قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، هناك سؤال كبير يطرحه العديد من الناس وهو هل يوجد كل شيء في القرآن الكريم؟ قال تعالى: “مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ”(الأنعام: 38)، وقال تعالی: “وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.” (سورة الأنعام، 59)، وعبارة “كتاب مبين” – على قول – هو القرآن الكريم. فهذه الآية الكريمة تبيّن أنه: ما من رطب ولا يابس إلاّ وهو في القرآن الكريم.

نعم في القرآن كل شئ. ولكن لا يستطيع كل واحد أن يرى فيه كلَّ شئ، لأن صور الأشياء تبدو في درجات متفاوتة في القرآن الكريم، فأحياناً توجد بذور الشيء أو نواه، وأحياناً مجمل الشيء أو خلاصته، وأحياناً دساتيره، وأحياناً توجد عليه علامات. وترد كل من هذه الدرجات، إما صراحة أو اشارة أو رمزاً أو إبهاماً أو تنبيهاً. فيعبّر القرآن الكريم عن أغراضه ضمن أساليب بلاغته، وحسب الحاجة، وبمقتضى المقام والمناسبة.

فمثلاً: إن الطائرة والكهرباء والقطار واللاسلكي وأمثالها من منجزات العلم والصناعة – التكنلوجيا الحديثة – والتي تعدّ حصيلة التقدم الإنساني ورقيه في مضمار الصناعة والعلم، أصبحت هذه الاختراعات موضع اهتمام الإنسان، وتبوأت مكانة خاصة في حياته المادية، فلا يمكن أن يترك القرآن الحكيم الذي يخاطب عموم نوع البشر مثل هذه الاختراعات ويهملها.

ولآن القرآن يخاطب مستويات كل الناس لذلك فهو يوضح الحقائق بالأمثلة التي يستطيع أن يفهمها العوام أكثر، إلا أنه توجد خلف العبارات التي يذكرها والكلمات التي يختارها بل وحتى الحروف ونظمها توجد خلفها معاني مستترة وخفية.

الخوارزمي واضع قواعد الكومبيوتر

وقد تساءل العديد من الناس هل أشار القرآن إلى الكمبيوتر؟

ويعتبر الكمبيوتر من أهم الاختراعات في العصر الحديث، وقد كان للمسلمين فضل كبير على الحضارة الغربية في وضع الأساس العلمي لهذا الجهاز. و يقول الكاتب عبد الدائم الكحيل أن المخطوطات تخبرنا بأن العالم الكبير أبي عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي هو أول من وضع أساساً علمياً لما يسميه العلماء اليوم بالخوارزميات. والخوارزميات هي مجموعة الأسس التي يقوم عليها نظام عمل الكمبيوتر الحديث.

ولا يمكن أن نتخيل عصرنا من دون التكنولوجيا الرقمية التي أصبحت أهم ما يميز القرن الحادي والعشرين. فالحاسبات الرقمية والاتصالات الرقمية والمراكب الفضائية والأقمار الاصطناعية، ووسائل النقل الحديث جميعها تعتمد في عملها على مبدأ واحد. ولولا التكنولوجيا الرقمية لم يكن من الممكن لكثير من الاكتشافات في علم الفلك والفيزياء والذرة والطيران وغيرها من العلوم أن تتطور كما هي عليه اليوم.

لقد ساهم المسلمون في وضع الأسس العلمية للرياضيات الحديثة، فالأرقام العربية ونظام العد العشري والصفر وعلم الجبر وغير ذلك من علوم الرياضيات هي من إبداع علماء مسلمين عاشوا بين القرنين التاسع والرابع عشر للميلاد، ثم أخذ الغرب عنهم هذه العلوم واعتمدوا عليها كأساس في نهضتهم العلمية في العصر الحديث.

لقد وضع العالم المسلم أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي قواعد الحاسب الآلي، حتى سمّي بأبي الحاسب، ووضع الكثير من قواعد الرياضيات والتي دُرِّست في جامعات الغرب لقرون طويلة، واعتمد عليها علماء الغرب في وضع نظرياتهم واكتشافاتهم في مجال الرياضيات. وقد لقَّبه علماء الغرب بأبي الجبر الحديث.

