كأستاذ في علم النفس في جامعة كارلتون في أوتاوا، وباحث في مجال المماطلة لأكثر من 20 عاما، يفكر (تيموثي بيتشل) بشكل كبير بالإنتاجية وأسباب فشلنا في تحقيقها، وعلى الرغم من أن الاعتقاد السائد يقول بأن المماطلة تنبع عن سوء إدارة الوقت ولأننا سيئون في تنظيم وقتنا، إلّا أن أبحاثه أدت به إلى الاعتقاد بأن السبب الأساسي وراء ذلك هو أمر مختلف تماماً، ففي جوهرها، المماطلة تتعلق بالمشاعر، حيث أننا نستخدم آلية التجنب للتعامل مع المشاعر السلبية، أي أننا نستسلم للشعور بالرضا.

 

فكر في آخر مرة قمت فيها بتأجيل القيام بشيء كان يجب عليك إتمامه، لا بد وأنك كنت تفكر بأشياء مثل، “أنا لا أشعر بأني في حالة جيدة للقيام بهذا”، أو “أنا لا أريد القيام بذلك،” أو “غداً سأكون في مزاج أفضل للقيام بهذا”، هذه المقاومة التي تحوم في رأسك تأتي من رغبة ذاتك الآنية بعدم التعرض للمشاعر السلبية.

تظهر الأبحاث بأننا عادة ما نصنف المهام التي نماطل فيها بأنها مملة،أو محبطة، أو صعبة، وهذه التصنيفات تسبب الشعور بالخوف والقلق والانزعاج، ولكن هناك حل سهل للتخفيف من هذه المشاعر، وهو ببساطة إلغاء المهمة.

بعبارة أخرى، فإن المماطلة ليست عبارة عن مشكلة في إدارة الوقت، بل هي مشكلة في تنظيم العاطفة، ولكن في حين أن التجنب يمكن أن يجعلنا نشعر بشكل أفضل في حينها، إلّا أن الدراسات قد أظهرت بأن هذه الدفعة العاطفية زائلة، فبالإضافة إلى ضغط الوقت الذي يولده هذا الأمر فيما بعد، فإن التسويف يسبب الشعور بالذنب والشعور بتدني إحترامنا للذات عندما ندرك مدى عدم عقلانيتنا عندما قررنا تأخير القيام المهام الواجبة علينا.

إليك ما يجب القيام به حيال ذلك…

هناك العديد من الاستراتيجيات لمكافحة المماطلة، ولكن الأكثر أهمية بينها هو تعلم كيفية تنظيم عواطفنا، وهذا ليس بالأمر السهل، فمن الناحية البيولوجية، وبفضل النظام الحوفي لدينا، والذي يعتبر واحداً من أقدم الهياكل العصبية والمركز العاطفي للدماغ، نحن عادة ما نشعر أولاً ثم نفكر.

في المقابل، فقد تطورت قشرة الفص الجبهي – الجزء الدماغي الذي يلعب دوراً رئيسيا في تنفيذ “المهام التنفيذية”، ويعطينا القدرة على التخطيط والتنظيم – في وقت لاحق.

على الرغم من أن الرهبان البوذيين لا يعرفون سوى القليل عن علم الأعصاب، إلّا أنهم فهموا المعركة الداخلية بين ردود الفعل العاطفية السريعة والعمليات الأبطأ من التفكير الواعي، فهم يلخصون هذا التوتر بين الطرفين بالقول بإن البشر لديهم “عقل قرد”، ولكي تكون ناجحاً قد يكون من المفيد أن تعطي القرد مهمة يمكنه التعامل معها.

لذا، وفي المرة القادمة التي تشعر فيها بالمقاومة الداخلية وتفكر بأنك لا تشعر بأنك في حالة جيدة للقيام بأمر ما، أو ببساطة، بأنك لا تريد القيام به، وتقع تحت إغراء المماطلة، تذكر بأن نظامك الحوفي هو المسيطر في هذه اللحظة، وبدلاً من تأجيل المشاريع المعقدة بشكل كامل، حاول تقسيمها إلى خطوات أصغر، لتصبح أكثر قابلية للإدارة، فبهذا لن تخيف عقل القرد الخاص بك، فقط إسأل نفسك، ما هو العمل القادم الذي يمكنني القيام به لإتمام هذه المهمة؟

الآن وبعد أن قمت بتجزيء المهام المعقدة إلى أعمال صغيرة، وجعلت الإجراءات التي يجب اتخاذها أكثر وضوحاً، كل ما يجب عليك القيام به هو فقط البدء في هذا العمل، وهذا العمل لوحده، فالبدء بالقيام بالشيء لا يولد عواطف كبيرة، فقط لا تنظر بعيداً جداً، وحافظ على تركيزك على العمل الآني، وليس خط النهاية.

لأكثر من عقد من الزمان وحتى الآن، أثبت علماء النفس الاجتماعي أن تحقيق التقدم في أهدافنا، حتى ولو كان صغيراً، يمكن أن يكون بمثابة وقود لصحتنا النفسية، وقد وصفوه بأنه دوامة تصاعدية من السعادة، كما أنه دوامة تصاعدية من الإنتاجية، فالشعور بأنك بدأت تنخرط بالعمل بعد اتخاذ هذه الخطوة الأولى، بدلاً من تجنب المهمة والانزلاق إلى دوامة من الخجل والقلق، يزيد من رفاهيتنا ويساعد على تحفيزنا لاتخاذ الخطوة التالية، والأمر لا يستغرق الكثير من الوقت حتى تبدأ بالشعور بأنك تخوض بشكل كامل في العمل وترى نتائج هذا الإنخراط.