تطور سريع حاصل في مجال تقنية الاتصال وثورة المعلومات المصاحبة لهذا التطور، لا تكاد تستقر على أمر حتى يكون أمرٌ آخر قد بدأ يتشكل سريعاً ويتحول ما بيدك من تقنية تحاول فك شفراتها ورموزها إلى نسخة قديمة تحتاج إلى تطوير!!

 هكذا هي الصورة الحاصلة الآن في مجال الإعلام الرقمي، والتي لم تدفع بالعاملين في مجال الإعلام إلى الاهتمام به فحسب، بل كذلك غيرهم من العاملين والمشتغلين بمجالات تتأثر بصورة وأخرى بهذا التطور كمجالات الاقتصاد والتعليم وغيرها.. إن التطور السريع الحاصل في تقنيات الاتصال يمكن اعتباره تطوراً حيوياً وصل الى كل بيت بل كل إنسان بصورة وأخرى.

 اليوم بعد أكثر من عقدين من الزمن، أصبحت التقنية ولاسيما تقنية الاتصال جزءاً حيوياً من كل إنسان لا يمكن الانفكاك عنها، بدءاً من وسيلة الاتصال الأكثر شهرة وهي الهواتف المحمولة، ومروراً بأجهزة الحاسب المختلفة. وصار نظام الحياة في المجتمعات شبه رقمية، تعتمد على الأجهزة الرقمية في إدارة غالبية شؤون البشر في المجتمعات المتقدمة وكذلك بعض المجتمعات النامية.

 مجال الصحافة اليومية أحد أبرز المجالات التي تأثرت وبشكل تدريجي بالذي هو حاصل في عالم تقنية الاتصال. وربما تكون الصحافة اليومية التي هي بمثابة الرئة التي يتنفس الناس بها كل يوم منذ أكثر من قرن من الزمان، أكثر مجال وجد نفسه مضطراً لمواكبة هذا التطور وليس ترفاً منها، باعتبار أن بقائها بالصورة التي تتمناها مهدد ما لم تتواكب بالسرعة ذاتها التي تتطور تقنيات الاتصال بها.

 الصحافة اليومية صارت عادة يومية عند ملايين البشر، يبدأون بها صباحهم مع إفطار الصباح أو الساعات الأولى من أعمالهم أو أثناء استراحاتهم خلال أوقات العمل. يبدأون بممارسة عادتهم اليومية في معرفة آخر أخبار الساعة بحسب اهتمام كل فرد، ما بين السياسة الى الاقتصاد والرياضة والحوادث والتجارة والأسهم وغيرها من مجالات متنوعة.

 ذلك الترابط وتلك العلاقة الحميمية بين القارئ وصحيفته مهددة اليوم بفعل تطور وسائل الاتصال. التهديد ليس من تطور تلك الوسائل الإلكترونية ولكن يأتي من تأخر الصحف اليومية في مواكبة هذا الأمر، والمواكبة لا تعني فقط كما هو عند غالبية الصحف، إنشاء مواقع الكترونية على شبكة الأنترنت وتكون مواقعها نسخة من الصحيفة الورقية، ولكن المواكبة التي أعنيها تشمل أساساً إعادة فهم ما يجري وفهم الثقافة الجديدة التي بدأت تجتاح القراء بشكل لا مجال فيه للنأي أو الابتعاد عنها.

 صار أمر التحول إلى الحياة الرقمية بالنسبة للصحف اليومية، لزاماً وليس ترفاً أو مواكبة غير فاعلة مع الثورة المعلوماتية والاتصالية التي تجتاح العالم، والتي حولت هذا العالم ليس الى قرية صغيرة كما كان سائداً من ذي قبل، بل صار هذا العالم اليوم ليس أكثر من حاسوب صغير متنقل، وطالما أن الحالة تتجه الى أن يكون العالم مختزلاً في حاسوب صغير بعد حين من الدهر لن يطول كثيراً، فالأمر لم يعد ترفاً من القول، وليس تنظيراً نأخذ به أو لا نأخذ. الأمر يزداد إثارة وفي الوقت ذاته جدية.

 الصحف اليومية، وحتى تُبقي على جمهورها، رغم بعض الأصوات التي تقف أمام هذا التطور وتبث آمالاً غير واقعية بأن الصحف باقية كما هي لن تتأثر بهذا العرض الطارئ الذي سيختفي بعد حين بشكل وآخر، صار لزاماً عليها الدخول في معترك الحياة الرقمية وتأخذها بجدية تامة وإلا فالقطار التقني سيفوتها ومعه جيش كبير من قرائها، الذين سيتحولون بالضرورة إلى قراء إلكترونيين أو – إن صح وجاز التعبير – قراء لا يجدون مبتغاهم في الصحف الورقية كما وجدوها أو يجدونها تتجدد كل حين في الصحف الرقمية.

 الصحف الرقمية أصبحت اليوم مجالاً قائماً بذاتها تختلف بشكل كبير عما هي عليه الصحف الورقية وإن بدت الأخبار والمعلومات شبيهة ببعض، لكن مع ذلك فالفرق كبير وشاسع، بل ويتسع كل حين بفضل تقنيات وأفكار رقمية تُخترع بين كل حين وحين قصير، الأمر الذي يجعل البون شاسعاً بين النوعين من الصحف، الرقمية والورقية.. وظني أن الأمر لن يطول كثيراً حتى تكون الرقمية هي الحياة والشواهد أكثر من أن نحصرها ونعدها. هي مسألة وقت ليست أكثر، فهل تتنبه الورقيات إلى الرقميات؟ سؤال مطروح للتفاكر والنقاش.