ناقشت مجموعة من الباحثين في ندوة أكاديمية نظمها مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بجامعة حمد بن خليفة في قطر، منتصف الشهر المنصرم موضوع الاجتهاد الشرعي، وحاولت الإجابة على سؤال مركزي يتعلق بموضوعه، هو: هل نحن بحاجة إلى الاجتهاد اليوم؟.

وقد تناول الباحثون هذا الموضوع من جوانب مختلفة، حيث ركز بعضهم في إجابته على مفهوم الاجتهاد وآلياته وضوابطه الشرعية، بينما ركز البعض الآخر على الجوانب التي تعكس الفوضى التي يعيشها الاجتهاد في عصرنا اليوم، ودعا آخرون إلى تجسيد ضوابط الاجتهاد، واستحداث آليات جديدة تناسب العصر.

الاجتهاد والأمة المبدعة

عبد الله الجديع، نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء، قال في مداخلته إن الأمة الإسلامية أمة مبدعة، وأنها عندما تأتي للآخر تأتيه بمزيد، لأن مشاريع هذه الأمة فيها من الإضافة ما يمكن أن ينقذ البشرية في كل مجالات الحياة. وأضاف الجديع قائلا:”ولكن الأمر يحتاج إلى عمل جاد من أجل استخراج أجوبة عن قضايا الناس بطريق الاجتهاد، وإبداع لشيء جديد لا يعرفه الآخر من خلال ما في هذه الشريعة من سعة”.

وعرف الجديع الاجتهاد بأنه:”إعمال المؤهل عقله في أدلة معرفة الاستنباط، في استخراج ما هو ألصق بمقصود الشارع فيما يعود على العباد بتحقيق مصالحهم”. وقال إن المجتهد لا بد وأن يكون مقتدرا على إدراك الأصل وتنزيله على ما يستخرج منه من دلالة تهدي إلى مصالح الدنيا ومصالح الآخرة.

 وبالإضافة إلى ما سبق لا بد أن يكون المجتهد متمتعا بحرية واستقلالية النظر عند البحث في القضية الدينية الشرعية أو القضية الحياتية من وجهة شرعية، فهو لا يمكن أبدا أن يكون تابعا، وإذا كان كذلك فليس بمجتهد.

ضوابط ومتطلبات الاجتهاد

من جانبه قال الأستاذ أبو غدة عضو المجمع الفقهي الإسلامي الدولي  إن المجتهد يجب أن يكون خبيرا باللغة العربية، ومواقع الإجماع والاختلاف، وآيات الأحكام وأحاديث الأحكام، وواقع الناس وأعرافهم وبيئاتهم، وبالتالي عليه أن لا يفتي ولا يظهر حكما إلا بعد أن يتأكد من انطباقه على الواقعة.

وأشار أبو غدة إلى أن الاجتهاد في عصرنا اليوم أصبح سهلا نظرا لتوفر النصوص وسهولة الوصول إليها، مضيفا أنه يرتاح جدا في هذا العصر إلى الاجتهاد الجماعي أكثر من الاجتهاد الفردي، لأن الأخير قد يكون متأثرا بالترغيب أو الترهيب أو الضغوط. والاجتهاد الجماعي حسب أبو غدة يمكن أن يتم من خلال المجامع الفقهية المشهورة  التي تجمع نخبة من علماء المسلمين الكبار من مختلف الدول.

وقال أبو غدة إننا إذا وجدنا جماعة في عصرنا اليوم تستطيع أن تصل إلى الحكم بالتشاور والتناظر، فإن الإنسان سيطمئن أكثر. ونبه أبو غدة إلى ضرورة البحث عن آليات جديدة للاجتهاد الجماعي، وذكر من هذه الآليات المعاصرة: المجامع الفقهية المشهورة، التي تؤدي إلى الوصول إلى حكم سوي بعيد عن الشوائب والأخطاء . حسب أبو غدة.

وأكد أبو غدة أن الاجتهاد ضرورة، ولكن يجب أن يكون لهذا الاجتهاد آلياته وضوابطه الشرعية حتى يكون اجتهادا صحيحا. أما الاجتهاد الذي يقوم على مجرد الهوى  أو التعلق بأمور دون أن تكون لدى أصحابها أدلة قوية على “اجتهادهم”، فهذه اجتهادات يجب الحذر منها، لخطورتها على الأمة، وقد سماها الفقهاء بـ”الآراء الشاذة”.

