النفس البشرية بشكل عام لا تستسيغ ولا تتقبل أمر النقد بسهولة، وأقصد ها هنا قبول الانتقاد من الغير، ما لم تكن تلك النفس واعية وعلى درجة من سعة الصدر والإطلاع عالية، وفهم راق لمسألة الرأي والرأي الآخر، وإدراك الاختلاف بين الأمزجة والأهواء والميول البشرية. . وحتى مع توفر كل تلك الشروط، إلا أنه يبقى للنقد أثره في النفس الإنسانية.

هكذا هي النفس تحب دائماً الثناء والمدح والتقدير، وتكره النقد والبحث عن الأخطاء والعثرات، حتى لو كانت النيات من وراء عمليات النقد سليمة خاوية من أي أهداف وأغراض شخصية، فهذه هي النفس الإنسانية، من يتعرف على كنهها وأسرارها ومجاهيلها، سيسعد حين يتعامل مع أصحاب تلك النفوس وتقل نسبة الأخطاء في التعامل.

موضوع النقد الذي أحببت أن أثيره اليوم مهم، لأنه يحدث بشكل دائم في أي بيئة يتعامل الناس مع بعضهم البعض، مثل البيت أو العمل أو مكان عام أو غيرها من بيئات. ومن الطبيعي أنه لا يقع النقد للأعمال إلا لأن هناك أخطاء تقع أو ربما تقع. . فلو كانت الأعمال تُنفذ بشكل سليم ودون أخطاء، فإن الغالب هو ألا يجد النقد محل له، وهذا يكاد يكون غير واقعي بين البشر، باعتبار أن الإنسان العامل يخطئ، وليس في ذلك ما يعيب، بل العيب في معرفته والإصرار عليه !

لكن إذا كان أداء فعل النقد من شخص تجاه آخر لمجرد النقد، وحباً في توبيخ الآخرين، لمرض أو أمراض في نفسه أو أهواء وأغراض شخصية، فهذا أمر يمكن علاجه مع الوقت، وليس هذا هو الهدف من الحديث ها هنا، بل في كيفية أداء النقد وبالشكل الصحيح .

إذن، وحتى تكسب الغير مع نقد أعمالهم وأدائهم، حاول أولاً أن تقلل من نقدك لأفعال الآخرين قدر المستطاع، ما لم تكن هناك ضرورة وحاجة ماسة للنقد والنصح والتوجيه. ذلك أن المرء حين يخطأ، سيتنبه إلى الخطأ من تلقاء نفسه بعد قليل من الوقت، فيقوم بتصحيحه فوراً أو بعد حين. وإذا ما صادف أن رأى أحدنا خطأً من فرد، ولم تكن هناك ضرورة إلى التوجيه الفوري، وإمكانية التريث بعض الوقت، فمن الأفضل هنا ترك الأمر للشخص لأن يتنبه بنفسه إلى الخطأ ليعمل على إزالته وتصحيحه، فلا تحاول أن تسرع كالبرق في توجيه اللوم والتوبيخ أو حتى نقد العمل، فهذا له أثر سلبي على النفس. أما إذا طال الوقت ولم يتنبه الشخص للخطأ، ووجدته يسير على الخطأ، فهنا يمكن البدء معه في عملية النقد.

حاول ثانياً الابتعاد في عملية النقد عن مس الذات الشخصية، وهذه من الأمور الأساسية لأي عملية نقد تريد لها النجاح، فلا يجب لوم الشخص ونعته بصفات غير محبذة أو رفع صوتك معه وخاصة إن كنت في موقع المسؤولية وهو يأتي تحت إمرتك في بيئة عمل ما، مهما كان وضع هذا الشخص الاجتماعي أو درجته الوظيفية. .

الانتقاد يجب أن يكون للعمل والفعل أو الأداء وليس الشخص أو ذاته. لا تقل له مثلاً : يا مجنون ماذا فعلت؟ أو أن تقول : ارتكبت خطأ كبيراً يا أبله أو يا أحمق أو يا كسول وغيرها من تلك الكلمات المحبطة والمثيرة للنفس في الوقت ذاته. . أو أن تردد عبارات مثل : هل عقلك في رأسك، أو أين عقلك وأين كنت ساعة وقوع الخطأ، وغيرها من عبارات وجمل، تشعر أنها تمس الذات الشخصية بشكل مباشر وبصورة سيئة عميقة الأثر. هذه طريقة وبداية خاطئة لا تعمل أبداً على معالجة الخطأ، بل سترسخ معاني الكراهية في النفوس دون شك.

حاول بعد ذلك أن يكون نقدك للشخص على انفراد وليس أمام الجميع، ثم تثني عليه أولاً وتعرج من بعد ذلك إلى الخطأ المرتكب، وتبيّن له أن الصواب يكون كذا وكذا. ولا تعيد عليه أخطاء الماضي إن كان الشخص قد أرتكبها في وقت من الأوقات، وحاول أن تنتهي من الأمر بأن تعيد الثقة في نفس الشخص بكلمات ايجابية تطيب بها خاطره وتؤكد له أن الأمر بسيط، وأنه يمكن الاعتماد عليه في عمله، وأن كل ما هو مطلوب منه أن يحاول منع تكرار الخطأ مع بذل الجهد لأداء أفضل مستقبلاً، وإنهاء اللقاء على ذلك. .

أنت هنا تكون قد كسبت الشخص وزرعت في نفسه حباً غير عادي للعمل، وسيقوم من لحظته بالتركيز في عمله ومحاولة إجادته فيه ومنع أي أخطاء من الوقوع، وسيزداد حبه لك واحترامه، لنك حفظت له كرامته التي هي أغلى ما يملكها أي إنسان منا. . وهكذا هي طريقة النقد البناء الهادف، والعكس معروفة نتائجها، دونما حاجة لشروحات وكثير تفصيلات. .