أحاديث نبوية كثيرة وبألفاظ متنوعة جاءت في فضل قول سبحان الله وبحمده، والمقصود بالفضل هنا الأجر المترتب على التسبيح، إذ من المعلوم أن المولى سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم مرارا في القرآن الكريم بالتسبيح، ثم أمر المؤمنين بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم تأكيدا على فضل التسبيح والمعاني التي يتضمنها من إجلال وتعظيم لقدرة الله تعالى وعزته وكماله، وتنزيه الله تعالى من صفات النقائص.

أمر الله تعالى نبيه بالتسبيح في مواضع من القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} (الحجر: 98) وفي هذه الآية أمر الله نبيه بأمرين:

أحدهما: قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}.

والثاني: قوله: {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}.

وقد كرر تعالى في كتابه الأمر بالشيئين المذكورين في هذه الآية الكريمة، كقوله في الأول: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (النصر: 3)

وقوله: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ‌وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} (طه: 130)

وقوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ‌وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (غافر: 55) والآيات بمثل ذلك كثيرة.

والتسبيح في الشرع: تنزيه الله جل وعلا عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله. ومعنى سبح: نزه ربك جل وعلا عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله.

وقوله: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي: في حال كونك متلبسًا بحمد ربك، أي: بالثناء عليه بجميع ما هو أهله من صفات الكمال والجلال؛ لأن لفظة: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} أضيفت إلى معرفة فتعم جميع المحامد من كل وصف كمال وجلال ثابت لله جل وعلا، فتستغرق الآية الكريمة الثناء بكل كمال؛ لأن الكمال يكون بأمرين:

أحدهما: التخلي عن الرذائل، والتنزه عما لا يليق، وهذا معنى التسبيح.

والثاني: التحلي بالفضائل والاتصاف بصفات الكمال، وهذا معنى الحمد؛ فتم الثناء بكل كمال. ولأجل هذا المعنى ثبت في الصحيح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وِبحمده، سبحان الله العظيم” وكقوله في الثاني وهو السجود: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } (العلق: 19)، وقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} (الإنسان : 26)، وقوله: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (فصلت : 37)، ويكثر في القرآن العظيم إطلاق التسبيح على الصلاة[1].

ومن مواضع أمر الله الأمة بالتسبيح في القرآن الكريم، قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* ‌وَسَبِّحُوهُ ‌بُكْرَةً وَأَصِيلًا } (الأحزاب : 41 -42)

فقد أثنى الله تعالى في هذه الآية الكريمة على الذين آمنوا وعملوا الصالحات بذكرهم الله كثيرًا والتسابيح الكثيرة. وهذا الذي أثنى عليهم به هنا من كثرة ذكر الله أمر به في آيات أخر، وبين جزاءه قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة: 10).

ثم قرن التسبيح بالذكر معناه: إذا ذكرتم الله تعالى، فينبغي أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء، وهو المراد بالتسبيح.

ومن الأحاديث التي جاءت في فضل الذكر بالتسبيح ما يأتي:

عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. (متفق عليه)

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. (متفق عليه)

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة، بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه». (صحيح مسلم)

وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟». قلت: يا رسول الله! أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: «إن أحب الكلام إلى الله، سبحان الله وبحمده». (صحيح مسلم)

وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده». (صحيح مسلم)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من قال حين يصبح: سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة، وإذا أمسى كذلك، لم يواف أحد من الخلائق بمثل ما وافى”. (رواه أبو داود )

وعن جابر رضي الله عنه: عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة” (رواه الترمذي)

وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عاده، أو أن أبا ذر عاد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أي الكلام أحب إلى الله عز وجل؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته: سبحان ربي وبحمده سبحان ربي وبحمده سبحان ربي وبحمده». (صحيح الترمذي)


[1] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (3/ 246 ط عطاءات العلم).