الحفلات والولائم والتهاني من أمور العادات لا من قبيل العبادات، والأصل في العادات الحل فلا ينكر منها أو يحرم إلا ما دل الشرع على إنكارها، وكم من عادة أقرها الإسلام وحسنها وشرفها ودعى إليها ورغب فيها، نظرا لما فيها من المقاصد الحسنة والمعاني الجميلة والآثار الطيبة، ويدخل في ذلكم: فرحة ووليمة العودة من الحج ومظاهر الاحتفال بفرحة أداء فريضة الحج وسلامة وصول حجاج بيت الله إلى أهاليهم.

إنه من أجل النعم وأعظمها وأكملها وأتمها بلا شك، وهي نعمة عظيمة التى يتمناها كل من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، إضافة إلى أنه تعبير عن مدى أواصر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع الإسلامي في أنحاء العالم، وإظهار تعظيم شعيرة من شعائر الدين وتعزيزها وتحبيبها إلى النفوس.

ومن أبرز مظاهر فرحة ووليمة العودة من الحج ومشاعر الفرح والاحتفاء في هذه المناسبة الجليلة:

ما يكرره الحاج عند رجوعه إلى بلده

عن ابن عمر رضي الله عنهما “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»[1]

قال ابن عبد البر:” وليس في هذا الحديث إلا الحض على شكر الله للمسافر على أوبته ورجعته وشكر الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله”[2]

وعليه، يستحاب للحاج ألا يزال لسانه رطبا بتكرار التكبير ثلاث مرات، والتهليل، والدعاء المذكور عند كل شرف من الأرض حتى يصل إلى وطنه، شكرا لله تعالى على التيسير لعبادته والعودة إلى الأهل.

استقبال العائد من الحج بعميق الفرح

في مسألة استقبال الحاج بفرحة ووليمة العودة من الحج، قال ابن عباس رضي الله عنهما:” لو يعلم المقيمون ما للحجاج عليهم من الحق لأتوهم حين يقدمون حتى يقبلوا رواحلهم لأنهم وفد الله في جميع الناس.[3]

وعنون الإمام البخاري في صحيحه:” باب استقبال الحاج القادمين” ثم أورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه “لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلته أغيلمة بني عبد المطلب، فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه” [4]

وقال الحافظ ابن حجر: وكون الترجمة لتلقي القادم من الحج، والحديث دال على تلقي القادم للحج ليس بينهما تخالف لاتفاقهما من حيث المعنى”[5]

وقال ابن المنير: من الفقه جواز تلقي القادمين من الحج، لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينكر ذلك بل سرته لحمله لهما بين يديه وخلفه.

وقال القسطلانى: يؤخذ منه بطريق القياس تلقي القادمين من الحج بل ومن في معناهم”[6]

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته، وأنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة.[7]

وقال النووي:” هذه سنة مستحبة أن يتلقى الصبيان المسافر وأن يركبهم وأن يردفهم ويلاطفهم والله اعلم”[8]

وعن عائشة قالت: أقبلنا من مكة في حج أو عمرة فلقينا غلمان من الأنصار كانوا يتلقون أهاليهم إذا قدموا.” [9]

وهكذا صورة احتفال استقبال القادم من الحج أو العمرة في عهد النبوة وفي عصر الصحابة، وإنه استقبال عادي ومعبر عن الاحتفاء بالفرح دون أن يصحبه شيء آخر.

ثم تطورت عادات الناس في ذلك على مر الزمان إلى الوقت الحاضر، من حيث استقبال الأحبة العائد من الحج بالأناشيد ذات معاني إيمانية جميلة، وبتزيين الجدران وتعليق الأضواء الملونة المبهجة، واللوحات الجدرانية تكتب عليها عبارة ترحبية مثل “حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور” وأحيانا ترسم بجوارها صورة الكعبة المشرفة، وكان يتم الاستقبال عند بعض في بهجة محضر جمع غفير من الكبار والصغار من الأهالي والأقارب والأصدقاء والجيران مرورا بالمسجد والجلوس فيه أو الجلوس في بيت الحاج والالتفات حوله لاستماع إلى كلمات ترحيبة وغيرها أو إلى حديثه ومشاهداته وخبراته في مشاعر الحرم، وقد يتخلل ذلك تقديم الهدايا التذكارية المجلوبة من الحج للحضور، مثل هدية ماء زمزم، أو السجاد أو الثياب أو السواك وألعاب الأطفال وغير ذلك، أو بالعكس.

ولكن هناك عادات منكرة أثناء استقبال القادم من الحج، منها: رفع الأذان، والتصفيق والأغانى والرقص وما أشبه ذلك مما لا يجوز فعله.

استحباب الركعتين للقادم من الحج في المسجد

كان من هدي النبي عليه الصلاة والسلام إذا قدم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلى فيه ركعتين ثم يجلس يستقبل الناس، وإذا كان المسجد قريبا من منزل الحاج فإنه يستحب له اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام إن أمكنه ذلك، وخاصة إذا كان صاحب المكانة في المجتمع وإلا فلا.  

