تطرح الكاتبة الكندية سوزان بينكر في هذا المقال سؤالا محوريا لخلخلة القناعات التربوية المترسخة في اتجاه الاعتماد على الانترنت والتقنية الحديثة في العملية التعليمية، وتؤسس الكاتبة مقالها على نتائج خلُص إليها باحثان أمريكيان من جامعة Duke university، أظهرت أن مستويات الطلاب تراجعت بشكل كبير بعد مشروع جمهاز محمول لكل طالب الذي أعلنت عنه الحكومة الأمريكية 2006.

وقررت الكاتبة في نهاية مقالها أن الاستثمار في المعلم والإنفاق السخي على تكوينه قد يخدم العملية التعليمية ويرقى بمستوى وعي ومعرفة الطلاب أكثر من تركهم فريسة عالم الانترنت .

نص المقال:

تضمنت أجندة الرئيس الأمريكي أوباما المحلية في خطاب حالة الاتحاد الأخير عدة قضايا مثل : الرعاية الصحية، إجازة الأمومة، رسوم الدراسة الجامعية ، إلا أنه وقع في الخطأ عندما وعد بتعليم أطفال الولايات المتحدة وتوفير خدمة انترنت مفتوحة ومجانية لكل فصل دراسي.

كانت سياسة زيادة الوسائل التكنولوجية في الفصول الدراسية من الحلول الناجحة لفترات طويلة ، إلا أن دلائل كثيرة أظهرت أن إغراق الطلاب ـ خاصة ممن ينتمون لأسر كادحة – بأجهزة متصلة بشبكة الانترنت، لن يقلص فجوة الإنقسام الطبقي في التعليم بل سيوسعها.

منذ  بداية الـ  2000  م ، تتبع باحثان اقتصاديان من جامعة دوك (جاكوب فيدر وهيلين لاد)  مسار التقدم الأكاديمي لما يقارب مليون طالب في المرحلة الإعدادية تنتمي للفئة المحرومة بعد منحهم  أوقاتا على  شبكات الكومبيوتر، تم فيها تقييم مستوى الطلاب في الرياضيات ومهارات القراءة لمدة خمس سنوات، وتسجيل بأي كيفية يقضون أوقاتهم، وجاءت النتائج سيئة.

الأضعف مستوى من بين جميع الطلاب كان من أبناء الأمريكيين السود، حيث تأثروا بشكل سلبي أكثر من البقية، فما إن وصلتهم أجهزة الكومبيوتر حتى انحدرت مستويات القراءة لديهم بشكل رهيب.

يقول الباحثان : ” إن طلاب المراحل الدراسية بين الخامسة والثامنة الذين تمكنوا من الحصول على خدمة انترنت لأجهزتهم المنزلية، شهدت مستوياتهم التعليمية تراجعا مستمرا  في الرياضيات ومهارات القراءة “، بالإضافة إلى  أن رخص تصفح الانترنت ارتبطت أيضا بالنتائج المتدنية للأطفال الأصغر سنا.

وفي الحقيقة، المستويات الأكاديمية للطلاب متدنية وجلبت التشاؤم للباحثين طيلة فترة عملهما.

الأضعف مستوى من بين جميع الطلاب كان من أبناء الأمريكيين السود، حيث تأثروا بشكل سلبي أكثر من البقية، فما إن وصلتهم أجهزة الكومبيوتر حتى انحدرت مستويات القراءة لديهم بشكل رهيب.

ولا نعرف ما سبب كل ذلك ؟ ولكن من الممكن أن نخمن ، فبدون رقابة الكبار نجد  الكثير من الأطفال لا يستخدمون أجهزتهم في أعمال مدرسية، وإنما في تشغيل الألعاب الالكترونية أو متابعة وسائل التواصل الاجتماعي أو تحميل مواد ترفيهية.

(ولم لا ؟ وهم يرون غالبية البالغين من حولهم  يفعلون نفس الشيء).

المشكلة تكمن في اختلاف حجم التأثير على الأبناء الذين ينحدرون من عائلات فقيرة، فالأطفال الذين ولدوا من آباء دخلهم محدود يقضون 40% على الأقل من ساعات يقظتهم أمام الشاشة، أي أكثر من ضعف الوقت الذي يقضيه أطفال الطبقة الوسطى.

