما يصيبه أو أمته من أذى وأسى، ولهذا قال ابن الجوزي في التذكرة في الوعظ (ص: 31): ” طوبى لعبد إذا أحسن إليه ربه حمد وشكر، وإذا أساء إلى نفسه تاب واستغفر، كلما قضى عليه بمعصية اغتم وحزن، وكلما وفق لطاعة فرح واستبشر.

فالمسلم يدرك طبيعة الحياة الاجتماعية أنها ليست لونا واحدا من الألوان، بل هي مثل ألوان الطيف، يتعامل مع كل حدث بما يناسبه، “فليست الحياة أفراحا ومناسبات سعيدة فحسب، وإنما هي فرح وترح، سرور وحزن، طرب وكرب، رخاء وشدة، بسمة ودمعة، والمسلم الحق الواعي له مكانه في هذا كله، لا يغيب عن جانب منه؛ إذ له في كل جانب رسالة يؤديها، وكلمة يقولها، وواجب يقوم به.

شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة، د. محمد علي الهاشمي (ص: 260): ” فليست الحياة أفراحا ومناسبات سعيدة فحسب، وإنما هي فرح وترح، سرور وحزن، طرب وكرب، رخاء وشدة، بسمة ودمعة، والمسلم الحق الواعي له مكانه في هذا كله، لا يغيب عن جانب منه؛ إذ له في كل جانب رسالة يؤديها، وكلمة يقولها، وواجب يقوم به”.

والمرء يعيش متقلبا في أحوال متغيرة، وفيها قال الشاعر:

ثمانية تجري على الناس كلهم .. ولابد للإنسان يلقى الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة ... وعسر ويسر ثم سقم وعافية

ولابد من الموازنة بين الفرح والحزن، وتتحقق تلك الموازنة بعدة أمور:

أولا – الإيمان بالقدر:

فالإيمان بالقدر يخفف عن الإنسان ما يبتلى به من مصائب وحزن، كما قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]، قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [البقرة: 155 – 157].

بل لا يبلغ المرء حقيقة الإيمان، إلا بالرضا بقضاء الله وقدره، كما ورد عن أبي الدرداء عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: «لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» (صحيح رواه الإمام أحمد).

وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه» (صحيح رواه الترمذي).

و يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن كل أمور الإنسان المسلم خير، كما قال: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (رواه مسلم).

بل إن الحياة الطيبة هي الرضا والقناعة، كماورد عن بعض السلف. وقال عبد الواحد بن زيد: الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين.

ثانيا- الصبر:

ومن الأمور التي تجمع الموازنة بين الحزن والفرح أن يصبر المرء على كل ما يبتلى به، لأن بالصبر ينال المرء كل ما يرجو، ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]

ولهذا ورد عن ابن مسعود قال: لو أن العسر دخل في جحر لجاء اليسر حتى يدخل معه، ثم قال: قال الله تعالى: {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا}.

وحصر أبو عبيدة فكتب إليه عمر يقول: مهما ينزل بامرئ شدة يجعل الله بعدها فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإنه يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]

وقد قال الشاعر:

عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى ... له فرجا مما ألح به الدهر
عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر
إذا لاح عسر فارج يسرا فإنه ... قضى الله أن العسر يتبعه اليسر

إن المرء ليس آلة تسير على نظام واحد، بل الإنسان روح وجسد ومشاعر، وهو كائن اجتماعي يتأثر بكل ما حوله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فقد يموت قريب أو صديق، فنحزن على فراقه، وقد يتزوج صديق آخر في نفس اليوم، نفرح لفرحه، وهكذا، فإن على المسلم أن يؤدي واجبه تجاه نفسه وأهله وإخوانه وجيرانه وأمته، كل حسب حاله، فرحا أو حزنا، أو غيرهما.

على أن مع مظاهر الفرح بالعيد، لا يجب أن تنسينا واجبنا تجاه قضية فلسطين، من الدعاء لهم، والإنفاق عليهم، فهو واجب شرعي ليس تفضلا، ونشر قضيتهم العادلة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، لأن أول المعركة الوعي، وأن نربي أبناءنا على حب فلسطين، فإن المعركة مع العدو طويلة، والإعداد لها يبدأ من التربية.