اجتهادات فوضوية

نورة بو حناش، أستاذة الفلسفة بجامعة قسطنطينة في الجزائر، قالت في مداخلتها إن غياب الاجتهاد الشرعي في عصرنا اليوم تسبب في وجود خلافات واجتهادات فوضوية في الساحة الإسلامية. وقد أدت هذه الاجتهادات الفوضوية بدورها إلى فوضى في الواقع، نظرا لإشكالية أساسية نعيشها، تتمثل في فضاء الحداثة. حسب نورة.

وأضافت نورة: نحن اليوم نعيش داخل فضاء الحداثة، ومطالبون دائما بالحياة داخله، من أجل الإجابة على الأسئلة الواقعة وفق منظور ثقافتنا الإسلامية التي أصبحت ثقافة إنتروبولوجية، مغروزة في سلوكنا.

وقالت نورة بوحناش إن المطلب الأول في مجال الاجتهاد هو أن نجتهد في الاجتهاد، لكن هذا الأمر يتطلب رؤية جديدة، تعيدنا إلى فتح منظور آخر للاجتهاد، لكن هذا المنظور لا يمكن أن يكون منقطعا عما وصلت إليه الثقافة الإنسانية المعاصرة، والتي تميزت بحضور مركزي للتصور المرجعي للمناهج.

واعتبرت نورة أن تجديد الاجتهاد في الوقت المعاصر قد يساعد على تجاوز قضايا كبيرة يعيشها العالم، مشيرة إلى أن تقسيم العالم الإسلامي إلى عقائد ومذاهب فقهية مختلفة، هو تقسيم مستغل من الناحية الجيوسياسية في الحرب التي عادت على الإسلام برؤية سلبية. تقول نورة.

واختتمت نورة مداخلتها بقولها: إننا مطالبون بقراءة عميقة لتراثنا، وإحاطة شاملة بالمناهج التجديدية في الرؤية الكونية التي تهتم بالإنسان والمجتمع. وخلاصة  القول أننا بحاجة إلى الاجتهاد، لأن تفعيل باب الاجتهاد يمثل عملية حيوية بالنسبة للمسلمين، والمسلمون لا يمكنهم أن يخرجوا من تاريخهم. تقول نورة.

الاجتهاد والانتماء للوطن

أما عبد الرحمن القافي، أستاذ مقاصد الشريعة في جامعة عبد المالك السعدي بتطوان- المغرب، فقال إن الاجتهاد يجتاح إلى أهلية وإرادة، سواء كانت إرادة فردية أو إرادة جماعية.

وانتقد القافي ما ذهب إليه أبو غدة من أن الاجتهاد الجماعي يمكن أن يتم من خلال المجامع الفقهية، قائلا: إن المجامع تختلف، فهناك بعض المجامع الفقهية ينتدب إليها علماء رسميون يستصحبون انتماءهم لهذه الدول وهم في موضوع الاجتهاد، فتصير الأناشيد والأعلام الوطنية هي المرجحة والحاكمة، فينتفي العلم ليحل محله هذا الانتماء الوطني، وهذا ما ينبغي أن نحذر منه. يقول  القافي.

الاجتهاد وتأثيرات الحداثة

أما معتز الخطيب الأستاذ بجامعة حمد بن خليفة فقال إنه مع الدخول في الأزمنة الحديثة (بدءً من أواخر القرن التاسع عشر إلى الآن) تأزمت نظرية التقليد، ولم تعد صالحة كما هي لعدة أسباب منها: تأثيرات الحداثة الغربية، وعدم قدرة المفتين على مواكبة الحوادث والمستجدات الكثيرة، وتعاظم التحول والخروج من نسق نظام الأزمنة الكلاسيكية إلى نظام الأزمنة الحديثة.

واعتبر معتز الخطيب أن مظاهر تأزم التقليد تتمثل في مجموعة نقاط، منها:

تراجع أدوار المفتين في الدولة الحديثة، فغابت أدوارهم التي كانت مركزية قبل هذه الدولة.

ضعف آليات التكوين، بالمقارنة مع الأئمة الكبار السابقين، الذين كانوا قادرين على تطوير الفقه وإمداده بالفتاوى ومواكبة التغييرات والمستجدات.

حجم التحديات واختلاف النسق، فأصبحنا مُنْفَعِلِينَ لا فاعلين، وأصبح المفتي يلهث وراء الحدث، ولم يعد قادرا على التفكير.