التهنئة بالقدوم من سفر الحج

 ومن مكارم الأخلاق القيام للترحيب بالقادمين من بيت الله الحرم وتكريمهم بالزيارة والفرحة وتهنيئتهم بأداء مناسك الحج.

وقد قام عليه الصلاة والسلام لزيد بن حارثة وقبله وعانقه عندما قدم من السفر، فيقاس عليه العائد من رحلة الحج.  

وعن أنس أبن مالك رضي الله عنه قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا.[10]

قال الشعبي: السنة إذا قدم رجل من سفر أن يأتيه أخوانه فيسلموا عليه، وإذا خرج إلى سفر يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعاءهم.[11]

ومن أحسن ما يهنئ به العائد من الحج أن يدعى له، لما روى عن ابن عمر أنه كان يقول للحاج إذا قدم:” تقبل الله نسكك وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك”[12]

ولقول الفضل بن زياد:” ما سمعنا يدعى للغازي إذا قفل، وأما الحاج فسمعنا عن ابن عمر وأبي قلابة وأن الناس ليدعون” [13]

وقال الإمام أحمد لرجل رجع من الحج:” تقبل الله حجك، وزكى عملك، ورزقنا وإياك العود إلى بيته الحرام”[14]

وكذا يجوز أن يطلب من الحاج الدعاء، لكونه قريب عهد ببيت الله الحرم والمشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج أحد أركان الإسلام.

وكان السلف يغتنمون أدعية الحاج قبل أن يتلطخوا بالذنوب[15]

وحكي عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: “خرجت مع أبي نتلقى الحاج فنسلم عليهم قبل أن يتدنسوا”[16]

وورد فيه حديث ابن عمر مرفوعاً: “إذا لقيتَ الحاجَّ، فسلِّمْ عليه، وصافحْه، ومُرْه أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيتَه؛ فإنه مغفور له”[17]

والقول بجواز طلب الدعاء من الحاج لا يصل إلى حد ملامسته والتمسح به تبركا كما هو عادات بعض الناس، وهذا الصنيع من العادات المنكرة.

فرحة وصنع وليمة الطعام لمناسبة العودة من الحج

من أشهر عادات العرب القديمة عند قدوم المسافر من السفر ما تسمى بالنقيعة، وهي الوليمة التي تصنع فرحة للعائد من السفر أو يقيمها هو لأهله وجيرانه وزائريه وغيرهم، وسميت النقيعة “من النقع وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر”[18]

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزوراً أو بقرةً “[19] كي يأكلها الناس شكرا لله وفرحة لمناسبة عودته من السفر، ولذا وبوَّب أبو داود عليه في السنن: “باب الإطعام عند القدوم من السفر” ومن قبله الإمام البخاري في الصحيح “باب الطعام عند القدوم” وكذا صنيع البيهقي في السنن.

قال ابن بطال أحد شراح صحيح البخاري: فيه- يعنى حديث الباب-: “إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب ومن فعل السلف”. [20]

وكان ابن عمر إذا قدم من سفر أطعم من يغشاه[21]

واليوم تنوعت عادات البلدان في تحضير الأكالات العديدة والأطعمة الشعبية المختلفة في مناسبة عودة الحجاج، ومنهم من يصنع الوليمة للأهل والأصدقاء والجيران بذبح الخروف ونحوه، ويقدم في بعضها أصناف من الحلويات والمكسرات وخاصة للأطفال.   

وأما الإسراف والتبذير أو ما يفعل من بعض العادات من ذبح الذبيحة أمام بيت الحاج، أو قفزه عليها قبل دخول المنزل، أو تلطيخ جدران الحاج بدم الذبيحة ونحوها من الاعتقادات الدخلية، وإنه من المنكرات والمحظورات التى يجب إنكارها كي يكون الحج مقبولا ومبرورا.


[1]  رواه البخاري (1797)

[2] التمهيد 397/4

[3] شعب الإيمان (3815)

[4] رواه البخاري (1798)

[5] الفتح 3/619

[6] إرشاد الساري 3/278

[7]  رواه مسلم (2428)

[8] المنهاج 15/197

[9] المستدرك (1796)

[10] رواه الطبراني في الأوسط (97)

[11] بهجة النظر في آداب السفر. ص:10

[12] مصنف ابن أيى شيبة (15814)

[13] الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل 1/397

[14] مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 2/444

[15]  المصدر السابق

[16] مسند أحمد (6018) وفيه نظر

[17] المصدر السابق (6112) وحسنه صديق خان، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف جدا

[18] عمدة القارئ 15/16

[19] رواه البخاري (3089)

[20] فتح الباري، 6/ 194

[21] صحيح البخاري 4/77