فرسان الإسبتارية – أو فرسان القديس يوحنا، أو فرسان مالطا، أو فرسان رودوس –  تنظيم عسكري ديني صليبي أسس في القرن الحادي عشر الميلادي في القدس، وكانت رئاسته في روما.

وقد أخذوا لقبهم (الإسبتارية) من لفظ (المستشفى)، حيث تم تأسيس التنظيم من قِبل عدد من التجار من مدينة أمالفي الإيطالية لرعاية الحجاج المسيحيين طبيًّا.

ولا زال هذا التنظيم موجودًا إلى اليوم، ويعتبر نفسه تنظيمًا دينيًّا إنسانيًّا”.

وهذا التنظيم العسكري الديني الكاثوليكي الذي بدأ في الربع الأخير من القرن الحادي عشر الميلادي كان فاعلاً في ساحة الأحداث في القرون الوسطى وحتى مطلع العصر الحديث.

وقد أطلق عليهم اسم فرسان المستشفى (الإسبتارية والهوسبتارية) تمييزًا لهم عن هيئات الفرسان التي كانت موجودة في القدس آنذاك مثل: فرسان المعبد، والفرسان التيوتون.

وكانت أهم مهامه الأساسية دعم الوجود المسيحي في الأراضي المقدسة، وحماية الحق المسيحي في الحج إلى القدس.

وكان دوره بارزًا في الحروب الصليبية، ويكفي أن تراجع المصادر العربية لتعرف مدى بلائه وقوته وشوكته، والأذى الذي لحق المسلمين منهم إبّان وجودهم في الشرق الإسلامي.

ومن المصادر التي ذكرت طرفًا من أخبارهم: “السلوك لمعرفة دول الملوك” للمقريزي، و”الكامل في التاريخ” لابن الأثير، و”المختصر في أخبار البشر” لأبي الفداء، و”البداية والنهاية” لابن كثير، و”النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة” لابن تغري بردي، و”الفتح القسي في الفتح القدسي” للعماد الأصبهاني، و”مفرج الكروب في أخبار بني أيوب” للمازني الحموي، وغيرهم كثير.

وبعد خروجهم من الشرق أصبحوا غصة في حلْق المسلمين في جزائر البحر المتوسط، فقد سيطروا على قبرص (1291-1310)، ورودس (1310-1523)، ومالطا (1530-1798).

وقد أصبح الصراع بينهم وبين الأتراك العثمانيين قائمًا على أشده، مع تزايد قرصنة الصليبيين لسفن الأتراك في البحر.

وكانوا قد عمدوا لإيجاد قواعد لهم برية على سواحل البلدان العربية خاصة سواحل ليبيا وتونس لقربهما من مالطة، فلقد احتلوا منطقة برقة سنة 916هـ، إلا أن المماليك لم يلبثوا أن أخرجوهم منها.

وبقيت قوتهم إلى أن طردهم نابوليون بونابارت من جزيرة مالطا عام 1798 بعدما اعتبر تلك الجزيرة موقعًا استراتيجيًّا يساعده في حملته إلى مصر.

واستقرت المنظمة عام 1834 في قصر مالطا في روما محتفظة بكيانها السيادي.

وهذا التنظيم كان تحت حماية إمبراطور الدولة الرومانية والكرسي الرسولي.

وقد أظهرت المنظمة تخليها عن شكلها العسكري، وتابعت أعمالها الخيرية التي توسعت شيئًا فشيئًا، وأصبحت تطال كل الشرائح والمناطق المهمشة والمنكوبة في العالم من كل الأديان والجنسيات.

ولها أكثر من 80,000 متطوع في أكثر من 120 دولة حول العالم.

وهي أصبحت منظمة دولية ودولة في آن واحد، وهي مراقب دائم في الأمم المتحدة، وتعترف بها إيطاليا إلى جانب 102 دولة أخرى منها ثماني دول عربية وهي: مصر، والسودان، ولبنان، والأردن، والمغرب وموريتانيا، والصومال، وجزر القمر، وما يزيد على 28 دولة إسلامية.

ومن يطلب العضوية في تلك المنظمة يتقدم بطلب انتساب إليها، ويتعهد بالالتزام بمبادئ المنظمة وأهدافها.

وكشف الباحثان الإيرلندي سيمون بيلز والأمريكية ماريسا سانتييرا اللذان تخصصا في بحث السياق الديني والاجتماعي والسياسي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، عن أن أبرز أعضاء جماعة فرسان مالطا من السياسيين الأمريكيين: رونالد ريجان وجورج بوش الأب رئيسا الولايات المتحدة السابقان، ويكشف موقع “فرسان مالطا” على الإنترنت بأن من أبرز أعضاء المنظمة كان جد الرئيس الأمريكي الحالي “بريسكوت بوش”.

ويرأسها الآن الإنجليزي ماثيو فاستينغ، وهو الرئيس الأعلى، وهو الرئيس التاسع والسبعون للمنظمة منذ تأسيسها، وينتخب مدى الحياة، ولديه صفة أمير ورئيس ديني؛ إذ يحمل رتبة كاردينال، وقد انتخب في 11 مارس 2008 من قبل المجلس العام بعد وفاة سلفه أندرو بيرتي في 7 فبراير 2008م.

ودولة مالطا غير دولة فرسان مالطا، وقد ظهر أنها لم تتخل بشكل حقيقي عن العمل المسلح والعدائي ضد المسلمين؛ إذ تم الكشف عن أنهم يشكلون ثاني قوة عسكرية بعد الجيش الأمريكي النظامي في العراق، ويرفعون العلم الأمريكي لكنهم لا يتبعونه، بل يتبعون المال الذي يتقاضونه عبر شركات أبرمت عقودًا مع إدارة الرئيس جورج بوش الابن للقيام بمهام قتالية خطرة نيابة عن الجيش.

وقد قدمت قناة الجزيرة فيلمًا وثائقيًّا عن المنظمة ويتعرض فيه للأقوال التي ترجح ارتباط المنظمة بشركة بلاك ووتر الأمنية سيئة السمعة، والتي تقدم خدماتها الأمنية للأمريكان، وتقوم بالأعمال القذرة نيابة عن الجيش الأمريكي.

وهذه المنظمة بحاجة إلى دراسة متأنية؛ إذ إنها حالة فريدة في التنظيمات؛ فالتنظيمات مثل الكائن البشري يبدأ صغيرًا ثم يكبر، ثم يكون في حال الفتوة، ثم يعتريه الضعف، ثم التلاشي والانتهاء، وكم من إمبراطورية عظيمة عاشت قرونًا ثم مضت عليها سنة الأولين فتفككت وتلاشت وأصبحت أثرًا بعد عين.

ثم إن الدعوات بعد إقامة دولتها تتلاشى، ثم تزول الدولة بعد حين من الدهر.

وهذه المنظمة الصليبية قد أوشكت أن تبلغ ألف عام منذ تأسيسها، ومما يمد في عمرها أنها تجد الرعاية من الدول الغربية، والرعاية الدينية من الفاتيكان.

فهي في وقت الصراع تحمل السلاح، وفي وقت الأمن تبشّر بما تؤمن به من خلال العمل الإغاثي الإنساني التطوعي في أنحاء العالم.

والجماعات والحركات الإسلامية عليها دراسة هذه الحالة، والوقوف على أسباب تطاول عمرها إلى الآن.

فمعظم الجماعات الإسلامية لم تتم المائة سنة، وقد رأينا فيها الضعف والجمود، والانقسام والانشقاق، ولم تستطع أن تقاوم عوامل الشيخوخة الفكرية والشيخوخة التنظيمية.