وهؤلاء أيضا يحصلون على حصص من المداعبة والرعاية العاطفية خلال الوجبات الأسرية اليومية  أقل بكثير مقارنة بالأطفال الأكثر حظا.

بالتفاعل والأخذ والعطاء من الممكن ضمان النجاح وتقوية قدرات الطلاب التعبيرية ، بينما التطبيقات الالكترونية تعجز عن صنع ذلك.

إذ كان الأطفال الذين يقضون وقتا أكثر مع الأجهزة الإلكترونية أكثر عرضة من غيرهم ليكونوا غير متزامنين مع سلوك ومستوى تعلم أقرانهم بالصف الرابع ، فلماذا نعتبر إضافة مزيد من المشاهدات والنقر الالكتروني فكرة جيدة؟

لقد قاد الاعتقاد بقوة الالة إلى  فوضى تعليمية.

فمنذ بداية 2006، شكل المشروع الغير ربحي (جهاز كمبيوتر محمول لكل طفل) المدينة الفاضلة الرقمية لكل طالب فوق 6 سنوات في العالم.

وبالتالي فإن الأطفال الفقراء ستكون لديهم القدرة على تعليم أنفسهم دون حاجة للمدرسة وللمعلم، ومع الأجهزة المحمولة التي بيعت بـ 400 دولار مبدئيا وساهمت بتدفق التبرعات.

 إذ كان الأطفال الذين يقضون وقتا أكثر مع الأجهزة الإلكترونية أكثر عرضة من غيرهم ليكونوا غير متزامنين مع سلوك ومستوى تعلم أقرانهم بالصف الرابع ، فلماذا نعتبر إضافة مزيد من المشاهدات والنقر الالكتروني فكرة جيدة؟

لكن البرنامج لم يحصل على دعاية كافية، وذلك بسبب العطل الذي كان يصيب بعض الأجهزة، وإذا وجدت أجهزة محمولة صالحة للاستخدام فإن الطلاب الفقراء يقضون أوقاتا كثيرة في الألعاب وغرف الدردشة، وأوقاتا أقل على الواجبات المنزلية، وفقا للباحثين التربويين (مارك وارشير وماركون آمس).

يقول لاري كوبان بروفسور التربية الفخري بجامعة ستانفورد : صحيح أن هناك بعض التطور الطفيف في مشاركة الطلاب بتطبيقات تفاعلية ممتعة ومفيدة في دراستهم ، لكن الجديد يبتعد بعد بضعة أشهر.

التقنية لها دور في العملية التعليمية، لكن كما أخبرني بروفسور التعليم في جامعة بافالو  راندي يريك: الأمر يستحق الاستثمار فقط عندما يكون ملائما للمهمة كما في محاكاة العلوم على سبيل المثال، أو لتدريس طلاب يواجهون صعوبات في التعلم.

وبالطبع، التقنية يمكن أن تنجح عندما توفر كأداة في يد معلم رائع تلقى تدريبا عاليا.

وكما أظهرت أبحاث عديدة، أن وجود معلم موهوب لمدة سنة واحدة في المدارس الإعدادية يقلل بنسبة كبيرة احتمالية حمل البنت ورسوبها في تلك المرحلة، ويعطي احتمالا أكبر لدخولها للجامعة، وبالتالي ظروف حياة أفضل من راتب وسكن وتقاعد.

لكن فقط عندما يكون مثل هؤلاء المعلمين مدربين بشكل فعال على تطبيقات محددة، لتعليم مواضيع معينة ولمجموعة معينة من الطلاب  حينها فقط ستعمل التكنولوجيا في الفصول الدراسية بشكل صحيح.

حتى ذلك الحين، ليس لدينا أي دليل على أن مهارات التعليم بواسطة التكنولوجيا المكتسبة والتي يتعلمها الطلاب في الفصول الدراسية لا تؤدي إلى خلق مشاكل جديدة تحتاج إلى جهد آخر وحلول أخرى.

وحتى نجد الإجابة لننتظر، فالمال العام الذي ينفق على أسلاك الفصول الدراسية يجب أن يكون متزامنا مع برامج تدريب وإرشاد المعلم، وتشهد عملية وصول الانترنت بشكل مفتوح ومجاني تطورا مستمرا ، وتتم عملية تخزين الأجهزة بطريقة جميلة لكي تساعد الأطفال على التقدم خاصة ممن هم بحاجة ماسة.