الإسلام يخرج أوروبا من الجهالة

يعترف الغرب اليوم أن عبقرية الخوارزمي ساهمت في دفع الحضارة الغربية بشكل سريع جداً، ولولا اكتشافاته لكانت النهضة العلمية في أوربا قد تأخرت كثيراً. يقول الدكتور خواكين كوستا: إننا ندرك أن وصول الإسلام إلى أوروبا قد أحدث تغييرا كبيرا، وتبدو مظاهر ذلك التغيير بشكل واضح من خلال المنظور التاريخي. ولعل ما حمله التسامح الإسلامي باتجاه تشكيل روح أكثر عالمية، ساهمت في إخراج أوروبا من انغلاق ذهني وجهالة متشددة. بل أكثر من ذلك، فقد ربط الإسلام أوروبا بالمسارات التي كانت تروج فيها الأفكار والإنجازات المعرفية. فلولا وصول الإسلام إلى الأندلس لم يكن لنا أن نكتشف أمريكا، ولم يكن لنا أن نصل إلى القمر!! كذلك فإن التطور القوي في الرياضيات والذي بدأ مع دخول الأرقام العربية والحساب بالنظام العشري وعلم الجبر كلها وضعت الأسس لغزو الفضاء.

وينبغي ألا ننسى فضل القرآن الكريم على علمائنا المسلمين، فكتاب الجبر والمقابلة للإمام محمد بن موسى الخوارزمي وهو أول كتاب في الحساب يُترجم إلى اللاتينية، وأول كتاب يضع أساساً علمياً لنظام عمل الحاسبات الرقمية الحديثة، هذا الكتاب كما يقول مؤلفه كان سبب تأليفه هو تعاليم الإرث الواردة في القرآن الكريم. ومن هنا ندرك أن الإسلام أنار العقول وفتح آفاقاً جديدة أمام المسلمين، يقول تعالى: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” (العلق: 1-5).

التاريخ والتكنولوجيا في القرآن

عندما یخبر القرآن أنّ سلیمان علیه السلام یقطع مسافة بعد شهرین وهو یطیر في السماء، یشیر إلی أن الناس يستطيعون قطع مسافات بعیدة في السماء، أي یشیر إلی آلالات الجویة كالطائرة والهليكوبتر والطائرة النفّاثة.”وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ” (سورة سبأ 12).

كما إن القرآن یتحدث عن عدید من الحوادث التاریخیة التي تتعلق بتاریخ البشریة كطوفان نوح وقد ذكرت الحوادث التاریخیة في القرآن الكریم كهجرة بني إسرائیل إلی القدس، وقصة قارون وكنوزه، وسدّ ذي القرنین، وسیل العرم، وولادة عیسی علیه السلام، وأصحاب الكهف. وقد ورد في روایات كثیرة أنّ الذي أنشأ المباني والقصور والأحواض الواسعة والبروج والتماثیل المزیّنة بنَحْت الصخور والرخام وهكذا كوّنوا 1700 مدن، هم قوم صالح علیه السلام الذي یُعرف باسم “ثمود”.

المستقبل في القرآن

كما يشير القرآن الكريم إلی فرعون الذي غرق في البحر ولم تفسد جثته حتى اليوم، وأنه سیوجد في المستقبل لیكون عبرة للناس. “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ” (سورة یونس، 92).

وقد وُجدت جثة فرعون من طرف فریق بحث إنجليزي بین الرمال في مرتفَع صغیر علی شاطئ البحر الأحمر فأُخِذ إلی بریطانیا. ويُعرض جسده حالیًا في المتحف البريطاني المشهور في لندن وهو علی هئية السجود بشكل لم یفسد رغم أنه مرّ عليه ثلاثة آلاف سنة وعلی الواقعة حتی یومنا هذا.

ويقول بعض العلماء كيف للقرآن الذي یخبرنا بمراحل تكوّن العلقة والمضغة والعظام واللحم في رحم الأم، أن لا يكون خبيرا بما يجري في عصرنا.”ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين”)سورة المؤمنون، ١٤).

إن القرآن یسوق إلی تعلّم العلوم ویجعل العلم وسیلة لفهم القرآن ومعرفة الله سبحانه و تعالی، و یشجّع الناس علی العلم بتمییز أهل العلم من الآخرین وجعلهم هم الأعلون والشرفاء.

والخلاصة أن القرآن أطلق الشرارة الأولى التي أنارت العقول وفتحت الآفاق أمام الباحثين من خلال حض القرآن على العلم والتعلم وكشف أسرار الكون، وعندما أخذ المؤمنون الأوائل بالقرآن وعملوا بما فيه فتحوا الدنيا وسيطروا على العالم، ولكن سيطرتهم كانت رحيمة بعكس سيطرة الغرب اليوم!

ولكن عندما تركنا هذا القرآن وتمسكنا بما سواه وغرتنا الحضارة الغربية جاء بعض الضالين ليدلّسوا على الناس ويقولوا إن سبب تخلف الأمة الإسلامية هو الدين ولابد من التخلي عن الدين حتى نلحق بالحضارة الغربية التي قامت على الإلحاد! ولكن يبقى السؤال: هل الإلحاد هذا سينجب عالماً مثل الخوارزمي؟؟