صلاة التراويح هي إحياء ليالي رمضان بالنوافل، وسميت بهذا الاسم لأنه يُجلس بعد كل أربع ركعات فيها للاستراحة، وهي سنة مؤكدة، وأول من سنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه»[1].

وقالت عائشة: “صلى النبي صلّى الله عليه وسلم في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفترض عليكم ـ قال: وذلك في رمضان”.  

قال ابن شهاب: “فتوفي النبي والأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر.

وروى أبو ذر؛ قال: «صمنا مع النبي رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة. فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف؛ حسب له قيام الليلة، فلما كانت الرابعة لم يقم بنا، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح – قلت: وما الفلاح؟ قال: السَّحُورُ -، ثم لم يقم بنا بقية الشهر»[2].

قال الطرطوشي من علماء المالكية: اعلم أن أصل قيام رمضان ثبت على عهد رسول الله بقوله وفعله:

أما قوله عليه السلام: فترغيبه في قيامه على ما بيناه أولا.

وأما فعله: فجمعه بالناس ليلتين.

فإن قال قائل: فالنبي قد ترك بقية الشهر ولم يصل معهم! ؟

فالجواب: أن هذا لا يدل على نسخ الجمع فيها؛ لأنه – عليه السلام – علل الامتناع بأنه خشي أن يفرض عليهم؛ إما لما جرت به عادته من أن ما داوم عليه على وجه الاجتماع من القرب؛ يفرض على أمته.

قالت عائشة رضي الله عنها: «إن كان النبي ليدع العمل وهو يجب أن يعمل به؛ خيفة أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم» .

قالت: «وما سبح النبي سُبْحَةَ الضحى قط، وإني لأسبحها».. ثم قال الطرطوشي: “وهذه المعاني كلها مأمونة بعد موت النبي ”[3].

فقد ثبتت سنة القيام في هدي النبي في إحياء صلاة التراويح، وبيان جوانب من هديه في الكيفية والقراءة والقيام وأشباهها.

قصة صلاة التراويح

عن أبي سلمة أنه سأل عائشة رضي الله عنها: «كيف كانت صلاة رسول الله في رمضان؟ فقالت: ما كان النبي يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا. فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي» متفق عليه.

وقول عائشة رضي الله عنها (فلا تسل عن حسنهن وطولهن) إشارة إلى كمال حسن ركعات النبي وطولهن، فهن مستغنيات عن السؤال عن وصفهن.

وروى مالك في ” موطئه ” عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: “خرجنا مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون؛ يصلي الرجل لنفسه، ويصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد؛ لكان أمثل. فجمعهم على أبي بن كعب. قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون”[4].

وهذا كان اجتهادا من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو للسنة التي أقرها النبي حيث صلى الناس خلفه ليلتين ثم ترك، خشية أن تصير شرعا مفروضا على الأمة، وهذا كان إشفاقا منه لأمته . وقد سماها عمر بن الخطاب بدعة لأنها لم يسنها رسول الله ، وقال: نعم البدعة هذه، ليدل على فضلها، وأن من البدع ما هو مستحسن ومقبول، إن كان يندرج تحت مستحسن في الشرع[5].

اقرأ أيضا :

تاريخ صلاة التراويح

وكان إجماعا من الصحابة رضوان الله عليهم على هذا الفعل دون اعتراض ومن الآثار الدالة على ذلك ما جاء في كتاب مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي:

قال أبو أمامة الباهلي: ” ابتدعتم قيام شهر رمضان ولم يكتب عليكم، فدوموا عليه إذا فعلتموه؛ فإن ناسا من بني إسرائيل ابتدعوا بدعا، ولم يراعوها، فعابهم الله تعالى بتركها “، ثم قرأ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}.

وقال الحسن البصري: ” أمنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في زمن عثمان رضي الله عنه عشرين ليلة ثم احتبس، فقال بعضهم: قد تفرغ لنفسه، ثم أمهم أبو حليمة معاذ القاري فكان يقنت .

وقال أبو إسحاق الهمداني: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أول ليلة من رمضان والقناديل تزهر في المساجد وكتاب الله يتلى فجعل ينادي: «نور الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نورت مساجد الله بالقرآن».

وقال أبو وائل: كان ابن مسعود رضي الله عنه «يصلي بنا في رمضان تطوعا»[6].

متى وقت صلاة التراويح؟

يبدأ وقت صلاة التراويح من بعد صلاة العشاء ويمتد إلى طلوع الفجر. فيصح أداؤها في أي جزء من هذا الوقت.
ولكن إذا كان الرجل سيصلي في المسجد إماماً بالناس فالأولى أن يصليها بعد صلاة العشاء، ولا يؤخرها إلى نصف الليل أو آخره حتى لا يشق ذلك على المصلين، وربما ينام بعضهم فتفوته الصلاة. وعلى هذا جرى عمل المسلمين، أنهم يصلون التراويح بعد صلاة العشاء ولا يؤخرونها.

ففي حديث عبد الرحمن بن عبد القارئ ((وكان الناس يقومون أوله)). أخرجه البخاري أي أول الليل. وكان ذلك في زمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.

وعن حنش الصنعاني قال: إن أبي بن كعب رضي الله عنه كان «يصلي بالناس في قيام رمضان فلما توفي أبي رضي الله عنه قام بهم زيد بن ثابت».

وقال عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة، وأبي البختري وخيار أصحاب علي رضي الله عنهم أنهم كانوا يختارون الصلاة خلف الإمام في رمضان على الصلاة في بيوتهم «وكان سعيد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر» يصلون مع الإمام في قيام العامة ويرون أن الفضل في ذلك تمسكا منهم بسنة عمر بن الخطاب ومن بعده من أئمة المسلمين.

وقال ابن قدامة في “المغني”: قِيلَ للإمام أَحْمَدَ: (تُؤَخِّرُ الْقِيَامَ يَعْنِي فِي التَّرَاوِيحِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: لا ، سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ).

أما من كان سيصليها في بيته فالأفضل أن يصليها في ثلث الليل بعد نصفه لقوله (أحب الصلاة عند الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) متفق عليه.

وقال (فإن صلاة آخر الليل مشهودة) مسلم.

ويفهم من الأحاديث والآثار المذكورة جواز صلاة التراويح جماعة وأنها سنة استقرت عند سلف الأمة، لذلك نقل إجماع الصحابة على جوازها.

كم عدد ركعات صلاة التراويح ؟  

ذهب العلماء في عدد التراويح إلى ثلاثة أقوال:
1- قول كثير من العلماء إنها عشرون ركعة وهو السنة، لعمل المهاجرين والأنصار.
2- وقال آخرون: إنها ست وثلاثون غير الشفع والوتر وهو ماكان في زمن عمر بن عبد العزيز، وعمل أهل المدينة القديم.
3- وقالت طائفة: لا تزيد على إحدى عشرة ركعة كما سبق ذكر ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة».

ونفى ابن تيمية وجود تعارض بين هذه الأقوال، أو مخالفة الصحابة لما جاء في السنة النبوية، قال ابن تيمية: واضطرب قوم في هذا الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين، والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله، وأنه وأنه ‌لا ‌يتوقت ‌في ‌قيام ‌رمضان ‌عدد فإن النبي لم يوقت فيها عددا وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره. فإن النبي كان يطيل القيام بالليل حتى إنه قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة {أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات} .

وأبي بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة لم يمكن أن يطيل بهم القيام فكثر الركعات ليكون ذلك عوضا عن طول القيام وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام فكثروا الركعات حتى بلغت تسعا وثلاثين[7].